اتفاق تحرير المخطوفين يُلزم بإقامة بديل سلطوي في القطاع

هآرتس 17/1/2025، تسفي برئيل: اتفاق تحرير المخطوفين يُلزم بإقامة بديل سلطوي في القطاع
بعد أسبوعين تقريبا ستنتهي المرحلة الأولى من اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوقيع عليه بين إسرائيل ولبنان. وحتى 27 كانون الثاني الحالي يتوقع أن تنسحب إسرائيل من كل أراضي لبنان. الآن تم التوقيع، بعد الكثير من الآلام، أيضا على الاتفاق مع حماس. ورغم أن أحد الاتفاقين هو مع دولة والآخر مع منظمة، إلا أنه عمليا هذان الاتفاقات تم التوقيع عليهما بين إسرائيل وبين تنظيمات تعتبر إرهابية، حيث فيهما الهدف هو وضع قيود قانونية على مجال النشاطات العسكرية لهذه التنظيمات، وليس دول، وفيهما مطلوب موافقة ومصادقة هذه التنظيمات. كان مطلوب لكليهما تدخل وضغط من قبل دول اجنبية من اجل التوصل الى التوقيع عليهما.كل واحد من هذين الاتفاقين يوفر لإسرائيل حرية العمل العسكري ضد أي خرق، وكلاهما محاطان باطار سياسي ودولي، للرقابة والتعهد بأنه لن يتم خرق هذه الاتفاقات.
يبدو أن الشرط الرئيسي لاجراء المفاوضات في الحالتين كانا مختلفين بشكل جوهري.حسن نصر الله لم يحتجز 250 مخطوف، الذين كان يمكنه استخدامهم كورقة مساومة. ولكنه منع عشرات آلاف الإسرائيليين، الذين اخلوا بيوتهم في شمال البلاد، من العودة وجعلهم رهائن لوقف اطلاق النار. حماس في المقابل، توقفت عن أن تكون تهديد يمكنه منع عودة سكان غلاف غزة الى بيوتهم، لكنها ستستمر في احتجاز عدد من المخطوفين الى حين انتهاء المرحلة الأولى للاتفاق، وتحريرهم جميعا سيكون مرهون باتفاق آخر، الذي يمكن أن يضمن بأن الحرب ستنتهي بشكل نهائي.
فرق آخر يتعلق باهداف كل اتفاق من هذين الاتفاقين. في لبنان إسرائيل تطمح في الواقع الى أن يتم نزع سلاح حزب الله، لكنها تكتفي بانسحاب قواته الى ما وراء الليطاني، ومهمة نزع سلاحه ابقتها للجيش اللبناني. هي أيضا لا تطلب تفكيك حزب الله كجسم سياسي، ولا تطلب عدم اشراكه في الحكومة وفي البرلمان. في غزة نزع سلاح حماس هو مهمة حصرية لإسرائيل، التي تطمح الى تدمير المنظمة بشكل مطلق، كاطار عسكري وكاطار سلطوي أيضا.
المفارقة هي أنه مقارنة مع الاتفاق مع لبنان، الذي يمكن عرضه كاتفاق مع دولة، فانه في غزة إسرائيل توقع على اتفاق مع منظمة، التي بالنسبة لها لا يجب أن تكون موجودة بعد عودة جميع المخطوفين، و”مدة حياتها” ستكون مرهونة من الآن بالفترة التي ستبقى فيها على قيد الحياة. هكذا، في الوقت الذي فيه في لبنان ستكون مدة حياة حزب الله مرهونة فقط بالعوامل السياسية في لبنان وبأدوات الضغط التي يمكنه استخدامه عليها، فان وضع حماس مختلف كليا. امام التهديد الوجودي الذي تلقيه عليها إسرائيل فان حماس سيتعين عليها مواصلة الاحتفاظ بالسور الواقي الإنساني الذي يوفره لها المخطوفون من اجل مواصلة بقائها كمنظمة، إلا اذا تحققت الشروط في الجزء الثاني للمفاوضات، التي ستمكنها من وجودها وسيطرتها في القطاع.
إسرائيل لديها بالطبع إمكانية التخلي عن المخطوفين الباقين، والذين سيتم اطلاق سراحهم في الأسابيع السبعة القادمة، واستئناف الحرب في غزة الى ما لا نهاية. مع ذلك، هي لم يعد باستطاعتها الافتراض بأن الرئيس ترامب سيظهر تجاهها طول النفس، وأنه لن يفتح باب جهنم، هذه المرة ضدها، عندما يكون استمرار الحرب يعني تلاشي احتمالية التطبيع مع السعودية.
الاحتمالية الثانية التي تصمم إسرائيل على رفضها هي أن يتم إقامة في غزة حكم فلسطيني يدير الخدمات المدنية ويبعد ايدي حماس والعصابات الأخرى عن قوافل المساعدات الإنسانية وإعادة ترميم البنى التحتية في القطاع. الإدارة الفلسطينية أيضا توجد لها احتمالية جيدة لتجنيد قوة دولية وعربية بحيث توفر لها الدعم العسكري – قوة توجد دولة واحدة على الأقل وهي دولة الامارات، وعدت للمشاركة فيها. وجود إدارة فلسطينية كهذه لن يحرم إسرائيل من العمل ضد أي نشاطات ضدها تخرج من القطاع، مثلما تفعل في الضفة الغربية، أو مثلما يعطيها الاتفاق مع لبنان بأن تعمل.
يجدر التذكير بأن خطة كهذه من الهجمات العسكرية المركزة من اجل القضاء على نشاطات ضدها، اقترحها أيضا رؤساء جهاز الامن عندما تمت مناقشة قضية التنازل عن السيطرة في محور فيلادلفيا قبل بضعة اشهر. بنيامين نتنياهو رفض في حينه هذه الخطة وصمم على السيطرة الكاملة وغير المحدودة في محور فيلادلفيا، “أساس وجودنا”، وعلى معبر رفح.
الآن حيث الانسحاب من محور فيلادلفيا ومن معبر رفح هو جزء لا يتجزأ من اتفاق إعادة المخطوفين، فان خطة النشاطات العسكرية التي تم حفظها ستعود كما يبدو الى الحياة، لكنها لن تكون كافية لمنع استمرار السيطرة المدنية لحماس، ليس فقط على قوافل المساعدات الإنسانية التي ستزداد بشكل ملحوظ وستوفر للمنظمة مصدر دخل كبير. من اجل منع هذا التطور فان إسرائيل يجب عليها التطلع الى أن تكون البنية السلطوية في القطاع تشبه كثيرا البنية في لبنان، التي فيها الدولة هي الجهة الرسمية المعترف بها، والمخولة الوحيدة لحمل السلاح، وهي أيضا التي ستتحمل المسؤولية عن تنفيذ الاتفاق وإدارة الدولة.
لبنان ليس نموذج للدولة القوية، وجيشه ليس جسم قوي يمكنه التعامل لوحده مع التخريب المسلح الداخلي مثل الذي يمثله حزب الله. بل هي دولة فاشلة ومفلسة وفاسدة. فقط منذ فترة غير بعيدة نجح في انتخاب رئيس للدولة ورئيس حكومة، وحتى الآن ليست لديه حكومة عاملة. ولكن هذه الخصائص البائسة لم تمنع إسرائيل من التوقيع معها على اتفاق، والإدارة الامريكية لم تطلب منها اجراء إصلاحات بعيدة المدى قبل الاعتراف بصلاحيتها وتمثيلها مثلما لم تضع شرط عليها، ابعاد حزب الله من صفوفها.
إضافة الى ذلك الموارد الأكثر أهمية للبنان هي استعداد دول كثيرة، عربية وغربية، للمساعدة في إعادة الاعمار، وأيضا الشرعية الجماهيرية التي يمكنه أن يعتمد عليها اذا أظهر القدرة على مواجهة الازمات وطرح على المواطنين افق اقتصادي وسياسي موثوق.
في غزة يمكن ويجب تشكيل هيكلية سلطوية مشابهة، حتى لو أنها لن تحصل على لقب الدولة. مثلما في لبنان، أيضا في المناطق، السلطة الفلسطينية لا ينطبق عليها تعريف الدولة النموذجية، شرعيتها الجماهيرية معدومة، خزينتها فارغة، الفساد هو جزء من جوهرها وقيادتها منقسمة. مقارنة مع لبنان لا يوجد لديها حتى قوة عسكرية معترف بها. لكنها الجسم الأكثر تجربة في الإدارة المدنية لملايين السكان، والبنى التحتية فيها تعمل، ويوجد لنظامها صلاحيات. منظومات القضاء والتعليم والصحة فيها توفر الخدمات التي أحيانا يمكنها منافسة الخدمات التي يحصل عليها المواطنون في لبنان.
مثل حكومة لبنان أيضا السلطة الفلسطينية لا توجد لها قدرة عسكرية تسمح لها بمواجهة قدرة حماس. ولكن مقارنة مع الحكومة اللبنانية، التي تعتبر حزب الله جزء من منظومة النظام، فان السلطة الفلسطينية، لا سيما رئيسها محمود عباس، تطرح موقف ثابت ومصمم ضد اشراك حماس في الحكم. عشرات جولات المحادثات التي استهدفت إيجاد اطار سلطوي مشترك مع حماس انتهت بالفشل. أيضا حكومة الوحدة التي تم تشكيلها في 2017 تحطمت خلال سنتين، واتفاقات المصالحة التي تم التوقيع عليها بين م.ت.ف وحماس بعد دفن الحكومة، بقيت على الورق.
نتنياهو قال في السابق بأنه يجب على السلطة الفلسطينية تطبيق النظام والقانون في القطاع والتغلب على حماس. إسرائيل لن تجلس على طاولة المفاوضات مع الإرهابيين الذين يريدون تدميرها. هكذا فان إسرائيل ساعدت على إقامة حماستان وجلست للتفاوض مع إرهابيين ووقعت أيضا معهم على اتفاقات. الآن تتبلور الظروف التي ستسمح لبديل آخر بإدارة القطاع، التي هي بحاجة فقط الى أيديولوجيا إسرائيلية مناسبة.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-01-17 15:47:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>