صحافة
الشرق الأوسط الجديد.. ثمرة حلم نتنياهو القديم

الانفصال النظيف وخرائط الخراب
إنه حلم "الشرق الأوسط الجديد"، الذي صاغه نتنياهو ورفاقه من المحافظين الجدد في تسعينيات القرن العشرين، و سعى لتحويل الفوضى في الجوار إلى فرصة استراتيجية لإعادة صياغة المنطقة وفق مقاسات التفوق الإسرائيلي. ويبدو هذا الحلم أكثر قرباً إلى التحقق من أي وقت مضى.اللبنة الفكرية الأساسية لهذا المشروع الحلم تعود إلى تقرير شهير بعنوان "A Clean Break: A New Strategy for Securing the Realm" ("الانفصال النظيف: استراتيجية جديدة لتأمين المملكة")، الذي صاغه فريق من المحافظين الجدد الأمريكيين، بتكليف من اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، وتحديداً لمصلحة نتنياهو في بداية مسيرته السياسية.لم يكن التقرير مجرد ورقة نظرية، بل وثيقة تخطيط استراتيجي، تنصح إسرائيل بالتخلي عن منطق التسوية مع العرب والانتقال إلى منطق إعادة تشكيل المنطقة بما يضمن تفوقها لعقود. من أبرز توصياته:- - تدمير العراق كنقطة ارتكاز قومية يمكن أن تشكّل تهديدًا في المستقبل.
- - عزل سوريا وتقويض نفوذها في لبنان وفلسطين.
- - إضعاف الكيانات المركزية في المنطقة لصالح كيانات مذهبية وعرقية متنازعة.
- - التحالف مع دول الخليج(الفارسي) سنّيًا لمواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع استثمار الخوف من الشيعة والمقاومة.
- - تحويل الصراع العربي-الإسرائيلي إلى "خلاف محلي" يمكن حله إداريًا.
المحافظون الجدد كذراع تنفيذ
تولّى المحافظون الجدد، مثل بول وولفويتز، ريتشارد بيرل، ودونالد رامسفيلد، تسويق هذه الرؤية في أروقة القرار الأميركي. وبعد هجمات 11 سبتمبر، استثمروا صدمة العالم لتمرير أجندة عدوانية على المنطقة. فجاء غزو وتدمير العراق في 2003 كخطوة أولى في التطبيق الميداني.إقرأ أيضاً..تركيا تحسم موقفها من فتح مجالها الجوي أمام طائرة نتنياهوحين يكون الانهيار سياسة
لم يكن مصطلح "الفوضى الخلاقة" وصفًا لنتائج غير مقصودة، بل تعريفًا دقيقًا للاستراتيجية. استخدمته وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس عام 2005 لتبرير دعم واشنطن لـ"تغيير الأنظمة" في المنطقة، لكنها لم تشرح أن الفوضى نفسها هي الغاية، وليست مجرد نتيجة.الفوضى في الشرق الأوسط لم تكن نتيجة فشل الربيع العربي، بل ثمرة استثماره لتفتيت الدول من الداخل. تم اختراق الحركات الاحتجاجية، وشيطنتها، وتجييرها لصالح استراتيجيات إقليمية، فصار "النظام القديم" والانتفاضات عليه، وجهين لصراع يُدار من فوق، لا من الشارع.بعد سنوات من الفوضى الممنهجة، جاءت اتفاقيات أبراهام كذروة تكليل للمشروع. في عام 2020، وقّعت أربع دول عربية اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل (الإمارات، البحرين، السودان، المغرب). لم تكن تلك الخطوة نتاج سلام، بل تتويجًا للفوضى الممنهجة، فالدول التي طُوّعت للتطبيع، إما منهكة من الحروب، أو تبحث عن دعم أميركي للبقاء. هكذا تحوّل العدو الإسرائيلي إلى شريك أمني واقتصادي، دون مقابل للفلسطينيين.بمعنى صريح: بعد أن انهارت دول الجوار، وصار الخوف من المقاومة هو العنوان، تقدّمت إسرائيل كمرساة أمنية واقتصادية، لا كعدو محتل. لم يكن التطبيع وليد تفاهمات سلام، بل وليد هندسة طويلة المدى خلخلت التوازنات، وقوّضت البدائل.ذروة المشروع الدامي
منذ أكتوبر 2023، تشن إسرائيل حربًا إبادة على غزة، تحت غطاء "مكافحة الإرهاب". إلا أن الحقيقة المؤكدة تقول إن هذه الحرب هي محاولة لتصفية الوجود الفلسطيني ماديًا، وتفكيك رموزه ومرتكزاته. ما يحدث يتجاوز الحرب التقليدية: قصف المخيمات والمستشفيات والمساجد والبنية التحتية**، لإبادة المجتمع وليس المقاومة فقط .تجفيف منابع الحياة في القطاع، لتغيير ديموغرافيا كاملة .تأليب الرأي العام الدولي على الفلسطينيين باستخدام خطاب مكافحة الإرهاب. تحييد الأنظمة العربية المطبعة بالصمت أو التواطؤ، بحيث تبدو المجازر كـ"رد طبيعي على تهديد وجودي".هذه ليست حربًا تقليدية، بل ذروة استراتيجية تُديرها إسرائيل منذ عقود: إخراج الفلسطينيين من المعادلة، وفرض "شرق أوسط جديد" بلا مقاومة، ولا قضية، ولا ذاكرةفي ظل هذا التبدل، لم تعد إسرائيل “استثناءً” في المنطقة، بل تسعى لتكون المركز الجديد لنظام إقليمي، عبر شراكات أمنية مع الخليج(الفارسي)، و تطبيع علني مع أنظمة عربية، و لعب دور الوسيط بين أميركا والعرب، و تقديم نفسها كضامن للاستقرار مقابل الفوضى المحيطة.إنه انقلاب في المعادلة: من دولة معزولة إلى دولة مرجعية.من الخرائط إلى الجبهات
ما نعيشه اليوم هو نتاج تصميم طويل الأمد، لا مجرد فوضى عشوائية. الشرق الأوسط الجديد الذي أراده نتنياهو ليس مجرّد فكرة، بل نظام دموي قيد التشكل. لكن كما أسقطت الشعوب الاستعمار القديم، وأسقطت الطغاة، فإن اللحظة التاريخية القادمة قد تكون لحظة الانقلاب على هذا المشروع ذاته.فالشرق الأوسط ليس ملكًا لأحد، بل هو فضاءٌ تُعيد الشعوب تشكيله كلما أُتيحت لها الفرصة، مهما طال القمع، واشتد القتل، وغابت العدالة.مصدر الخبر نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir بتاريخ:2025-05-05 16:05:00 الكاتب: ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي JOIN US AND FOLO