عين على العدو

الشهادات تشير الى أنه منذ 7 اكتوبر الجيش الاسرائيلي اطلق العنان لنفسه ولجنوده

هآرتس 21/4/2025، نير حسون: الشهادات تشير الى أنه منذ 7 اكتوبر الجيش الاسرائيلي اطلق العنان لنفسه ولجنوده

حسب الرأي العام في اسرائيل فان الحرب في غزة – طالما أنه ما زال يمكن تسميتها حرب – تجري خلف ستارة ضبابية. في كل يوم يصدر الجيش الاسرائيلي بيانات عن “تصفية مخربين” و”تدمير بنى تحتية ارهابية” و”انفاق تحت الارض”. البيانات مرفقة لصور جنود وهم بين الانقاض أو بين اكوام صغيرة وصدئة من السلاح الذي تم العثور عليه. تقارير المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي لا تتساوق مع الصور التي تخرج من غزة، جثث اطفال ممزقة، خيام مشتعلة، تدمير مطلق وجوع. الفرق بين تقارير الجيش الاسرائيلي والتقارير من غزة من قبل المنظمات الدولية والجهات الفلسطينية تصعب جدا فهم ما الذي يحدث.

ولكن بين حين وآخر يتلاشى الضباب وتفتح ثغرة لفهم حقيقي لما يحدث. هذا ما حدث مثلا مع قتل المخطوفين الثلاثة الذين رفعوا راية بيضاء في كانون الاول 2023. فجأة تبين للجمهور الاسرائيلي بأن اوامر فتح النار، المعروفة لكل اسرائيلي خدم في الجيش، لم تعد سارية المفعول في غزة، وأن الجنود يطلقون النار حتى على من استسلم ورفع راية بيضاء. هذا ما حدث ايضا في نيسان السنة الماضية عندما قتل سبعة من عاملي مطبخ الغذاء العالمي. في حينه اكتشف الجمهور الاسرائيلي بأن سلاح الجو قصف قافلة سيارات تحمل اشارات واضحة للامم المتحدة ولديها تنسيق – بسبب تجريم، بالخطأ، واحدة من بينها. 

هكذا كان ايضا في عدة مرات اخرى. مثلا، عندما تم العثور على فيلم للطفل محمد سالم، 13 سنة، الذي اصيب باطلاق نار في تشرين الاول الماضي. في الفيلم ظهر سالم وهو يصرخ ويطلب المساعدة، وعندما اقترب بعض السكان لمساعدته تم اطلاق صاروخ آخر عليهم، الذي قتل سالم وطفل آخر واصاب 20 شخص آخر. أو مثلا، في حالة الام التي اطلقت النار عليها على يد قناص في الوقت الذي كانت تحمل في يدها راية بيضاء وباليد الاخرى كانت تحمل ابنها. بين حين وآخر تفتح نوافذ اخرى نحو الواقع، في تحقيقات جهات اعلامية دولية، مثلا في التحقيق الضخم لقناة التلفزيون الامريكية ان.بي.آر، الذي كشف الحادث الذي قتل فيه 132 شخص من عائلة أبو ناصر في بيت لاهيا. 

قصة قتل المسعفين هي ثغرة اخرى للواقع الذي بشكل عام هو ضبابي. فهي تكشف ما حاول الجيش اخفاءه: أن الكثير من التقارير حول “المخربين” و”البنى التحتية الارهابية” و”القتال”، يتبين أنه مبالغ فيها في افضل الحالات، وكذب مطلق في اسوأ الحالات. الشائعات حول شيء فظيع حدث في الطريق الى تل السلطان انتشرت غداة الحادث الذي قتل فيه 15 شخص من عمال الاغاثة. ولكن مرت اربعة ايام الى أن سمح الجيش الاسرائيلي لموظفي الامم المتحدة وطواقم الانقاذ الفلسطينية بالوصول الى هناك. التقارير والتوثيق من كومة الرمال التي دفن تحتها الـ 15 قتيل والسيارات كانت صادمة. خلافا للعادة الامم المتحدة نشرت توثيق مصور لاخلاء الجثث. في الجيش الاسرائيلي سارعوا الى الرد بما اتضح أنه ستار من الوقائع البديلة، أو ببساطة، اكاذيب تبددت واحدة تلو الاخرى.

في البداية قالوا في الجيش بأن السيارات سافرت بدون اضواء الطواريء، التي كان يمكن أن تدل على أنها سيارات اسعاف. عندما نشر الفيلم الذي صوره احد القتلى والذي تظهر فيه بوضوح ثلاث سيارات مع اضواء مشتعلة، تراجع الجيش واوضح بأن الامر يتعلق بسوء فهم. قبل اسبوعين قال المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي في احاطة له بأن السيارة الاولى التي تضررت لم تكن سيارة اسعاف، بل سيارة لشرطة حماس. بعد ذلك تراجع عن هذا الادعاء. ادعاء آخر تبين أنه غير صحيح كان أن تسعة من القتلى تم تشخيصهم وتجريمهم كاعضاء في حماس. اليوم ادعى الجيش الاسرائيلي بأن فقط ستة من بينهم تم تجريمهم كرجال حماس، لكن ايضا في هذه المرة لم يعرض أي دليل يربطهم بحماس. 

ادعاء آخر قدم لوسائل الاعلام الدولية كان أنه في منطقة الحادث تم حظر حركة المدنيين. ولكن أمر اخلاء المنطقة تم اصداره فقط بعد ثلاث ساعات على الحادث. الجيش الاسرائيلي ادعى أن اطلاق النار تم من بعيد، وهذا الادعاء ايضا تم دحضه. التحقيق الذي اجرته شبكة سكاي نيوز البريطانية حلل صوت اطلاق النار في الفيلم الذي وثقه المسعف القتيل، ووجد أن اطلاق النار كان من مسافة 12 – 18 متر فقط. ايضا الادعاء الذي بحسبه قتل في الحادث 14 شخص فقط تبين أنه خاطيء، واليوم الجيش الاسرائيلي يعترف أنه قتل 15 شخص.

الصورة التي تظهر من خلف النافذة في ستارة الضباب صادمة. جنود الجيش الاسرائيلي قتلوا من مسافة قريبة 15 شخص غير مسلحين، الذين سافروا في سيارات تحمل اشارات وتسافر مع اضواء ساطعة وكانوا يرتدون السترات البرتقالية مع عواكس، وارتدوا قفازات طبية زرقاء. يمكن قبول تفسيرات الجيش الاسرائيلي بأن هذا كان “خطأ في فهم الظروف العملياتية” أو أن “القوة شعرت بالتهديد على حياتها”. ولكن تفسير مبسط اكثر يمكن ايجاده في الاقوال الموثقة لقائد دورية غولاني قبل البدء في العملية: “كل من تقابلونه هو عدو. اذا لاحظتهم أي شخص فقوموا بتدميره”. ايضا الآن بعد أن تبدد الدخان حول الحادث إلا أنه ما زالت هناك اسئلة مفتوحة، على رأسها لماذا لم يتم اطلاق سراح المسعف الذي اعتقل في الحادث، وما زال معتقل لدى الجيش الاسرائيلي منذ شهر.

لكن الصدمة الحقيقية لا يجب أن تثور فقط بسبب المشهد الذي يظهر في حادثة المسعفين، ما يجب أن يصدم هي الحقيقة التي تظهر من وراء كل النوافذ التي فتحت ومن خلال جميع المعلومات والتوثيقات التي خرجت من غزة منذ بداية الحرب. لا يوجد أي سبب للافتراض بأن الحالات التي تم ذكرها – المخطوفون الثلاثة، عمال مطبخ الغذاء العالمي، عائلة أبو ناصر، المستعفون وعشرات الحوادث الاخرى التي تم التحقيق فيها في كل وسائل الاعلام الغربية التي تحترم نفسها – بالتحديد هي الاستثناءات. 

الجمهور الاسرائيلي يشبه الشخص الذي يمد اليد للقبعة التي توجد فيها كرات بيضاء وسوداء، في كل مرة يسحب فيها كرة تخرج سوداء، ولكن مرة تلو الاخرى يؤكدون له بأن عشرات آلاف الكرات في القبعة هي بيضاء، لكن بالصدفة هو قام بسحب الكرة السوداء. لماذا يجب الافتراض بأن حادثة قتل المستعفين هي أكثر خطورة وحدثت في ظروف استثنائية اكثر من قتل الستة اشخاص في القصف في دير البلح بعد اسبوعين من ذلك؟ أو ابناء العائلة العشرة الذين قتلوا في خانيونس؟ أو الـ 15 شخص من ابناء عائلة في الشجاعية، و29 عائلة اخرى في الشجاعية، و37 نازح الذين قتلوا في الحريق في اعقاب قصف الخيام في المواصي؟ كل ذلك حدث في الـ 11 يوم الاخير، وتم النشر عنها في تقارير للامم المتحدة وفي وسائل الاعلام الدولية.

ازاء مجموعة الكرات السوداء، الشهادات والصور والتحقيقات والتقارير للمنظمات الدولية، وصور الاقمار الصناعية والمنطق السليم – فانه لا يوجد أي سبب للافتراض بأن باقي الـ 30 ألف مدني (على اقل تقدير) الذين قتلوا في القطاع قد ماتوا في ظروف تتناسب مع القانون الاسرائيلي والقانون الدولي. بالعكس، جميع الدلائل والشهادات تشير الى أنه في حرب 7 اكتوبر الجيش الاسرائيلي حرر نفسه وجنوده من أي قيود قانونية واخلاقية، ونفذ جرائم حرب لا يمكن احصاءها. هناك اثمان كثيرة لتحرير هذه القيود – رئيس الحكومة الذي اضطر الى السفر في خطوط التفافية كي لا يجد نفسه بالخطأ في دولة يمكن أن تسلمه للمعتقل في لاهاي؛ مقاطعة مكشوفة وخفية للعلوم والاقتصاد والهاي تيك في اسرائيل؛ الخجل الذي سيطارد الى الابد اسم دولة اسرائيل؛ الجنود الذين سيخشون من الهبوط في مطارات جميع الدول؛ العنف الداخلي والخارجي؛ الامراض الجسدية والنفسية للجنود المشاركين في الحرب. ولكن الثمن الحقيقي يمكن أن يكون اعلى بكثير، وذلك سيظهر في الصورة التي ستنعكس للمجتمع الاسرائيلي في المرآة في اليوم الذي سيتلاشى فيه الضباب.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-04-21 15:06:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

/a>


اكتشاف المزيد من بتوقيت بيروت -اخبار لبنان والعالم

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

الشهادات تشير الى أنه منذ 7 اكتوبر الجيش الاسرائيلي اطلق


اكتشاف المزيد من بتوقيت بيروت -اخبار لبنان والعالم

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى