تحولت أشباه الموصلات إلى عنصر جوهري للاقتصاد الرقمي، وهو ما فتح باب التنافس بين القوى العظمى للتحكم في إمدادات الرقائق، حيث تزايد قدراتها يدعم تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يَعد بتغيير معالم العديد من القطاعات.
واتضح الدور الحيوي للرقائق الكترونية عندما أدت جائحة كورونا إلى اضطراب إنتاج الرقائق في آسيا، لتعم الفوضى سلاسل توريد التكنولوجيا. ولتفادي مثل هذه المشكلة مستقبلا فرضت الولايات المتحدة مجموعة من القيود، التي تهدف إلى عرقلة طموحات الصين في قطاع وضمان هيمنتها على الريادة في ذلك المجال الحيوي.
ويرجح المحللون أن يستمر التركيز على الرقائق في عهد إدارة الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب، والتي تسعى إلى دعم القدرات والتصنيع في الولايات المتحدة. وتمثل الرقائق العنصر اللازم لمعالجة واستيعاب الكميات الهائلة من البيانات التي باتت تنافس النفط على مكانة شريان حياة الاقتصاد.
وتتطور معظم تكنولوجيا أشباه الموصلات الرائدة في الولايات المتحدة، مع ذلك، تهيمن تايوان وكوريا الجنوبية على تصنيع الرقائق حالياً، وعلى الجانب الآخر، تعد الصين أكبر سوق في العالم لهذه المكونات الإلكترونية.
وتزداد رغبة الصينيين في زيادة التصنيع المحلي للرقائق التي تستخدمها، ما صب اهتمام واشنطن على القطاع في إطار سعيها لتقييد تقدم منافستها الآسيوية والتصدي لما تصفها بأنها مخاوف مرتبطة بالأمن القومي.
وفرضت واشنطن قيوداً على التصدير وتعريفات جمركية على الاستيراد لاحتواء الطموح الصيني، كما تخصص جزءا ضخم من التمويل الحكومي لإعادة الإنتاج الفعلي للرقائق إلى أراضيها.
والهدف من ذلك هو تقليص ما تعتبره اعتماداً خطيراً على بضعة مصانع في شرق آسيا، ويحذو عدد من الدول الأخرى، من بينها ألمانيا وإسبانيا والهند واليابان، الحذو نفسه.
وكشفت مصادر مطلعة لوكالة بلومبيرغ، لم تذكر هويتهم، الأحد أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس فرض المزيد من القيود على بيع معدات صنع أشباه الموصلات، فضلاً عن رقائق الذكاء الاصطناعي إلى الصين.
وأشاروا إلى أنه يمكن الإعلان عن القيود في أوائل شهر ديسمبر الحالي على أقرب تقدير ما يعد تصعيداً لتضييق واشنطن الخناق على طموحات بكين التكنولوجية.
وأصبح صنع الرقائق مجالاً يتسم بخطورة متزايدة وحصرية أكبر، فإنشاء مصنع جديد يكلف أكثر من 20 مليار دولار، ويستغرق سنوات، ويتعين تشغيله طوال اليوم للتحول إلى الربحية.
كما أن حجم الإنتاج اللازم قلص عدد الشركات التي لديها أحدث تكنولوجيا رائدة في المجال إلى 3 فقط، هم تايوان سيميكونوكتور مانوفاكتشورينغ (تي.أم.أس.سي) وسامسونغ الكورية وإنتل الأميركية.
وتضطلع تي.أس.أم.سي وسامسونغ بما يطلق عليه دور “المسابك”، وتسند عملية التصنيع إلى شركات في جميع أنحاء العالم.
وتعتمد أكبر شركات التكنولوجيا على إمكانية الوصول إلى أفضل جهات التصنيع، التي يوجد معظمها في تايوان، ورغم تركيز إنتل في السابق على التصنيع لتلبية احتياجاتها، إلا أنها تسعى حالياً إلى منافسة تي.أس.أم.سي وسامسونغ في مجال عقود التصنيع.
وفي المستوى الأدنى، يوجد قطاع ضخم يُنتج ما يطلق عليها اسم “الرقائق التناظرية”، وتعد تكساس إنسترومنتس وأس.تي ميكرو الكترونيكس من بين أكبر الشركات المنتجة لهذا النوع من المكونات.
وبمقدور هذه المكونات أداء مهام مثل تعديل الكهرباء داخل الهواتف الذكية والتحكم في درجات الحرارة وتحويل الصوت إلى نبضات كهربائية.
وهذا هو المجال الذي تستهدفه الصين وتضخ فيه استثمارات ضخمة بهدف زيادة الإنتاج والاستحواذ على حصة سوقية، في ظل منعها من الحصول على عدد كبير من الآلات اللازمة لإنتاج مزيد من الرقائق الأكثر تطوراً.
ورغم الإنفاق الصيني الكبير، ما تزال شركات صنع الرقائق في البلاد تعتمد على التقنيات الأميركية والأجنبية الأخرى، كما تتراجع إمكانية حصولها على معدات إنتاج الرقائق المصممة والمنتجة خارج البلاد.
ورأى الساسة الأميركيون أن عليهم عدم الاكتفاء بعرقلة الصين، فبموجب قانون يعود لعام 2022، خُصصت 39 مليار دولار لتقديم منح مباشرة، إلى جانب قروض وضمانات قروض بقيمة 75 مليار دولار، بهدف إنعاش قطاع صنع الرقائق في الولايات المتحدة.
ولم تقف الصين مكتوفة الأيدي، حيث تؤسس هواوي شبكة ظل لتصنيع أشباه الموصلات، تضم منشآت تصنيع في جميع أنحاء البلاد وتمكّن الشركات المحظورة من الالتفاف على العقوبات الأميركية وزيادة الطموحات التقنية للبلاد.
وكشفت الشركة في 2023 عن هاتف ذكي يعمل بمعالج يستخدم ما يطلق عليها تكنولوجيا 7 نانومتر، وهو أكثر تطورا، مما تسمح به العقوبات الأميركية.
لكن هواوي وشريكتها الرئيسية سيميكونوكتور ما تزالان متوقفتان عند تكنولوجيا 7 نانوميتر، ويُرجح أن تظلا كذلك حتى 2026، لتتأخرا عن أحدث التقنيات بعدة أجيال، ما سيشكل ضربة قوية لطموحات بكين.
وفي أوروبا، تم اعتماد خط بكلفة 46.3 مليار دولار لزيادة قدرة التصنيع المحلية، وتتوقع المفوضية الأوروبية أن يتجاوز إجمالي الاستثمارات العامة والخاصة 108 مليارات دولار.
وتهدف الخطة إلى مضاعفة إنتاج التكتل ليبلغ حصة 20 في المئة من السوق العالمية بحلول 2030، كما تضع اليابان وكوريا الجنوبية خططاً لإنفاق المليارات على دعم قطاع الرقائق.
ورغم أن الشركات اليابانية تعد من أكبر مصممي معدات صنع الرقائق في العالم، فإن الشركتين الكوريتين العملاقتين سامسونغ وأس.كي هاينكس هما الأكبر في العالم في مجال رقائق الذاكرة، بالأخص تلك التي تستعملها إنفيديا في تطوير الذكاء الاصطناعي.
أما الهند، فوافقت في فبراير على استثمارات بقيمة 15.2 مليار دولار في منشآت صنع أشباه الموصلات، بما يشمل اقتراح تاتا غروب بناء أول منشأة ضخمة لصنع الرقائق في البلاد.
ويدرس صندوق الثروة السعودي استثمارا ضخما لم يكشف عنه يعلن بداية دخول البلد الخليجي إلى قطاع الرقائق، في إطار سعيها إلى تنويع الاقتصاد المعتمد على الوقود الأحفوري.
The post القوى الكبرى تتسابق للتحكم في إمدادات الرقائق الإلكترونية appeared first on Lebanon Economy.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :lebanoneconomy.net بتاريخ:2024-12-02 06:26:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي