الهند تزيد الضغط على فرنسا بشأن أسرار مقاتلات رافال

ومن بين الأنظمة المحلية التي تسعى الهند لدمجها في المقاتلة: صاروخ “أسترا Mk1” جو-جو بعيد المدى، والسلاح الذكي المضاد للمطارات (SAAW)، واللذان يهدفان إلى تعزيز قدرات الهند في الضربات الدقيقة في سيناريوهات الحرب التقليدية والهجينة. يُذكر أن صفقة رافال الأصلية، التي وُقّعت في 23 سبتمبر 2016 بقيمة 7.8 مليار يورو، جلبت 36 مقاتلة متعددة المهام من الجيل 4.5 إلى سلاح الجو الهندي، وتم الانتهاء من تسليمها بحلول أبريل 2022، حيث نُشرت في قاعدتي “أمبالا” و”هسيمارا”. وفي 28 أبريل 2025، عمّقت الهند شراكتها الاستراتيجية مع فرنسا عبر اتفاق حكومي بقيمة 7.4 مليار دولار أمريكي لشراء 26 مقاتلة “رافال مارين” (Rafale-M) للقوات البحرية الهندية.

وتهدف هذه الصفقة البحرية إلى استبدال أسطول MiG-29K المتقادم، وتمثل قفزة نوعية في قدرات الهند الهجومية البحرية، إذ ستمكّنها من نشر هذه الطائرات على متن حاملة الطائرات INS Vikrant وINS Vikramaditya لردع النفوذ الصيني المتزايد في منطقة المحيط الهندي. تتميز رافال-مارين بأنظمة إلكترونية متقدمة وقدرات هبوط على حاملات الطائرات، إضافة إلى تسليحها بصاروخ “ميتيور” (Meteor) بعيد المدى، مما يتيح للهند فرض تفوق جوي في المياه المتنازع عليها بالمحيطين الهندي والهادئ، والمضائق الحيوية مثل “مضيق ملقا” و”بحر الصين الجنوبي”. كما أن دخول هذه المقاتلة للخدمة البحرية يأتي وسط تصاعد التوترات بعد صدام “وادي جالوان” عام 2020 مع الصين، واستمرار التوترات على خط السيطرة الفعلي (LAC)، ما يعزز تصميم الهند على الحفاظ على قوة ردع فعالة في البر والبحر. غير أن قدرة الهند على استغلال إمكانات رافال بشكل كامل لا تزال مقيدة بسبب رفض شركة داسو مشاركة الشيفرة المصدرية لأنظمة أساسية مثل الرادار AESA (المصفوفة الممسوحة إلكترونياً) والكمبيوتر متعدد المهام (MMC). تُعد هذه الأنظمة العمود الفقري الرقمي لبنية رافال القتالية، إذ توفّر وعيًا ظرفيًا متقدماً، ودمجاً فعالاً للمجسّات، ومرونة عالية في المهام، ما يمنح المقاتلة أفضلية حاسمة في البيئات القتالية المعقدة ومتعددة المجالات. ويُذكر أن رادار AESA، الذي طورته شركة “تاليس”، يمكّن من تتبع واستهداف عدة أهداف جوية وسطحية في آن واحد — وهي قدرة ضرورية في الحروب الجوية الحديثة التي تتسم بتكتيكات الهجوم الجماعي والإغراق العددي.

إصرار الهند على الوصول إلى الشيفرة المصدرية يعود إلى التحديات التشغيلية التي واجهتها مع أسطول “ميراج 2000″، حيث أدى تقييد الوصول إلى البرمجيات إلى تعقيد عمليات دمج الأسلحة المحلية وتحديث الأنظمة، مما تسبب في تأخيرات مكلفة واعتماد مستمر على جهات أجنبية. ورغم ذلك، فإن “تحفظ فرنسا على مشاركة الشيفرة المصدرية لم يؤثر سلبًا على العلاقات الدبلوماسية مع الهند”، وفقًا لخبراء، الذين يشيرون إلى استمرار التعاون الدفاعي وبناء الثقة، بما في ذلك صفقة رافال-مارين الأخيرة. ترتكز الحيطة الفرنسية إلى حماية الملكية الفكرية، حيث تمثل الشيفرة المصدرية لرافال حصيلة عقود من البحث والتطوير والخوارزميات الخاصة واستثمارات ضخمة في تقنيات القتال والتحكم في الطيران. وفي عصر يتسم بالتجسس الإلكتروني والهندسة العكسية وانتشار التقنيات ذات الاستخدام المزدوج، تخشى فرنسا من أن يؤدي منح وصول غير محدود إلى تسرب التكنولوجيا أو استنساخها من قبل خصوم أو أطراف غير موثوقة. كما أن منح الهند حق الوصول الكامل قد يخلق سابقة تشجع زبائن رافال الآخرين — مثل قطر، ومصر، وإندونيسيا — على تقديم مطالب مماثلة، مما قد يضعف قدرة فرنسا على التحكم في صادراتها العسكرية.

هناك أيضًا مخاوف من أن التعديلات غير المنظمة من طرف ثالث على برمجيات المهام قد تؤثر على سلامة النظام، وتُحدث ثغرات غير متوقعة، أو تعطل بروتوكولات الصيانة، خاصة في المهام عالية الخطورة مثل الضربات الدقيقة أو التوغلات العميقة. ولإدارة هذه التوترات، اقترحت فرنسا حلاً وسطاً — يشمل أطر تعاون محدودة، مثل فرق عمل فنية مشتركة وحُزم تطوير برمجيات مقيدة تتيح دمجًا انتقائيًا للأنظمة الهندية في منصة رافال. وقد أثمرت هذه الترتيبات بالفعل، حيث يجري الآن دمج صاروخ Astra Mk1 الهندي في رافال، وهو صاروخ بعيد المدى يتجاوز مداه 100 كلم، ما يعزز قدرة الطائرة في الاشتباك مع طائرات مثل JF-17 الباكستانية وJ-20 الصينية الشبحية. كما أن إدماج السلاح الذكي المضاد للمطارات (SAAW)، وهو قنبلة انزلاقية دقيقة تُستخدم لتحييد المطارات والملاجئ المعادية، سيعزز من قدرات رافال الهجومية في بيئات جبلية أو سيناريوهات الطوارئ العابرة للحدود. إن سعي الهند للحصول على الشيفرة المصدرية لا يُعد مطلبًا تقنيًا فحسب، بل هو أيضًا تعبير جيوسياسي عن السعي للاستقلال، يعكس إصرار الهند الاستراتيجي على الحفاظ على استقلالها العملياتي في عصر من التعددية القطبية واضطراب سلاسل الإمداد الدفاعية. تمنح الخصائص الشبحية لرافال، إلى جانب حزمة الحرب الإلكترونية المتقدمة وقدرات الضربات بعيدة المدى، الهند رادعًا موثوقًا ضد الخصوم الإقليميين والتهديدات غير المتكافئة في مناطق مضطربة مثل لاداخ، وأروناشال براديش، وغرب المحيط الهندي. أما النهج الفرنسي الحذر، فيعكس قلقًا أوسع لدى الغرب بشأن انتشار التقنيات المتقدمة في ظل تنافس القوى الكبرى، حيث تسعى دول كالصين وروسيا إلى استغلال أي ثغرات في البنية الدفاعية العالمية. ومع ذلك، تظل العلاقات الدفاعية بين الهند وفرنسا متينة رغم الخلاف حول الشيفرة المصدرية، وتستند إلى مصالح استراتيجية مشتركة في مواجهة التمدد الصيني ودعم النظام القائم على القواعد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. تستمر التدريبات العسكرية المشتركة وأطر تبادل المعلومات وتعميق التعاون الصناعي بين البلدين، ما يعكس التزامًا متبادلاً بالتكامل العملياتي طويل الأمد والتقارب الاستراتيجي. لقد وضعت صفقة رافال-مارين الهند في موقع الشريك البحري المحوري لفرنسا، بما يتماشى مع التوجه الاستراتيجي الفرنسي نحو منطقة المحيطين، كرد فعل على مبادرة “الحزام والطريق” والتوسع العسكري الصيني في المنطقة. وتزداد أهمية هذا التناغم الثنائي في عام 2025، في ظل تفاقم الأوضاع الأمنية العالمية بسبب الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة، وتجدد التوترات في الشرق الأوسط، وتصاعد التنافس الأمريكي-الصيني على المستويات الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية. إن سعي الهند للوصول إلى الشيفرة المصدرية لرافال هو خطوة استباقية تهدف إلى تأمين مستقبل أسطولها القتالي، وضمان قدرته على التكيّف مع بيئات تهديد متطورة ومع خصوم يمتلكون قدرات متقدمة. وبدمج الابتكار المحلي مع الأنظمة الأجنبية المتقدمة، ترسم الهند مسارها لتصبح قوة دفاعية مستقلة، مع التكيّف مع تعقيدات المنافسة بين القوى العظمى في القرن الحادي والعشرين.

نور الدين من مواليد عام 1984، المغرب، هو كاتب وخبير في موقع الدفاع العربي، حاصل على ديبلوم المؤثرات الخاصة، ولديه اهتمام عميق بالقضايا المتعلقة بالدفاع والجغرافيا السياسية. وهو مهتم بتأثير التكنولوجيا على أهداف السياسة الخارجية بالإضافة إلى العمليات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إقرأ المزيد

Next post

Back to Top