بوتين يكشف عن غواصاته النووية… روسيا تريد استعادة الهيبة من تحت البحر

تحت هذا الشعار، شرعت روسيا في تنفيذ أضخم مشروع بحري عسكري منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، معلنة تخصيص أكثر من 100 مليار دولار على مدى العقد القادم لبناء أسطول جديد من غواصات “بوراي-إي” و”ياسن-إم”، في تحول نوعي لطبيعة التهديدات الاستراتيجية التي تستعد موسكو لتصديرها إلى ما وراء حدودها.


بعيدًا عن صخب الحرب في أوكرانيا، تسعى موسكو إلى استعادة هيبة الردع النووي عبر أكثر المنصات غموضًا وفتكًا: الغواصات النووية. فقد كشفت المواجهة الأوكرانية عن هشاشة الأسطول الروسي، خصوصًا بعد استهداف قواعد سيفاستوبول وغرق عدد من السفن. هذا التراجع دفع الكرملين للعودة إلى “الورقة القديمة” التي لطالما ضمنت التوازن في حقبة الحرب الباردة: غواصات نووية صامتة قادرة على تنفيذ ضربات عابرة للقارات دون أن يتم رصدها.
المرحلة الأولى كانت بإحياء مشروع “بوراي”، وهي غواصات من الجيل الرابع مزودة بصواريخ “بولافا” الباليستية النووية، التي يتجاوز مداها 8000 كيلومتر وتتميز بقدرتها على تغيير المسار لتفادي أنظمة الدفاع الصاروخي. وتعد هذه الغواصات من بين الأكثر هدوءًا في العالم، ما يجعل اكتشافها مهمة شبه مستحيلة.
لكن بوتين لم يكتفِ بالردع النووي الاستراتيجي، بل ارتقى بالتهديد إلى مستوى آخر من خلال غواصات “ياسن”، وهي منصات هجومية متعددة المهام، قادرة على ملاحقة السفن الحربية خاصة حاملات الطائرات وتدميرها، ومجهزة بصواريخ مجنحة مثل “كاليبر” و”إكس”، ما يمنحها القدرة على ضرب أهداف برية على مسافات بعيدة، وكأنها مقاتلات شبح بحرية تعمل في صمت قاتل.
في الأشهر الأخيرة، كثّف الإعلام الروسي من الترويج لهذا المشروع ليس فقط كمنجز عسكري، بل كرمز وطني يعكس قدرة روسيا على تحدي العزلة الغربية وإعادة بناء حضورها كقوة بحرية نووية عظمى. ووفق التقديرات، تخطط موسكو لبناء ما لا يقل عن 12 غواصة جديدة بحلول عام 2035، إلى جانب تحديث الغواصات القديمة لتحويلها إلى منصات هجومية أو دفاعية حسب الحاجة.


رغم الأزمة الاقتصادية التي تواجهها روسيا بفعل العقوبات وتراجع قيمة الروبل وتكاليف الحرب المستمرة، تصر القيادة الروسية على أن هذا الاستثمار لا يحتمل التأجيل، باعتباره ضرورة استراتيجية. الردع الصامت، بحسب الرواية الرسمية، هو خط الدفاع الأخير في مواجهة أي تصعيد غربي مباشر.
لكن هذه الخطوة تحمل كذلك رسائل واضحة لأكثر من طرف: إلى واشنطن، التي تعمل على تطوير غواصات “كولومبيا” خلفًا لـ”أوهايو”؛ إلى بكين، التي تسارع في بناء أسطولها النووي؛ وإلى حلف الناتو، الذي قد يعيد النظر في استراتيجيته البحرية بعد أن كان يظن أن التهديد الروسي قد انحسر.
المثير للانتباه أن الاستراتيجية الروسية البحرية لا تتركز في البحر الأسود أو البلطيق، بل تتجه إلى آفاق أوسع: المحيط الهادئ والمناطق القطبية الشمالية، حيث تتقاطع المصالح الاستراتيجية المرتبطة بالطاقة والملاحة نتيجة ذوبان الجليد. وهنا، تلعب الغواصات دور الأداة المثلى: صامتة، دائمة، وغير قابلة للرصد.
ورغم التحديات، يبدو أن موسكو مصممة على تنفيذ هذا المشروع، متجاوزة إخفاقات سابقة مثل حاملة الطائرات “كوزنيتسوف” التي تحولت إلى رمز لفشل مشاريع التسليح البحري. هذه المرة، تراهن روسيا على استثمار عسكري منضبط ومدعوم بموارد الطاقة ومبيعات السلاح.
القلق الغربي بدأ يتخذ شكلاً معلنًا، مع صدور تقارير أمنية أوروبية تحذر من احتمال إحياء روسيا لعقيدة “الضربة النووية الثانية” — قدرة الغواصات على الرد بعد تعرض البلاد لهجوم نووي مفاجئ، وهو ما يعيد للأذهان مشهد الحرب الباردة وتوازن الرعب القائم على مبدأ “الرد حتى بعد الفناء”.
وبينما تتعثر روسيا على الأرض في أوكرانيا، يبدو أنها تبني في الأعماق مشروعًا موازيًا لاستعادة زمام المبادرة الاستراتيجية. فالصراع لم يعد مقتصرًا على خنادق دونيتسك أو سماء كييف، بل انتقل إلى المحيطات، حيث لا يُسمع شيء، لكن كل شيء قد يتغير فجأة.
وهكذا، حتى لو انتهت الحرب في أوكرانيا بتسوية، فإن إرثها البحري سيظل حاضرًا. غواصات “بوراي” و”ياسن” ستواصل دورياتها الصامتة، حاملة في طياتها احتمالات الردع والتصعيد وإعادة صياغة التوازن العالمي. هذا المشروع ليس مجرد تحديث لأسطول تقادم، بل هو عودة روسية مدروسة إلى التوازن العالمي… من الأعماق.
ففي زمن يفيض بالتقنيات الدقيقة والطائرات دون طيار، تذكّرنا موسكو أن الغواصات لا تزال من أخطر أدوات الردع وأشدها غموضًا. فهل ندخل حقبة جديدة من المواجهة الصامتة في أعماق المحيطات؟ أم أن هذه الغواصات ليست سوى ورقة تفاوض في لعبة لم تبدأ بعد؟




JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.defense-arabic.com بتاريخ:2025-05-03 09:10:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
تم نشر الخبر مترجم عبر خدمة غوغل