ترامب يقرر “اليوم التالي” في الشرق الأوسط وليس لإسرائيل الا ان تطيع

beiruttime-lb.com|: هذا المقال يتناول موضوع "ترامب يقرر “اليوم التالي” في الشرق الأوسط وليس لإسرائيل الا ان تطيع" بالتفصيل.
مفهوم “اليوم التالي” كان يمكن أن يترجم الحرب الى إنجازات بعيدة المدى تضمن فترة هدوء، فيها عودة المخطوفين، وعودة المخلين الى بيوتهم، والافق الاقتصادي والنظامي لدولة إسرائيل. بدلا من ذلك هو يمثل غياب مطلق لتخطيط سياسي وتسوية اخذة في التبلور ليس بيد إسرائيل.
في كل “الجبهات السبعة”، وهو مفهوم آخر يردد صدى حرب الاستقلال، اخذة في التراكم اتفاقات وتسويات مؤقتة. اذا صمدت هذه الاتفاقات فهي ستغطي على الحاجة الى إدارة “المعركة بين الحربين”، التي ميزت العقود الأخيرة، واملاء مكانة إسرائيل في الشرق الأوسط. هذه التسويات، لشديد الفشل، لا تاتي بفضل مبادرة سياسية بعيدة الرؤية لإسرائيل او على أساس خطة عمل منظمة التي تم التخطيط لها مسبقا، بل هي تبنى وتوضع وتملى على يد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وتمتلك الشرعية من منظومات العلاقات التي يؤسسها مع عدد من دول المنطقة، وبالاساس دول الخليج وعلى رأسها السعودية. كلما تطورت هذه التسويات فانه يمكن القول ان النشاطات العسكرية لإسرائيل في الواقع وضعت الأسس لتسوية إقليمية جديدة، لكن ما يعتبر “تغيير لوجه الشرق الأوسط” ينفذه الرئيس الأمريكي الذي يقوم بتشكيل “اليوم التالي” كما يريد.
عندما يتم فحص على انفراد كل جبهة من هذه الجبهات التي جرت فيها الحرب، وندمجها في نسيج واحد، فانه تتضح لنا الجناح السياسي الإقليمي الجديد الذي تطور بعد 7 أكتوبر، وابرز انجاز عسكري وسياسي هو سحق قيادة حزب الله في لبنان وتحويله من تنظيم – حاكم توجد له دولة، ومن المحور الرئيسي في “حلقة النار” التي اقامتها ايران في المنطقة، الى تنظيم لزج.
في الواقع حزب الله ما زال يحتفظ بسلاحه وبالامكانية الكامنة ليهدد استقرار لبنان، ولكن بدون الركيزة الجماهيرية والسياسية التي اعطته الحياة لعشرات السنين. الرئيس والحكومة الجديدة في لبنان قاموا بإلغاء النموذج الذي استمر لسنوات كثيرة، والذي يقول بأن “المقاومة”، أي حزب الله، هي الضمانة لسيادة الدولة وأمنها.
الرئيس جوزيف عون، الذي عندما كان قائد الجيش عرف عن قرب المعادلة المهينة التي بحسبها الجيش هو ثانوي بالنسبة لحزب الله، بكونه عاجز امام العدو الإسرائيلي، أعاد الترتيب الصحيح لوضعه السليم عندما قال ان الدولة ستحتفظ بحقها الحصري للسيطرة بالوسائل العنيفة. التجديد ليس في الاقوال نفسها التي سبق وتمت صياغتها في القرار 1701 من العام 2006، الذي عليه يستند وقف اطلاق النار بين إسرائيل ولبنان، بل في تطبيقها بالفعل.
العملية لم يتم استكمالها بعد. إدارة ترامب الجديدة سمحت لإسرائيل بتمديد تواجدها في لبنان الى ما بعد الستين يوم التي كان يجب فيها أن تنسحب، أيضا البقاء في خمسة مواقع في لبنان. يوجد لحزب الله سلاح كثير في شمال الليطاني، وليس كل مخازن السلاح جنوب الليطاني تم العثور عليها ومصادرتها. ولكن حتى رجال الامن الإسرائيليين يتاثرون من التصميم والوتيرة، وبالاساس من حقيقة ان نشر قوات الجيش في جنوب لبنان، يتم تقريبا بدون مواجهات مع نشطاء حزب الله. يصعب تخيل هذا الانقلاب المهم بدون الضغط الكثيف لترامب.
في نفس الوقت هو وبحق هدد الحكومة اللبنانية بعقوبات من اجل تسريع انتشار الجيش اللبناني في المنطقة وتحييد قدرات حزب الله العسكرية. وفي نفس الوقت تقييد حجم النشاطات العسكرية لإسرائيل في لبنان، الذي هو الان جزء لا يتجزأ من ساحة اللعب الامريكية، وإسرائيل يجب عليها ان تلعب فيها حسب قواعد جديدة.
في وقت قريب من انهيار حزب الله انهارت الجبهة السورية. هذه لم تكن “جبهة ساخنة”، التي واجهت إسرائيل مباشرة، لكنها شكلت جبهة داخلية لوجستية لحزب الله ومحور يربط بين ايران ولبنان. وكانت ساحة عمل رئيسية في “المعركة بين الحربين”، التي ادارتها إسرائيل. سقوط نظام الأسد والاستيلاء على الحكم على يد احمد الشرع ظهر بالنسبة لإسرائيل كفرصة لتثبيت مواقع سيطرة في سوريا وإقامة فيها قطاع امني، الذي سيمنع تمركز قوات معادية على طول الحدود. ولكن في تعريف “قوات معادية” شملت إسرائيل أيضا قوات الشرع نفسه الذي ما زال يعتبر في اسرائيل إرهابي وجهادي.
في الوقت الذي توجه فيه اسرائيل رؤية عسكرية تشبه التي وجهتها في حرب لبنان الأولى فهي تعتقد أنها تستطيع تجنيد الى جانبها “حلف من الأقليات”، الدروز في جنوب سوريا والاكراد في الشمال، كي يتم استخدامهم كقوات صد تكتيكية، والاهم من ذلك هو انهم سيقيدون سيطرة الشرع على كل الدولة وسيمنعون انتشار قواته على طول الحدود مع إسرائيل. إمكانية الاعتراف بنظام الشرع من اجل اجراء معه المفاوضات، على الأقل حول ترتيبات امنية ومنع المواجهة، تعتبر ليس فقط انها غير عملية، بل هي حتى خطيرة، حيث ان تفسيرها هو التعاون مع تنظيم إرهابي. “التهديد السوري” تعاظم في الوقت الذي ظهر فيه ان تركيا أصبحت هي الدولة الراعية لسوريا، وانها تنوي ترميم جيش الشرع وإقامة فيها قواعد عسكرية.
المواجهة مع تركيا كانت على شفا الاشتعال، لكن في حينه ظهر ترامب وقلب طموح إسرائيل رأسا على عقب. خلافا لطلب إسرائيل عدم الاعتراف بنظام الشرع، فان ترامب استجاب لطلب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. فقد التقى مع الشرع وصافحه وقرر رفع العقوبات عن سوريا. بذلك اعطى الرئيس الأمريكي الشرعي الدولية لنظام اعتبرته إسرائيل عدو محتمل. “حلف الأقليات” وفكرة الحرب بواسطة امتدادات بديلة، تحل الآن مكانها تسويات وتنسيقات امنية، التي تتم صياغتها مباشرة بين ممثلين إسرائيليين وسوريين بـ “رقابة” أمريكية وبتنسيق تركيا. من المبكر القول ما اذا كانت هذه التطورات ستثمر ترتيبات دائمة جديدة او انضمام سوريا لاتفاقات إبراهيم. ولكن في هذه الاثناء أيضا في سوريا إسرائيل يجب عليها ملاءمة نفسها مع واقع سياسي ليست هي التي رسمته او بادرت اليه، الذي قواعده يتم تقريرها في واشنطن والرياض وأبو ظبي والدوحة وانقرة.
في شهر اذار هدد ترامب بان كل رصاصة يطلقها الحوثيون ستعتبر وكأنها اطلقت من ايران، وأن “القيادة الإيرانية ستتحمل المسؤولية وستعاني من النتائج، التي ستكون قاسية جدا”. بعد شهر ونصف من ذلك قرر بلورة “اتفاق” مع الحوثيين في اليمن ووقف حرب الولايات المتحدة ضدهم. القرار هو فقط مرحلة مكملة للبنية الفوقية التي يشكلها. هدفه، الذي اعلن عنه منذ فترة، هو تقليص ساحات المواجهة المشتعلة الى تسويات سياسية تحرر الولايات المتحدة من الحاجة الى “القتال من اجل الحفاظ على حدود دول أخرى”. إسرائيل التي تفاجأت بقيت وحدها في ساحة البحر الأحمر، التي تقلصت من تهديد الاقتصاد العالمي، وبالاساس اقتصاد دول المنطقة، الى ساحة مركزة امام إسرائيل. وبذلك فقد أصبحت اقل أهمية بالنسبة للعالم.
حتى مفهوم “حلقة النار” نفسه يحتاج الى تعريف جديد. منظومة المبعوثين التي اقامتها ايران في المنطقة من اجل استخدمها كقوات هجوم متقدمة وتهديد رادع ضد نوايا مهاجمتها، يمكنها ان تتلقى هدف جديد، محلي وليس إقليمي، اذا تم التوقيع على اتفاق نووي جديد مع الولايات المتحدة. لأنه، كما يمكن الاستنتاج من تصريحات ترامب الأخيرة التي حذر فيها نتنياهو من مهاجمة ايران، فان الأخيرة “محمية” بحكم اجراء المفاوضات حول الاتفاق النووي، وهي ستكون محمية اكثر اذا تم التوقيع عليه.
افتراض إسرائيل الذي بحسبه تدمير غلاف منظمات وكلاء ايران سيحولها الى دولة هشة اكثر، تبين انه افتراض مبكر جدا، وربما هو افتراض غير واقعي. هي لم تتوقع “عامل ترامب”. هذا كان (وما زال) مفاجأة، مؤلمة، مهينة، وبالنسبة لإسرائيل أيضا مهددة. ترامب لم يتشاور مع إسرائيل عندما قرر اطلاق مفاوضات مع ايران، وقد ابلغ نتنياهو عن هذه الخطوة “المغيرة للعبة”، بشكل عابر، تقريبا كما فعل عندما اعلن عن وقف اطلاق النار مع الحوثيين.
التعامل بشبه تجاهل مع رئيس حكومة إسرائيل هو موقف خطير بحد ذاته ومسألة ثانوية. حتى الان لم يوقع اتفاق مع ايران، ومن غير المعروف اذا كان سيوقع عليه وماذا سيحتوي. ولكن ايضا إمكانية موافقة الولايات المتحدة على اتفاق مؤقت، او أي صياغة أخرى ستعتبر كنجاح سياسي لترامب، يمكن أن تقلص الطريقة التي ينظر فيها العالم، لا سيما الولايات المتحدة، الى التهديد النووي الإيراني. إسرائيل ستجد نفسها في حينه مثلما في الساحة الحوثية والسورية، لوحدها امام ما تعتبره تهديد وجودي. ولكن مقابل هذه الساحات، اذا قررت إسرائيل العمل ضد ايران بشكل مستقل فهي ستخاطر بمواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة.
ان ابعاد إسرائيل عن المشروع الدبلوماسي الإقليمي الذي يشكله ترامب، والطريقة التي يرسم فيها حدود ساحة النشاطات العسكرية التي هي مخولة بالعمل فيها، تقلص هامش “المعركة بين حربين”، وستجبر إسرائيل على الانشغال في ما نجحت لسنوات في الامتناع عن فعله، بناء استراتيجية سياسية تتلاءم مع النتائج العسكرية التي حققتها، والتي حتى الان لم تعرف كيفية الاستفادة منها.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-05-30 14:23:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>
