سوريا تتطلع لأن تكون دولة أقلياتها، لكن المصاعب كثيرة

هآرتس 12/3/2025، تسفي برئيل: سوريا تتطلع لأن تكون دولة أقلياتها، لكن المصاعب كثيرة
لقد تم توقيع اتفاق أول أمس بين مظلوم عابدي، زعيم قوات سوريا الديمقراطية، الذراع العسكري للادارة الكردية في شمال شرق سوريا، مع الرئيس السوري احمد الشرع. هذا الاتفاق يمكن أن يكون وثيقة اساسية في دولة تناضل من اجل اعادة بناء نفسها. لقد انضم الى هذه العملية أمس تقارير عن اتفاق مشابه مع الدروز في المحافظة الانفصالية السويداء في جنوب سوريا، وان كان حتى الآن غير واضح طبيعة ودرجة قبوله في اوساط الطائفة.
من شأن هذه الاتفاقات اذا تحققت، أن تكون لها تداعيات ثقيلة الوزن على قدرة الشرع على ادارة الدولة والحصول على الشرعية، بالاساس بمساعدة دولية وعربية، وعلى مكانة تركيا في سوريا، وايضا تطلعات اسرائيل للاحتفاظ بمناطق محتلة في شرق هضبة الجولان وجنوبها. اضافة الى ذلك هذه الاتفاقات تظهر أن الشرع يعترف بصعوبة أن يقيم في سوريا “دولة معظم اقلياتها” باستثناء الاقلية العلوية. هو سيطمح الى ادارة دولته بالموافقة وليس السير في طريق الاسد الأب والابن.
لكن امام هذا التطلع الذي تم التعبير عنه في الاتفاقات، هناك عقبات كأداء قابلة للانفجار. كل واحدة منها يمكن أن تبقي هذه الاتفاقات بمثابة اوراق تاريخية ستحتوي في داخلها لحظة من الاتفاق الذي لم يتحقق. الاتفاق مع الاكراد يشمل دمج كل المؤسسات العسكرية والمدنية، وكل آبار النفط والمطارات والمعابر الحدودية ووضعها تحت سيطرة الدولة. في المقابل، يتوقع أن يحصل الاكراد على حكم ذاتي ثقافي وحصة مناسبة في مؤسسات النظام ووظائف رفيعة في الجيش.
هذه العملية، التي في اطارها سيحصل الجيش على 100 ألف مقاتل كردي تقريبا اذا انضم اليه المقاتلون الدروز، تعني اقامة جيش وطني موحد بقيادة وطنية متجانسة ستضع حد لمبنى المليشيات لقوات الامن بقيادة الشرع. العائق الذي أخر انضمام الاكراد للجيش السوري بعد اسقاط نظام الاسد في كانون الاول، كان المطالبة بالحفاظ على اطار خاص بهم داخل الجيش السوري. من غير الواضح هل مطالبة الاكراد تمت الاستجابة لها، وماذا ستكون طبيعة خضوع القوات الكردية لقوات الجيش الوطني، وهل جنودهم سيخدمون فقط في المحافظات الكردية كقوة دفاع أو سيعملون في ارجاء الدولة، وبالاساس كيف يمكن للاتفاق أن يدافع عن السكان الاكراد من هجمات تركيا، التي تعاملت امس مع الاتفاق بـ “تفاؤل حذر”؟.
هنا تكمن نقطة ضعف الاتفاق الاساسية. فهو غير منفصل عن الحاجة الكردية لتضمن لنفسها اطار دفاعي طالما أن تركيا تواصل السيطرة على مناطق كردية ومهاجمة اهداف ومواقع كردية. هذا الاطار سيقتضي اتفاق منفصل بين تركيا وسوريا الذي فيه سيحدد نطاق نشاطات تركيا وطبيعة هذه النشاطات وجدول زمني لانسحابها من سوريا. تركيا ساعدت بشكل مباشر ونشط الشرع في اسقاط نظام الاسد. هي أيدته في فترة وجود “هيئة تحرير الشام”، اتحاد مليشيات المتمردين الذي اقامه الشرع والذي قاعدته المركزية كانت في ادلب. منذ فترة طويلة تحولت لتكون حليفة في سوريا عندما جاءت مع رزمة وعود لمساعدة اقتصادية وبناء قوتها العسكرية.
لكن رغم الاتفاق مع الشرع إلا أن تركيا ما زالت تعتبر هذه القوات الكردية، التي هي مدعومة من قبل الولايات المتحدة، تنظيم ارهابي يهدد أمنها الوطني. هي تطالب بنزع سلاحه وابعاده عن مناطق الحدود. في نفس الوقت يمكن التقدير أن تركيا كانت شريكة، بمعرفة وموافقة، في هذه العملية التي أدت الى الاتفاق. يمكن الافتراض ايضا أنها ايدتها لانها تتساوق مع استراتيجية موازية تقوم بادارتها. قبل شهر تقريبا بدأت تركيا في عملية مصالحة مع “حزب العمال الكردستاني”، الذي يعتبر تنظيم ارهابي. وتدير ضده منذ الثمانينيات حرب دموية قتل فيها 40 الف شخص. قبل اسبوعين، في اطار عملية مصالحة، طلب رئيس حزب العمال الكردستاني، المحكوم بالمؤبد عبد الله اوجلان، اتباعه الى التخلي عن سلاحهم وحل التنظيم الذي يعمل داخل تركيا ومن قواعد في العراق وفي شمال سوريا. قيادة التنظيم وافقت على وقف النار، لكنها لم توافق على نزع سلاحها، حتى المفاوضات التي سيتم فيها ضمان حقوق الاكراد وتتوقف مطاردتهم.
تركيا تعتقد أن اعلان اوجلان موجه ايضا للقوات الكردية السورية، حيث أنها تعتبرها جزء لا يتجزأ من “قوة الارهاب” الكردية. ولكن الزعيم الكردي عابدي سارع الى التوضيح بأن دعوة اوجلان لا تتعلق بهم وأنهم سيواصلون القتال من اجل الدفاع عن اراضيهم وطائفتهم. هذا ربما كان رد اعلاني مطلوب، لكن الاكراد في سوريا يعرفون جيدا أنه منذ تتويج دونالد ترامب كرئيس للولايات المتحدة فان وقف دعم امريكا لهم وانسحاب القوات الامريكية من سوريا هي فقط مسألة وقت آخذ في النفاد. بدون المساعدة العسكرية والاقتصادية وازاء العلاقات الجيدة لرئيس تركيا مع الرئيس الامريكي فان عابدي يجب عليه التقرير بسرعة لحماية قواته والطائفة الكردية السورية بشكل عام.
هنا وجد لقاء مصالح بين تطلع الرئيس السوري لتوحيد الدولة واقامة قوة عسكرية وطنية – وبين حاجات الحماية للطائفة الكردية السورية وقيادتها العسكرية والسياسية، حيث في اطارها تعمل بشكل مشترك مصالح امريكية وتركية. مصدر في الادارة الكردية العراقية قال في الاسبوع الماضي للصحيفة بأن الاكراد في سوريا يواجهون معضلة غير محتملة.
“هذه ليست معضلة أن يكونوا أو لا يكونوا، بل كيف يكونوا. من الواضح لهم أنه في ظل ترامب فان الركيزة الامريكية ستتحطم، وتركيا من شأنها أن تحصل على يد حرة للعمل في شمال سوريا كما حصلت اسرائيل من ترامب على يد حرة للعمل في غزة”، قال. “المخرج الوحيد امامهم هو التوصل الى اتفاق مع النظام الجديد في سوريا ومحاولة تحقيق كل ما يمكن تحقيقه وبسرعة”. يبدو أن تقدير المصدر الكردي تحقق جزئيا. بدون اتفاق اطار بين سوريا وتركيا وبدون تدخل امريكا، لا سيما امام تركيا، حيث يضمن سلامة الاكراد فانه تصعب رؤية كيف يمكن للاكراد تجسيد الانجازات التي تمت صياغتها في الاتفاق الذي تم التوقيع عليه أول أمس.
قصة الاتفاق مع الدروز ايضا، اذا حقا تم التوقيع على وثيقة رسمية بين قيادة الشرع وقيادتهم، لم تنته بعد. الموقف “الرسمي” الذي يطرحه حكمت الهاجري، الذي يعتبر الزعيم البارز والمؤثر من بين الزعماء الثلاثة الروحانيين للطائفة في سوريا، أعلن بأنه يؤيد دولة سوريا موحدة ولا يؤيد اقامة كانتون درزي يتمتع بحكم ذاتي. ولكنه حتى الآن اشترط انضمام المليشيات الدرزية للجيش الوطني بأن يتم تشكيل جيش كهذا وأن تتم صياغة دستور يضمن حقوق الدروز. يبدو أن مواقف القيادة الدرزية منقسمة، التي هي ليست متجانسة، وبينها وبين بعض قادة المليشيات الدرزية. الاخيرون غير مستعدين لنزع سلاحهم والاعتماد على تعهدات الشرع، الذي اثناء وجوده كقائد لجبهة النصرة عملت قواته ضد الطائفة الدرزية.
لكن مؤخرا اضيف للدروز “قيمة” استراتيجية يمكن أن تساعدهم في الحصول من الشرع على تنازلات وانجازات اكبر. “الحماية” التي القتها عليهم اسرائيل بذريعة الدفاع عنهم، التي تستخدم ايضا كذريعة لسيطرتها على مناطق في جنوب سوريا، تزيد بالذات قوة مساومتهم امام الشرع.
في نهاية المطاف، في الواقع في بدايته، الطائفة الدرزية تعتبر نفسها جزء لا يتجزأ من دولة سوريا، ومستقبلها مرهون بعلاقاتها مع النظام وليس مع اسرائيل. والدليل على ذلك هو أنه أمس نشر أن مئات من أبناء الطائفة قرروا التجند في الجيش السوري، وفي الميدان الرئيسي في السويداء اجريت مظاهرات تأييد للاتفاق الذي كما يبدو تم التوقيع عليه. مطلوب فقط التعامل مع مظاهر التأييد بشكل مناسب من التشكك. فهي يمكن أن تتبدل بالاحتجاج والتمرد اذا تبين أن الورق الذي كتب عليه الاتفاق لا تتم ترجمته الى انجازات فعلية تضمن الحقوق السياسية، الاقتصادية والثقافية، للدروز.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-03-12 16:06:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>