وتُعد هذه الزيارة الثامنة للرئيس السيسي إلى الصين منذ توليه الحكم في 2014، مقارنة بست زيارات فقط قام بها الرئيس السابق حسني مبارك خلال ثلاثين عاماً. ويُظهر هذا التغير الكبير في كثافة التواصل الدبلوماسي مدى تميز هذا “العقد الذهبي”، وهو تطور غير مسبوق في تاريخ العلاقات الصينية-المصرية. ومن الجانب الصيني، يمكن تفسير ذلك جزئياً بتوسع شراكاتها الدولية عقب إطلاق مبادرة الحزام والطريق عام 2013، والتي أسفرت عن توقيع اتفاقيات شراكة مع معظم دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، باستثناء لبنان، والسودان، واليمن.
ويعكس هذا أيضاً تنامي الحضور الصيني في الشرق الأوسط، حيث أصبحت المنطقة عنصراً محورياً في أمن الطاقة الصيني والتجارة والبنية التحتية. وفي عام 2014، طرح شي جين بينغ إطار “1+2+3” للتعاون مع الدول العربية، مرتكزاً على الطاقة والتجارة والبنية التحتية، بالإضافة إلى الطاقة المتجددة والتقنيات الحديثة. وفي عام 2016، أصدرت الصين أول ورقة سياسات تجاه العالم العربي، في سياق استراتيجية متكاملة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أما من الجانب المصري، فإن دوافع التقارب مع الصين تمليها الضرورات السياسية والاقتصادية. ففي مقابلة مع صحيفة واشنطن بوست قبل توليه الرئاسة، عبّر السيسي عن استياءه من السياسة الأمريكية قائلاً: “لقد تخليتم عن المصريين… وأدرتم لهم ظهركم، ولن ينسوا ذلك.” وقد أدى تخلي إدارة أوباما عن مبارك أثناء ثورة يناير إلى فقدان الثقة في الولايات المتحدة كشريك يمكن الاعتماد عليه، مما دفع القاهرة إلى تنويع علاقاتها الدولية لتأمين الدعم الخارجي.
وقد تزامن هذا التوجه مع تنامي الطموحات الصينية في المنطقة، ما جعل من الصين شريكاً مثالياً: قوة عظمى ذات إمكانات مالية كبيرة، ولا تتدخل في الشؤون الداخلية. وكما قال أحد المصريين لصحيفة فايننشال تايمز عام 2018: “هناك قوى اقتصادية قادرة ولكنها غير راغبة، وأخرى راغبة ولكنها غير قادرة… والصين تتصدر قائمة من يملكون القدرة والرغبة معاً.”
وخلال “العقد الذهبي”، حافظت الصين على موقعها كشريك تجاري أول لمصر، ونفذت شركاتها العديد من العقود الكبرى، ما أدى إلى زيادة في الاستثمارات وفرص العمل.
وقد تركز معظم هذا النشاط في الموانئ المصرية، لا سيما المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي توسعت عام 2016 باستثمارات من شركة TEDA الصينية. وتحتضن المنطقة “منطقة التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين ومصر”، وهي مدينة صناعية تعمل فيها أكثر من 160 شركة صينية وتوفر ما يزيد عن 70 ألف فرصة عمل للمصريين. وأكد رئيس الهيئة، وليد جمال الدين، في ديسمبر 2024 أن الاستثمارات الصينية في المنطقة بلغت 3 مليارات دولار، وتمثل 40٪ من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في العامين الماضيين.
وهذا أمر حيوي بالنظر إلى وضع الاقتصاد المصري. فقد بلغ معدل التضخم 25.5٪ في نوفمبر، وتراجعت إيرادات قناة السويس بنسبة 60٪ نتيجة هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. وقبل توقيع اتفاق بقيمة 35 مليار دولار مع الإمارات في فبراير الماضي، ثم الحصول على قرض بـ8 مليارات دولار من صندوق النقد الدولي في مارس، كانت مصر تواجه أزمة اقتصادية حادة. ومن هنا تأتي أهمية وجود شراكة قوية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
لكن إذا نظرنا عن كثب، نكتشف أن هذه العلاقة تميل بشكل واضح لصالح الصين. فقد بلغ حجم التبادل التجاري في 2022 أكثر من 13.2 مليار دولار، منها 11.5 مليار دولار صادرات صينية، مقابل 1.8 مليار فقط صادرات مصرية للصين. والأسوأ أن صادرات مصر إلى الصين تراجعت في 2023 إلى 834 مليون دولار.
تقتصر هذه الصادرات في معظمها على المواد الخام، وتحديداً الطاقة، التي شكلت 31٪ من إجمالي الصادرات في 2014، ثم ارتفعت إلى 56٪ في 2022. ومع إعلان الصين نيتها بلوغ ذروة انبعاثات الكربون بحلول 2030 وتحقيق الحياد الكربوني بحلول 2060، يجب على القاهرة تنويع صادراتها إلى شريكها التجاري الأول.
أما على صعيد العقود، فقد جنت الشركات الصينية بين 2005 و2013 حوالي 3.34 مليار دولار من مشاريع في مصر. لكن بعد الإعلان عن الشراكة الاستراتيجية الشاملة، ارتفع هذا الرقم إلى 16.62 مليار دولار، وهو ما يشير إلى فائدة ضخمة حصدتها الصين.
الصورة: الجيش الصيني
وعلى الصعيد العسكري، بدأ التعاون الدفاعي في 2024 في الازدياد ولو من مستوى متدنٍ. ففي أغسطس، جرت مناورة بحرية مشتركة في البحر المتوسط، شملت تدريبات على الاتصال والتشكيل البحري والتزود بالمؤن. وكانت تلك أول مناورة منذ 2019، حين شملت التدريبات مكافحة الإرهاب والقرصنة. كما شاركت القوات الجوية الصينية في عرض جوي في مصر أواخر أغسطس 2024 بـثماني طائرات.
والأكثر إثارة هو الشائعات المتكررة حول احتمال شراء مصر مقاتلات J-10C الصينية، بديلاً لطائرات F-16 الأمريكية المتقادمة. ويرى البعض أن هذا التحرك يهدف إلى تنويع مصادر التسليح وتقليص الاعتماد على الغرب، فيما يرى آخرون أنه محاولة للضغط على واشنطن، خاصة بعد تجميد صفقة مقاتلات F-35 التي وعد بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 2018. كما أن كلفة الـJ-10C، البالغة 40-50 مليون دولار، تجعلها خياراً اقتصادياً جذاباً.
لكن هذه الصفقة لم تتأكد حتى الآن، وهناك أسباب قد تحول دون إتمامها، منها أن الـJ-10C من الجيل الرابع، في حين تسعى مصر للحصول على طائرات من الجيل الخامس لتأمين السيادة الجوية، خاصة في شرق المتوسط وأمام التحدي الإثيوبي. والأهم أن شراء مقاتلات صينية قد يُعرض المساعدات العسكرية الأمريكية للخطر، والتي بلغت 1.3 مليار دولار في 2024 وتتطلب موافقة الكونغرس. وفي ظل التنافس الصيني-الأمريكي، لن تنظر واشنطن بعين الرضا لإدخال معدات عسكرية صينية إلى القوات المسلحة المصرية. ولهذا، تبدو الشائعات حول الـJ-10C كأداة للمناورة أكثر منها نية حقيقية للشراء، خاصة مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ما قد يفتح مجدداً باب الحصول على الـF-35.
في بداية حكم السيسي، كانت العلاقة مع الصين تبدو الخيار الأفضل أمام حكومة محدودة البدائل. ومع مرور الوقت، أصبحت هذه العلاقة أكثر جدية. فالصين وسعت نفوذها في الشرق الأوسط، ومصر تحولت إلى شريك مهم. ومع ذلك، عندما يُسأل المصريون عن علاقتهم بالصين، فهم لا يصفونها بأنها استراتيجية أو شاملة، بل “علاقة تجارية”. قليلون يرون في الصين قوة راغبة أو قادرة على لعب دور قيادي في الشرق الأوسط. لكن إذا استمر العقد المقبل بنفس المسار، فقد تصبح بكين فاعلاً أكثر تأثيراً في القاهرة، ما سيُعقّد المشهد أمام الدبلوماسية الأمريكية في المنطقة.
المصدر: https://www.atlanticcouncil.org/blogs/menasource/egypt-china-golden-partnership/
نور الدين من مواليد عام 1984، المغرب، هو كاتب وخبير في موقع الدفاع العربي، حاصل على ديبلوم المؤثرات الخاصة، ولديه اهتمام عميق بالقضايا المتعلقة بالدفاع والجغرافيا السياسية. وهو مهتم بتأثير التكنولوجيا على أهداف السياسة الخارجية بالإضافة إلى العمليات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إقرأ المزيد
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.defense-arabic.com بتاريخ:2025-05-01 16:16:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي تم نشر الخبر مترجم عبر خدمة غوغل