معركة قناة السويس.. مصر بين واشنطن وبكين: صراع النفوذ على ضفتي قناة السويس

في قلب الشرق الأوسط، تتحرك مصر وسط عواصف السياسة والاقتصاد والسلاح، محاطة بضغوط أمريكية، وطموحات صينية، ورهانات كبرى على مستقبل قناة السويس. في غضون أيام قليلة، طالبت واشنطن بتخفيض رسوم عبور سفنها، بينما أبرمت القاهرة صفقات استثمارية غير مسبوقة مع بكين، واصطفت الدبابات والطائرات المصرية والصينية جنبًا إلى جنب في أول مناورة عسكرية من نوعها.
فما الذي يجري تحت السطح؟ ولماذا أصبحت مصر فجأة ساحة لصراع دولي مكشوف؟
في خضم تسارع الأحداث العالمية، وجدت مصر نفسها مجددًا في قلب معادلة معقدة تجمع بين صراع العمالقة وتنافس النفوذ. خلال أسابيع قليلة، تزامنت ثلاثة تطورات لافتة: مطالبة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتخفيض رسوم عبور السفن الأمريكية في قناة السويس، بدء مفاوضات استثمارية ضخمة مع الصين، وتنفيذ أول مناورات عسكرية مشتركة بين الجيشين المصري والصيني تحت اسم “نسور الحضارة”. لم يكن هذا التزامن محض مصادفة، بل يعكس عمق التنافس الدولي على مصر وموقعها الجغرافي المحوري، وسط معركة ضارية لإعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط وأفريقيا.
مطالبة ترامب لم تكن مجرد طلب اقتصادي، بل حملت رسائل سياسية واضحة. فواشنطن ترى أن قناة السويس، بوصفها شريانًا حيويًا للتجارة العالمية، يجب أن تبقى مفتوحة أمام الشركات الأمريكية بشروط تفضيلية تضمن استمرار النفوذ الغربي في المنطقة. ارتفاع رسوم المرور في السنوات الأخيرة كان جزءًا من سياسة مصرية تهدف إلى زيادة إيرادات القناة وسط أزمة اقتصادية، وهو ما قبله الأوروبيون على مضض، لكن إدارة ترامب رفضت سياسة الأمر الواقع.


تزامن ذلك مع استقبال القاهرة لوفود صينية تبحث في استثمارات تشمل تطوير موانئ على البحر الأحمر، وبناء مصانع ضخمة قريبة من قناة السويس، ومحطات طاقة شمسية، وتكنولوجيا اتصالات متقدمة. هذه التحركات فتحت الباب لدخول صيني قوي إلى مفاصل الاقتصاد المصري.
اللافت أن بكين لم تكتف بالشق الاقتصادي؛ فلأول مرة في تاريخ العلاقات الثنائية، نُفذت مناورات عسكرية مشتركة شملت تدريبات برية وجوية وبحرية حملت اسم “نسور الحضارة 2025“، ومحاكاة لسيناريوهات الدفاع عن الموانئ والمنشآت الاستراتيجية. وقد فُسرت هذه المناورات على نطاق واسع بأنها رسالة سياسية واضحة: مصر والصين لا تبنيان شراكة اقتصادية فحسب، بل تقتربان عسكريًا أيضًا.
في هذا السياق، يصبح مفهوماً لماذا تتحرك واشنطن بسرعة وحدّة. فمطالبتها بتخفيض الرسوم ليست فقط لتقليل التكاليف التجارية، بل للحفاظ على حضورها في شريان التجارة العالمي، ومنع بكين من تحويل القناة إلى جزء من مبادرة “الحزام والطريق”.
قناة السويس، بالنسبة لأمريكا، ليست مجرد ممر مائي، بل ركيزة استراتيجية في أي خطط تمتد من المتوسط إلى الخليج. أي تغيّر في معادلة السيطرة على هذا الممر قد يؤدي إلى تغيّر في موازين القوى الإقليمية والدولية.
أما بالنسبة لمصر، فالصورة أكثر تعقيدًا. فهي بحاجة ماسة إلى الاستثمارات الصينية لإنعاش اقتصادها الذي يعاني من التضخم وتراجع العملة، لكنها لا تستطيع في الوقت ذاته المجازفة بخسارة الدعم الأمريكي وشبكة علاقاتها الغربية، خصوصًا في مجالات التسليح والدبلوماسية والتمويل. هذا الوضع يدفع القاهرة إلى محاولة السير على حبل مشدود بين القوتين، من خلال قبول الدعم الصيني مع طمأنة واشنطن بعدم الخروج الكامل من الفلك الغربي.


المناورة مع الصين يمكن فهمها كرسالة استعراض أوراق وليس انحيازًا نهائيًا نحو المعسكر الشرقي. لكن مع تصاعد التوتر العالمي بين بكين وواشنطن، تصبح مساحة المناورة المصرية أضيق. كل خطوة تقارب مع الصين ستقابلها ضغوط أمريكية، سواء في ملفات اقتصادية كقناة السويس، أو سياسية كحقوق الإنسان والمساعدات العسكرية.
مستقبل هذا التوازن الدقيق سيتوقف على عوامل رئيسية:
• أولًا، قدرة مصر على تنويع شراكاتها الاقتصادية دون الارتهان لطرف واحد.
• ثانيًا، طبيعة استجابة واشنطن، فإما أن تمارس ضغوطًا تدفع مصر نحو بكين، أو تقدم حوافز تحافظ على التوازن.
• ثالثًا، تطورات الصراع بين الصين وأمريكا، خاصة في بحر الصين الجنوبي وأفريقيا، والتي ستنعكس حتمًا على الشرق الأوسط.
• ورابعًا، قدرة مصر على حماية قناة السويس من التحول إلى ساحة صراع بالوكالة، مع الحفاظ عليها كممر دولي مفتوح بشروط سيادية.
الخطوة الذكية لمصر تكمن في استغلال حاجة الطرفين إليها. الصين تريد القناة ضمن مشروع الحزام والطريق، وأمريكا تسعى لإبقائها تحت النظام الليبرالي القديم. وبين هذا وذاك، يمكن للقاهرة تحقيق مكاسب استراتيجية كبرى إن أحسنت اللعب بأوراقها.
اليوم، تبدو مصر كمن يسير فوق خيط مشدود بين ناطحات سحاب. أي انحراف قد يؤدي إلى سقوط مدوٍّ، وأي حركة محسوبة قد تمنحها مكانة أعلى في لعبة الأمم.
فلم تعد قناة السويس مجرد ممر للسفن، بل صارت ممرًا لتقاطع المصالح الكبرى… والسنوات القادمة ستحدد ما إذا كانت مصر قادرة على البقاء سيدة هذا الشريان الحيوي، أم أنها ستدفع ثمنًا باهظًا لأي خطأ في موازين التوازن.




JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.defense-arabic.com بتاريخ:2025-05-03 08:51:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
تم نشر الخبر مترجم عبر خدمة غوغل