العرب و العالم
مفاوضات روما: دبلوماسية إيران تتغلب على الانقسامات الأمريكية

وكالة مهر للأنباء - نجاح محمد علي: تبرز دبلوماسية إيران كنموذج للنشاط والمرونة في مواجهة التحديات. من خلال انسجامها الداخلي، ونشاطها الخارجي الواسع، وإدارتها الواقعية للمفاوضات، تقدم إيران صورة لدولة واثقة في قدراتها. في المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحديات داخلية قد تحد من فعاليتها. في هذا السياق، کتب"نجاح محمد علي"، المحلل والناشط سياسي عراقي، مقال رأي بعنوان "مفاوضات روما: دبلوماسية إيران تتغلب على الانقسامات الأمريكية"، وفيما يلي النص الكامل لها: تتجه الأنظار نحو روما، حيث تستعد لاستضافة جولة جديدة من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، بوساطة سلطنة عمان. في خضم تعقيدات الساحة الدولية، تظهر إيران كطرف بارز يتمتع برؤية دبلوماسية متماسكة، مدعومة بوحدة داخلية ونشاط خارجي واسع. في المقابل، تواجه الحكومة الأمريكية انقسامات داخلية تعرقل قدرتها على اتخاذ موقف موحد. هذه الديناميكيات تجعل من مفاوضات روما نقطة حاسمة، ليس فقط لمعالجة الملف النووي، ولكن أيضًا لإظهار كيف يمكن أن تكون الدبلوماسية النشطة لإيران نموذجًا لمواجهة التحديات العالمية. تدخل إيران هذه المفاوضات بثقة مستمدة من قيادتها الحكيمة ووحدتها الداخلية. على عكس الروايات التي تحاول تصوير نظام الجمهورية الإسلامية كنظام متزعزع، فإن القرار بالمشاركة في هذه المحادثات تم اتخاذه من خلال إجماع مؤسساتي، يعكس آليات استشارية ويضع وحدة النظام الإسلامي كأولوية استراتيجية. هذه الوحدة تتجلى بوضوح في أداء الفريق المفاوض الإيراني، الذي يقوده وزير الخارجية عباس عراقجي، كممثل رفيع للجمهورية الإسلامية، حيث يعمل بتنسيق كامل ويحظى بثقة المؤسسات الحكومية. هذه الوحدة ليست مجرد أداة للتفاوض، بل تعبر عن رؤية واضحة تهدف إلى حماية المصالح الوطنية، بغض النظر عن نتائج المحادثات. في المقابل، تعاني الحكومة الأمريكية من انقسامات داخلية تضعف موقفها. داخل إدارة الرئيس ترامب، تتصارع وجهتان: واحدة يقودها نائب الرئيس مايك بنس، التي تدعو إلى نهج دبلوماسي يركز على الحوار، والأخرى مدعومة من مستشار الأمن القومي مايك والتز ووزير الخارجية ماركو روبيو، التي تفضل نهجًا صارمًا قائمًا على الضغط والتهديد. هذا الصراع الداخلي يضع استراتيجية الولايات المتحدة في حالة من الغموض، مما يجعل من الصعب التنبؤ بمسار المفاوضات أو مدى التزام واشنطن بالحلول العملية. ما يميز موقف إيران ليس فقط انسجامها الداخلي، بل أيضًا وضوحها ونشاطها الدبلوماسي الملحوظ الذي يتجاوز نطاق الملف النووي. تسعى إيران إلى اتباع دبلوماسية متعددة الأبعاد تهدف إلى تعزيز وجودها الإقليمي والدولي. يقوم المسؤولون الإيرانيون بعقد اجتماعات مكثفة مع نظرائهم من دول مثل روسيا والصين، بالإضافة إلى دول نشطة في المنطقة مثل تركيا وقطر، بهدف إقامة علاقات اقتصادية وسياسية. على سبيل المثال، تتم الزيارات المتكررة لوزير الخارجية الإيراني إلى العواصم الآسيوية والأوروبية لتعزيز التعاون في مجالات الطاقة والتجارة، مما يزيد من قدرة إيران على مواجهة العقوبات. علاوة على ذلك، تُظهر المشاركة النشطة لإيران في المنظمات الإقليمية، مثل منظمة شنغهاي للتعاون، أنها ليست معزولة، بل هي فاعل نشط في النظام الدولي. تمنح هذه الأنشطة الدبلوماسية إيران مرونة استراتيجية، حيث تتيح لها تنويع خياراتها السياسية والاقتصادية وتقليل تأثير الضغوط الأمريكية. في إطار المفاوضات، من الواضح أن إيران تتبنى نهجًا واقعيًا في إدارة التوقعات. تؤكد تصريحات قائد الثورة الإسلامية، آية الله اسيد علي الخامنئي، على تجنب التفاؤل أو التشاؤم المفرط، وتدعو إلى اعتبار المفاوضات جزءًا من الأنشطة الدبلوماسية اليومية. لتحقيق هذا الهدف، تسعى إيران إلى تقليل الضجة الإعلامية المحيطة بالمحادثات من خلال التحكم في تدفق الأخبار ذات الصلة، لتجنب تحويلها إلى حدث استثنائي يشغل الرأي العام، خاصة داخل إيران. يعكس هذا النهج الوعي بأهمية التركيز على المحتوى بدلاً من الشكل، خاصة في ظل الظروف التي تسعى فيها الحملات الإعلامية إلى تحريف أهداف المفاوضات. تعتبر المفاوضات عملية معقدة تتطلب الوقت والصبر. تدرك إيران أن تحقيق تقدم فوري هو أمر غير واقعي، خاصة مع استمرار التوترات والضغوط الخارجية. لذلك، تؤكد على ضرورة أن تتخلى الولايات المتحدة عن لغة التهديد والعقوبات، وأن تعترف بحق إيران في استخدام الطاقة النووية السلمية في إطار معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية. في الوقت نفسه، تركز إيران على حماية واستدامة برنامجها النووي كأولوية استراتيجية، بدلاً من الانخراط في مناقشات حول مستويات التخصيب التي غالبًا ما تُستخدم كأداة ضغط. كما تؤكد طهران، يجب أن تركز جوهر المفاوضات على هدفين رئيسيين: رفع كامل للعقوبات غير القانونية المفروضة من قبل واشنطن على الشعب الإيراني، وإقامة الثقة في سلمية البرنامج النووي من قبل طهران. ومع ذلك، تواجه هذه الأهداف عقبات، بما في ذلك تأثير أطراف مثل الكيان الصهيوني الذي يسعى إلى منع أي تقدم، بالإضافة إلى الانقسامات الداخلية في الحكومة الأمريكية. تسلط تقارير مثل تلك التي نشرها موقع "أكسيوس" الضوء على هذه التحديات، مشيرة إلى التوتر بين التيار الدبلوماسي بقيادة نائب الرئيس بنس والتيار المتشدد الذي يمثله روبيو والتز. في النهاية، تبرز دبلوماسية إيران كنموذج للنشاط والمرونة في مواجهة التحديات. من خلال انسجامها الداخلي، ونشاطها الخارجي الواسع، وإدارتها الواقعية للمفاوضات، تقدم إيران صورة لدولة واثقة في قدراتها. في المقابل، تواجه الولايات المتحدة تحديات داخلية قد تحد من فعاليتها. يعتمد نجاح مفاوضات روما على قدرة الطرفين على التغلب على الضغوط والانقسامات، والالتزام بحلول تحترم حقوق إيران وتساهم في الاستقرار الإقليمي. في روما، لن تكون المفاوضات مجرد حوار بين دولتين، بل ستكون اختبارًا لقدرة الدبلوماسية على بناء جسور في عالم يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم. /انتهى/
مصدر الخبر نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.mehrnews.com بتاريخ:2025-04-19 14:06:00 الكاتب: ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي