لطالما اعتُبرت مقاتلة “داسو رافال” رمزاً للبراعة الهندسية الوطنية وعمود القوة الجوية الفرنسية، إلا أن تقدم الزمن وتقنيات الحرب الإلكترونية والتخفي باتت تُظهر محدودياتها.
فرغم اعتبار “رافال” واحدة من أفضل مقاتلات الجيل الرابع المتعدد المهام، إلا أنها لم تُصمم أصلاً لتكون طائرة شبحية، وهي نقطة ضعف جوهرية في أجواء النزاع الجوي الحديث.
إف-35 ضد رافال
تعود هذه الهشاشة إلى قرار استراتيجي اتخذته فرنسا في أوائل الألفية الجديدة، حين فضلت تطوير منصة متعددة المهام قائمة بدلاً من استثمار الموارد في تطوير مقاتلة شبحية جديدة.
في المقابل، مضت الولايات المتحدة قُدماً بإنتاج مقاتلة إف-22 “رابتور” ولاحقاً إف-35 “لايتنينغ 2″، مما أعاد صياغة مفهوم الهيمنة الجوية بالكامل.
ورغم إدخال تحسينات متواصلة أوصلت “رافال” إلى فئة مقاتلات “الجيل 4.5″، إلا أنها لا تزال تفتقر لتقنيات التخفي الحيوية اللازمة للبقاء في مواجهة الرادارات المتطورة وأنظمة الدفاع الجوي الحديثة.
وفي عصر تنشر فيه دول مثل روسيا والصين أنظمة متقدمة لمنع الوصول/التحكم في المناطق (A2/AD)، قد يجد الطيارون الفرنسيون أنفسهم يدخلون “مصيدة موت”، مكشوفين أمام صواريخ أرض-جو متطورة ومقاتلات عدوة من الجيل الجديد.
تزداد خطورة الوضع مع التسارع الروسي الصيني في تعزيز ترساناتهما العسكرية؛ إذ نشرت روسيا صواريخ فرط صوتية، وطائرات مسيّرة متطورة، وأنظمة حرب إلكترونية متقدمة، فيما تقترب مقاتلة J-20 الشبحية الصينية من سد الفجوة مع نظيراتها الغربية.
تشنغدو J-20 – ويكيبيديا
لقد باتت الهيمنة الجوية الغربية – التي شكلت ركيزة للأمن العالمي منذ الحرب العالمية الثانية – مهددة على نحو غير مسبوق.
وتواجه فرنسا، باعتمادها الكبير على “رافال”، تراجعاً كبيرًا. ورغم استمرار فعالية الطائرة في عدة سيناريوهات قتالية، إلا أنها تفتقر إلى مقومات البقاء الضرورية في حروب الصدام عالي الكثافة، مما يجعلها عبئاً محتملاً في مواجهة قوى الندّية.
وأكد تقرير IFRI الفجوة التكنولوجية بين فرنسا ومنافسيها تتسع، دون حلول فورية تلوح في الأفق.
وتفاقم هذا التحدي أزمة أكثر إلحاحاً: النقص الحاد في الذخائر الدقيقة التوجيه لدى فرنسا.
ففي حال اندلاع نزاع واسع النطاق، لن تتمكن القوات الجوية الفرنسية من مواصلة العمليات سوى لمدة ثلاثة أيام فقط، وهو قيد صادم لدولة نووية ذات طموحات عسكرية عالمية.
وتعاني فرنسا من نقص خطير في الذخائر الحيوية، مثل صاروخ الجو-جو بعيد المدى “ميتيور”، كما تفاقم الوضع بسبب تقديم مساعدات عسكرية لأوكرانيا، مما أدى إلى استنزاف سريع لمخزون صواريخ “سكالب” المجنحة وصواريخ الدفاع الجوي “أستر 30” الاعتراضية.
وفي ظل اندفاع الحلفاء الغربيين لتسليح كييف، وجدت فرنسا نفسها غير قادرة على تجديد مخزونها العسكري بالسرعة اللازمة لمقتضيات الحرب الحديثة.
علاوة على ذلك، فإن التزام فرنسا بحظر استخدام الذخائر العنقودية، تماشياً مع الاتفاقات الدولية لنزع السلاح، ترك قواتها الجوية دون وسيلة فعالة لضرب تجمعات القوات المعادية على نطاق واسع.
ورغم أن هذا القرار يحظى بإشادة أخلاقية، إلا أنه فرض ثمناً استراتيجياً باهظاً، واضطر باريس للاعتماد على أنظمة أقل عدداً، أكثر تكلفة، وأكثر تطوراً، مما زاد من استنزاف الموارد المحدودة.
اليوم، تجد فرنسا نفسها أمام لحظة حاسمة: إما أن تستثمر بشكل كبير في تحديث قواتها الجوية، أو تواجه خطر التحول إلى قوة غير قادرة على حماية مصالحها في ساحات القتال الكبرى.
فغياب مقاتلة حقيقية من الجيل الخامس، وأزمة الذخائر الخانقة، وتآكل الهيمنة الجوية الغربية، كلها تشكل “عاصفة مثالية” قد تجعل فرنسا عاجزة عن الدفاع عن نفسها في صراع كبير.
ومع تسارع خصومها بوتيرة غير مسبوقة، لم يعد السؤال إن كانت فرنسا بحاجة إلى التحرك، بل إن كان لديها الوقت الكافي للقيام بذلك قبل فوات الأوان.
نور الدين من مواليد عام 1984، المغرب، هو كاتب وخبير في موقع الدفاع العربي، حاصل على ديبلوم المؤثرات الخاصة، ولديه اهتمام عميق بالقضايا المتعلقة بالدفاع والجغرافيا السياسية. وهو مهتم بتأثير التكنولوجيا على أهداف السياسة الخارجية بالإضافة إلى العمليات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إقرأ المزيد
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.defense-arabic.com بتاريخ:2025-04-29 09:27:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي تم نشر الخبر مترجم عبر خدمة غوغل