المشهد من فوق الخزّان

نائبة الصدفة وإحياء قوات الظلام في ميدان الإنجازات الورقية

نائبة الصدفة وإحياء قوات الظلام في ميدان الإنجازات الورقية

 

كتب محمد قاسم |  غادة في ارض  العجائب : في الوقت الذي تتفكك فيه الجهات الرسمية وتغوص المناطق الحضرية في الظلمة والإفساد، تبرز «نجمة الإعلام» لتُبَرْهِمَنا بأن الخلاص الوطني يقبع في قرار إداري عابر! صحيح، السيدة غادة أيوب — أو كما يُفضِّل البعض لقبها: «نائبةالصدفة» — أعلنت بثبات في نظرتها أنها ستُقْفِل «رسالات» وتُغْلِق «القرض الحسن».

أمر يُعِيد إلى الذاكرة مشاهد من العرض السياسي اللبناني، حيث يُحْلُّ مكان خطة الإنقاذ الحقيقية بيانًا إعلاميًا مُسْتَعْدًا للتصوير، وكاميرا جاهزة للـ”تفاعل”، وجمهورًا من الدعائم الوهمية يُصْفِقُ على الإشارة. لكن بما أننا هنا لسنا في حلقة كوميديا، بل في ساحة الواقع القاسي، فالقضية أعمق من «نزاع جمعيات».

إنها عرض للقوة وأسلوب حديث: حل المشكلات بالأوراق الرسمية، وبيع الهراء مقابل تجاهل تقديم إجابات حقيقية للفقراء والعاطلين والمُبْتَلَيْنَ بالمرض. والأسوأ — أن هذه الخطب تخرج من جوف كتلة سياسية تُثْقِلُ ماضيها الأسود صفحات الحرب والصراعات الداخلية. فليَعْرِفْ الشعب لعبة الورق التي تُُعْرَضُ اليوم تحت غطاء «القوات اللبنانية»، أو كما أُسَمِّيهَا في هذا النص، «قواتالظلام».

سيرة مختصرة — صفحات مظلمة لا تُطْوَى بيسر

لا داعي للتمويه: «القوات» لم تُولَدْ من رحم الفضائل الوطنية فجأة. إنها ثمرة تحالفات وتكوينات شبه عسكرية أثناء الحرب الأهلية، وارتبط اسمها بقيادة مسلحة وخطوات عسكرية وسياسية امتدت عبر السبعينيات والثمانينيات وما تلاها. قياداتها القديمة والحالية تورطت في اشتباكات داخلية، وواجهت اتهامات بمعارك أدت إلى سقوط أرواح وتهجير في مناطق متعددة خلال مرحلة الحرب الأهلية.

هذا الإرث مُسْجَلُ في الوثائق التحليلية السياسية والأرشيف الإعلامي الواسع. ثم جاء تحول المشهد: بعد انتهاء الحرب، وبظل سياسي، تَحَوَّلَتْ بعض هذه القيادات إلى أحزاب سياسية مشروعة. غير أن ملفات الاتهامات لم تُغْلَقْ بسهولة: قضايا اغتيالات وعمليات عنف في تلك الفترة الدامية أفضت إلى محاكمات واعتقالات لقادة عسكريين، ومن بينها تحقيقات أعادت إلى الأذهان تلك الصفحات الدامية.

لا ننسَ أيضًا أن الخلافات مع قوى سياسية أخرى ألْقَتْ بظِلَالِهَا على النسيج الاجتماعي للبلاد، وساهمت في إشعال خلافات أدت إلى عقود من التمزق. هذه ليست قصة تسلية، بل أحداث مُسْتَوْفَاةٌ بالتفاصيل. ما سر الغضب من «رسالات» و«القرض الحسن»؟ لأن هذه الجمعيات تعمل في الواقع الملموس: تُقْدِمُ قروضًا صغيرة خالية من الفوائد، تدعم المزارع والموظف والطالب؛ وتُنْشِئُ أنشطة ثقافية تُثِيرُ الوعي الشعبي.

هذا النشاط البسيط يُزْعِجُ آليات السلطة والثروة التي تسيطر على المشهد الوطني. لذلك، بدلاً من مكافحة الفساد الهيكلي أو تقديم حلول جذرية لأزمات الكهرباء والمياه والأدوية، نشهد عروضًا إعلامية تُحَوِّلُ المؤسسات الخيرية إلى «تهديدات للدولة»، بينما تُتْرَكْ ملفات السرقات الكبرى دون مساءلة. ومن هنا ينبع حماقة الزعم بأن حل جمعية هو «انتصار استراتيجي»؛

فالمعركة الحقيقية كانت وستظل حول ضمان لقمة العيش وكرامة المواطن، لا حول توزيع قرارات إدارية تُعْرَضُ على الشاشات للتباهي. أيوب والعرض المسرحي: الكلام المهيب عن العدم

 

الصورة تتكرر: بيان إعلامي بصوت مرتفع، كاميرات، عناوين بارزة، وجماهير تُصْفِقُ من خلف الستار الوهمي. هل يظن أحد، بعيدًا عن هذا العرض السطحي، أن إغلاق جمعية «رسالات» أو «القرض الحسن» سيُنْقِذُ البلاد من الانهيار؟ بالتأكيد لا.

ما يسعى إليه صانعو هذه الهجمات هو التقاط «لحظة إعلامية»، لا حل مشكلة حقيقية. وحتى يعترف السياسي المُصْدَرُ للضجيج بأن الحلول تتطلب برامج اقتصادية ووطنية ملموسة، سيظل الشعارات أداة للتمويه والخداع.

<

p style=”text-align: right”>غرفة القيادة الخيالية: الجنرال الإسرائيلي يوزع الحلويات… والنصر آتٍ من بيروت!

 

وهنا يبلغ الهزل ذروته — بجرعة فكاهة تكاد تسمع فيها أنغامًا كرتونية. تخيَّلِ اللوحة: في مركز قيادة سري بـ”كريات” (أو ربما في مقهى رخيص في نتانيا، حسب الميزانية)، يدخل ضابط شاحب يحمل لوحة إخبارية إلكترونية. يصرخ:

“يا جنرال! يا جنرال! الخلاص قادم!”

يرفع الجنرال رأسه من بين رسوم الصواريخ، متعجبًا:

“ما الأمر؟ عطل في نظام ‘الباتريوت’؟”

يرد الضابط، والفرح يغرق عينيه:

“لا! أفضل!

نائبة لبنانية لديها خطة سرية: ستُقْفِلُ جمعية تُدْعَى ‘رسالات’ وتغلق ‘القرض الحسن’! لن نحتاج إلى إطلاق صاروخ… سيتعاركون أنفسهم داخليًا!”

 

في لحظة، تُطْفَأُ إنذارات الخطر. يُقْسِمُ الجنرال «البقلاوة» على الضباط.

يطلب مجند إذنًا لإرسال تحية إلى «غادة» عبر «تويتر». ويُسَجَّلُ في سجل العمليات:

“اليوم،: العدو أفْنَى نفسه ذاتيًا. لا حاجة للحرب. كفى بيانًا تلفزيونيًا واحدًا… وانقلب العالم!

فإذا ضَحِكَ الجنرال اليوم، فذلك ليس انتصارًا… بل عارٌ على مَنْ يَبِيعُون لحظة إعلامية مقابل لقمة إنسانية. خاتمة

إذا أردتَ تفسير المستقبل السياسي لهؤلاء — فَاقْرَأْ ماضيَهُمْ. منْ يَحْمِلُ تاريخًا سيئًا في أدوات العنف والاستبداد، لا يُمْكِنُ أنْ يَتَحَوَّلَ بين غَفْوَةٍ وَصَحْوَةٍ إلى بطل العدالة عَبْرَ بيانٍ تلفزيوني. زعماء «القوات» السابقون والحاليون يَحْمِلُونَ إرْثًا لا يُمْحَى بيسر، وتلك الصفحات المظلمة تَعُودُ أحيانًا في صورة لعبة سياسية صغيرة تُلَاعَبُ على حساب طعام الشعب وكرامته.

لذلك، ولأن الوطن أمانة للحاضر والغد، أَقُولُ لِمَنْ يَرْفَعُونَ راياتَ الوقاحة:

تَوَقَّفُوا عَنْ تَصْوِيرِ أَنْفُسِكُمْ مُنْقِذِينَ بَيْنَمَا تَدَعُونَ البلادَ تَنْزِفُ. وإِنْ كُنْتُمْ جَادِّينَ فِي خِدْمَةِ النَّاسِ، فَابْدَأُوا بِحُلُولٍ حَقِيقِيَّةٍ: شَبَكَاتُ طَاقَةٍ عَامِلَةٌ، رُوَاتِبُ مُدْفَعَةٌ، مَصَارِفُ مُحَاسَبَةٌ، وَمَحَكِمُ عَدْلٍ لا تُبْدَلُ بِعُنَاوِينِ تِلْفَزْيُونِيَّةٍ.

أَمَّا الْهِسْتِيرِيَا ضِدَّ الْجَمْعِيَّاتِ الَّتِي تُسَاعِدُ، فَهِيَ لَيْسَتْ شُجَاعَةً… بَلْ هَرْبٌ مِنَ الْمَسْؤُولِيَّةِ، وَمِنْ تَجْرِبَةٍ تَارِيخِيَّةٍ مُثْقَلَةٍ بِالدَّمْ وَالْخَرَابِ لا تَحْمِلُ الْتَّسَاهُلَ. وغدا لناظره قريب

نائبة الصدفة وإحياء قوات الظلام في ميدان الإنجازات الورقية
نائبة الصدفة وإحياء قوات الظلام في ميدان الإنجازات الورقية
B_t_lb

موقع بتوقيت بيروت — منصتك لمتابعة أهم الأخبار العاجلة وال ات السياسية والاقتصادية من لبنان والعالم. نحن نغطي الأحداث لحظة بلحظة، لتبقى دائمًا في قلب الخبر.


اكتشاف بتوقيت بيروت | اخبار لبنان والعالم لحظة بلحظة

اشترك أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

بواسطة
بتوقيت بيروت
المصدر
محمد قاسم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى