هآرتس: ما يحدث في غزة في الواقع ليس اوشفيتس، لكنه جريمة إبادة شعب

هآرتس 17/1/2025، دانييل بيلتمان وعاموس غولدبرغ: ما يحدث في غزة في الواقع ليس اوشفيتس، لكنه جريمة إبادة شعب
التعريف المناسب للفظائع التي تنفذها إسرائيل في غزة هو نوع يخضع منذ اكثر من سنة لنقاش بين الباحثين ورجال القانون والنشطاء السياسيين والمراسلين وغيرهم – نقاش معظم الإسرائيليين لا يطلعون عليه. الحقيقة هي أنه لا يهم عشرات آلاف الأطفال القتلى والجرحى واليتامى والرضع الذين يموتون بسبب البرد في غزة، أي تعريف سيتم اعطاءه في النهاية لهذه الجريمة من قبل محكمة العدل الدولية أو المؤرخين.
إن فحص مقارن للاحداث في السنة الأخيرة، مثلما سنعرضها فيما يلي يقود الى الاستنتاج المؤلم بأن إسرائيل تنفذ وبحق إبادة جماعية في غزة. ومثلما كتب مارك توين: “الحبر الذي كتب به التاريخ هو مثل سائل مصنوع من آراء سابقة”. اخطار كتابة التاريخ بشكل متحيز هي أمر واضح، وهي تظهر الحاجة الى تعريفات حذرة ومتزنة من اجل التوصل الى فهم دقيق للاحداث. هكذا فان فحص دقيق ومقارن للاحداث في السنة الماضية، يقود الى النتيجة المؤلمة وهي أن اسرائيل حقا تنفذ في غزة إبادة جماعية.
المؤرخ شلومو زند قال إنه رغم الاعمال الفظيعة وجرائم الحرب التي تنفذها إسرائيل في غزة إلا أنه لا تحدث إبادة جماعية (15/12/2024). زند قارن الحرب في غزة بحدثين مشابهين حسب رأيه، اللذان فيهما أيضا نفذت جيوش دول ديمقراطية (فرنسا والولايات المتحدة) فظائع ضد السكان المدنيين – التي لا تقل عن الفظائع التي تنفذ في غزة – افعال هذه الدول لا تقل عن الفظائع التي يتم ارتكابها في غزة. لكن هذه الأفعال لم يتم تعريفها بأنها إبادة جماعية. حرب الجزائر (1954 – 1962) وحرب فيتنام (1965 – 1973).
زند لم يدقق في أقواله. بن كرنان، وهو من اهم الباحثين في الإبادة الجماعية في العالم، يقدر في كتابه بعنوان “الدم والتراب – التاريخ العالمي للابادة الجماعية من سبارطا حتى دارفور” بأنه اثناء الاحتلال الكولونيالي الفرنسي في الجزائر (1830 – 1875) قتل بين 500 ألف شخص الى – 1 مليون جزائري بسبب الجوع والمرض والقتل المتعمد. كرنان يعتبر أن الكولونيالية الاستيطانية في الجزائر هي التي أدت الى إبادة جماعية تشبه الإبادة الجماعية التي نفذها الاحتلال والاستيطان الكولونيالي في أمريكا الشمالية وفي استراليا.
ليو كوفر، وهو من الجيل الأول للباحثين في الإبادة الجماعية، يدعي في كتابه بعنوان “الإبادة الجماعية: استخدامها السياسي في القرن العشرين” بأن الفظائع التي ارتكبها الفرنسيون في حرب الجزائر تعتبر “مذبحة إبادة جماعية”، حتى لو كان لا ينطبق عليها التعريف الكامل للابادة الجماعية.
بخصوص الحرب في فيتنام كان زند اقل تدقيقا. ففي 1966 أقيمت “محكمة راسل”، وهي هيئة غير رسمية شكلها الفيلسوف البريطاني برتراند راسل، وعلى رأسها تم تعيين الفيلسوف الفرنسي جانبول سارتر. هدفها كان التحقيق ونشر ادعاءات حول جرائم حرب ارتكبتها الولايات المتحدة في حرب فيتنام. هذه الهيئة شملت مثقفين، سياسيين وناشطين بارزين إضافة الى سارتر مثل سيمون دي بوفوار، وليليو باسو وفلادمير ديداير. هذه المحكمة العامة قررت أن نشاطات الجيش الأمريكي في فيتنام تعتبر إبادة جماعية حسب ميثاق الأمم المتحدة من العام 1948 لمنع ومعاقبة جريمة إبادة شعب. هذه النشاطات تضمنت مهاجمة وقتل مدنيين، استخدام السلاح المحظور وتعذيب اسرى الحرب والتنكيل بهم وتدمير مواقع ثقافية وتاريخية.
بما يشبه حالة إسرائيل وحماس فان استنتاجات الهيئة القضائية اثارت الانتقاد بأنه لم يتم اجراء نقاش جدي حتى في جرائم الفيتكونغ وشمال فيتنام ضد مواطني الجنوب. ولكن الاعتراف بالاعمال الفظيعة للفيتكونغ وحماس لا تنفي الحاجة الى أن يتم تعريف، بشكل دقيق، ما فعله في حينه الجيش الأمريكي في فيتنام، وما يفعله الجيش الإسرائيلي الآن في قطاع غزة.
محكمة “راسل” قادت النقاش حول الإبادة الجماعية الى اتجاهات أخرى. ليو كوفر قال إن عمليات القصف الاستراتيجية، مثل القنابل الذرية التي تم القاءها على هيروشيما وناغازاكي (1945)، وقصف دول الحلفاء لهامبورغ ودرزدن (1943 و1945) يمكن اعتبارها اعمال إبادة جماعية بسبب نية إبادة مدنيين.
إسرائيل في الحقيقة لم تقم بالقاء قنبلة ذرية على غزة (رغم اقتراح وزير التراث عميحاي الياهو). ولكن في الحرب في غزة تم تجاوز حواجز حذرت إسرائيل من اختراقها في السابق. التحقيق الذي اجراه يوفال ابراهام (“محادثة محلية”، 3/4/2024) الذي استنتاجاته تم التأكيد عليها في تحقيق منفرد لـ “واشنطن بوست” (29/12/2024)، اظهر بأن الجيش الإسرائيلي استخدم الذكاء الصناعي في عمليات القصف في غزة، بشكل أدى الى اضرار زائد بالابرياء. أحيانا تمت المصادقة على تدمير حي أكمله وقتل 300 شخص غير متورطين فقط من اجل المس بشخص كبير واحد من حماس.
هذا المنطق يحول جميع سكان غزة الى اهداف مشروعة. هكذا، حسب الجمع الدقيق للبيانات الذي اجراه الادكتور لي مردخاي (“هآرتس”، 5/12/2024)، يمكن التقدير بأن 60 – 80 في المئة من المصابين في غزة هم غير متورطين – اكثر من كل ما سمح به الجيش الإسرائيلي في السابق، واكثر مما كان في أي حرب أخرى في القرن الواحد والعشرين.
هذه السياسة فعليا تسمح بارتكاب إبادة جماعية، والصعوبة الأساسية التي تقف امام تعريف قانوني للابادة الجماعية هي الحاجة الى اثبات النية. في الواقع الإبادة الجماعية حسب تعريف الأمم المتحدة من العام 1948 تحتاج الى الاثبات بأنه توجد نية للابادة بشكل كامل، أو جزئي، للمجموعة التي هي ضحية الإبادة، وهذه يمكن أن تكون مجموعة قومية، دينية، عرقية. موضوع النية تم إدخاله الى الميثاق، ضمن أمور أخرى، بسبب المصالح المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي سابقا، التي خشيت في فترة الحرب الباردة من أن لا تجد نفسها على كرسي المتهمين في محكمة العدل الدولية، بسبب نشاطات عنيفة نفذتها في السابق أو سيتم تنفيذها في المستقبل.
على مدى سنوات الحرب الباردة المحكمة كانت عامل هامشي جدا في العلاقات الدولية. المرة الأولى التي أدانت فيها هيئة قضائية جنائية دولية متهم بتنفيذ إبادة جماعية (جانبول اكيسو) كانت في أيلول 1998، في محاكمة الإبادة الجماعية في رواندا. المحاكم الدولية تتبع الحذر الشديد قبل أن تقرر بأنه حدثت إبادة جماعية. المحكمة الجنائية للاستئنافات، التي تناولت الإبادة الجماعية في سيربرنتسا، تطرقت الى قضية الإبادة لجزء من مجموعة (التي هي مذكورة في ميثاق الأمم المتحدة)، وقالت إن هذا الجزء يجب أن يكون محدد ومُعرف، وابادته يجب أن تعرض للخطر كل المجموعة.
في قراري حكم في الدعاوى التي تناولت الحرب في يوغسلافيا قررت محكمة العدل الدولية بأنه من اجل الاثبات بأنه كانت توجد نية للابادة، على هذه الأفعال والسلوكيات أن تكون أفعال وسلوكيات بحيث لا يكون بالإمكان اعطاءها أي تفسير معقول آخر عدا عن نية التدمير. أي أنه لا يكفي أن نية التدمير هي التفسير المعقول الأكثر لهذه الأفعال، بل مطلوب أن لا يكون هناك أي تفسير معقول آخر.
صحيح أنه في القرار الصادر في 2015 بشأن الدعوى التي قدمتها كرواتيا ضد صربيا، بذريعة أن الأخيرة ارتكبت إبادة جماعية في الحرب ضد كرواتيا في التسعينيات، قررت المحكمة أنه ارتكبت في الحرب اعمال قتل وعنف على يد الطرفين، لكن هذه الاعمال لا تتجاوز السقف المطلوب من اجل القول بأنه كانت توجد إبادة جماعية. المحكمة الجنائية الخاصة لدول يوغسلافيا السابقة امتنعت عن اعتبار كل حالات العنف في الحرب إبادة جماعية، باستثناء المذبحة التي نفذها في تموز 1995 الصربيون ضد البوسنيين المسلمين في سربرنتسا، التي قتل فيها حوالي 8 آلاف رجل، والنساء والأطفال تم طردهم.
هل يمكن اثبات النية في حالة غزة؟ باستثناء فكرة استخدام السلاح النووي، فان السياسيين وقادة كبار في الجيش واعلاميين إسرائيليين، اسمعوا تصريحات كثيرة تدل على نية الإبادة الجماعية، وكل ذلك تم توثيقه: لا يوجد في غزة أبرياء؛ نحن سننفذ نكبة 2؛ يجب تدمير العماليق وما شابه. حتى الآن مفهوم النية هو مفهوم اشكالي جدا. وليام شباس، من كبار رجال القانون في موضوع الإبادة الجماعية، شرح ذلك في كتابه بعنوان “الإبادة الجماعية في القانون الدولي: جريمة الجرائم”، حيث كتب أن قرارات المحاكم الدولية الخاصة التي قامت بمحاكمة مجرمي الإبادة الجماعية في رواندا وفي يوغسلافيا.
اثبات النية المطلوب لادانة شخص أو دولة بالابادة الجماعية، كما يقول شباس، هو متطلب جدا ومعقد اكثر من اثبات النية المطلوب في محاكمة قتل جنائية عادية، خاصة عندما يدور الحديث عن دولة – حيث أنه في نهاية المطاف واستنادا الى ماذا يمكن تحديد نية الادولة؟. اذا كان القتلة ينفذون افعالهم مع اسماع التصريحات أو إعطاء الأوامر أو خطاب وما شابه، التي يوجد لها معنى الإبادة الجماعية، فبالطبع من السهل اثبات هذه النية. في ظل عدم وجود مادة كهذه فانه على النيابة الاعتماد على اثباتات من الجريمة نفسها، والتصميم الذي نفذ فيه القتلة عملية القتل التي تشير الى رغبة واضحة لابادة المجموعة.
المحكمة التي ناقشت الإبادة الجماعية في رواندا قررت أنه يمكن الاستنتاج بأنه كانت توجد نية إبادة جماعية من خلال الأفعال نفسها. “من خلال الطابع الجماعي و/ أو المنهجي لها، أو من خلال فظاعتها”. في سياق غزة فان شباس يعتقد أن الدعوى ضد إسرائيل للاشتباه بارتكاب إبادة جماعية، التي قدمتها جنوب افريقيا والتي طلب الانضمام اليها 14 دولة أخرى، هي دعوى قوية جدا، سواء بسبب العدد الكبير من تصريحات الإبادة الجماعية لمتخذي القرارات في إسرائيل أو بسبب طبيعة النشاطات نفسها مثل التجويع المنهجي لسكان غزة، التطهير العرقي في شمال القطاع وقصف مناطق تم اعتبارها “آمنة”.
معظم حالات الإبادة الجماعية في العصر الحديث حدثت بعد صراع عنيف وطويل بين مجموعة القتلة ومجموعة الضحايا. مثلا، الأرمن ثاروا ضد ظلم العثمانيين وقمع طموحاتهم القومية، وقاموا بنشاطات إرهابية ضد الدولة في نهاية القرن التاسع عشر. أبناء الهرارو في جنوب غرب افريقيا تمردوا على السلطة الامبريالية الألمانية، التي ردا على ذلك عملت على ابادتهم بعد اتباعها سياسة ابادت مصادر رزقهم (قطعان الابقار). أبناء الهوتو قتلوا أبناء التوتسي في رواندا بعد سنوات طويلة من الصراع، التي كانت بدايتها في الامتيازات التي منحها الحكم الكولونيالي البلجيكي لابناء التوتسي بعد الحرب العالمية الأولى.
في هذا السياق تجدر الإشارة الى أن معظم اعمال الإبادة الجماعية تعتبر من قبل منفذيها خطوة للدفاع عن النفس من ضحاياهم. الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين ينتمي بلا شك الى هذا النوع؛ الإبادة الجماعية في غزة اعتبرت من قبل معظم الإسرائيليين حرب دفاع جاءت بعد الهجوم الفظيع لحماس في 7 أكتوبر.
الإبادة الجماعية لا يجب أن تكون مشابهة للنموذج النازي، الذي اعتبر كل يهودي عدو يجب القضاء عليه. الإبادة الجماعية لم تكن في أي يوم خطية، ودائما تحدث فيها عمليات متناقضة. مثلا، في حين أن الأرمن طردوا وذبحوا في أجزاء واسعة من الإمبراطورية العثمانية، فانهم في مدن كبيرة مثل إسطنبول وازمير لم يتضرروا تقريبا. في بعض الحالات قائد “الحل النهائي” النازي (هاينرخ هملر)، قام بتأجيل بشكل محدد إبادة اليهود في أماكن واوقات معينة لاعتبارات سياسية أو دبلوماسية، الامر الذي مكن من فتح نافذة ضيقة للانقاذ. أيضا يمكن لإسرائيل ادخال المساعدات الإنسانية الى غزة (التي يتم استغلالها أحيانا لتشجيع عصابات إجرامية محلية)، وفي نفس الوقت كي تقتل هناك آلاف المواطنين الأبرياء.
تقريبا دائما أوامر تنفيذ الإبادة الجماعية تكون ضبابية ومتملصة وتخضع للتفسير. هكذا كان أيضا في “الحل النهائي”. المؤرخ البريطاني ايان كرشو في كتابه “قرارات مصيرية” (عام عوفيد، 2009)، شرح أن القول بأنه يوجد قرار للابادة يمكن أن يضلل. لأنه يمكن أن يولد الانطباع بأنه كانت لحظة معينة، كما يبدو فيها تم اعطاء تعليمات صريحة لتنفيذ الإبادة الجماعية. لم يصدر أمر إبادة من رئيس الهرم (هتلر) للقاعدة، بل كانت هناك علاقات متبادلة ومعقدة شملت إعطاء الضوء الأخضر، تلميحات تؤكد العملية، ومبادرات من الأسفل التي تجمعت معا ووصلت الى التطرف المتدحرج. فقط في مرحلة متأخرة تبلورة العملية ووصلت الى قرار واضح تمت رؤيته على الارض. أيضا هنا المقارنة مع ما يحدث في غزة صحيحة.
ينيف كوفوفيتش جلب شهادات تقشعر لها الابدان على ما يحدث في ممر نتساريم (“هآرتس”، 18/12/2024). كل الذين يجتازون الخط الوهمي يتم اطلاق النار عليهم وقتلهم، سواء كانوا مسلحين أو مدنيين ضلوا الطريق. اعتباطية واهمال يسودان في مكان فيه كل واحد يمكنه اطلاق النار على أي فلسطيني مار، وكل قتيل حتى لو كان طفل، يعتبر مخرب. بالضبط مثلما أي فتى أو مسن قتل على يد الفيرماخت في سنوات الحرب في القرى التي توجد في عمق الاتحاد السوفييتي سابقا تم اعتبارهم انصار يستحقون الموت.
لا أحد قام باعطاء الجنود في ممر نتساريم، الذين يقتلون الأبرياء، الامر لفعل ذلك. ولكن من يفعلون ذلك (بالتأكيد ليس جميع الجنود) يدركون أنه لن يحدث لهم أي سوء. إن دمج تلميحات من الأعلى (من السياسيين وضباط الجيش مثل العميد يهودا باخ) واهمال قاتل من الأسفل – هكذا تحدث الإبادة الجماعية. في اذار 2022، في متحف الكارثة في واشنطن اعلن وزير الخارجية الأمريكي انطوني بلينكن بأن الولايات المتحدة تعتبر أفعال مينمار ضد أبناء الروهنغا إبادة جماعية. بلينكن قال إنه قرر الإعلان عن ذلك بالذات في متحف الكارثة لأن دروس الكارثة مهمة أيضا الآن. لا أحد قال بأن الامر يتعلق بالاستخفاف بالكارثة وأنه محظور المقارنة.
هذه كانت الحالة رقم 8 حتى ذلك الحين التي اعترفت فيها الولايات المتحدة بالابادة الجماعية إضافة الى الكارثة. الحالات الأخرى هي الإبادة الجماعية للارمن، إبادة الهولودومر في أوكرانيا في الثلاثينيات، في كمبوديا على يد الخمر الحمر، الإبادة في رواندا، الإبادة في سربرنتسا، الإبادة في دارفور، الإبادة التي نفذها داعش ضد اليزيديين. وبالضبط في هذه الأيام في 9 كانون الثاني اعترفت إدارة بايدن (مرة أخرى بتصريح من بلينكن) بحالة عاشرة للابادة الجماعية، وهي التي تنفذها قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية في الحرب الاهلية الدموية في السودان منذ اسقاط الرئيس عمر البشير في 2019.
في ميانمار كان الحديث يدور عن طرد 850 ألف من أبناء الروهانغا الى بنغلاديش، وقتل 9 آلاف شخص منهم. أي أنه لم تكن إبادة جسدية لكل أبناء الروهانغا، بل نسبة قليلة من أبناء هذه الأمة. الآن تتم مناقشة دعوى ضد ميانمار في محكمة العدل الدولية. وقد تم تقديم هذه الدعوى من قبل غامبيا، وانضمت اليها بعض الدول مثل المانيا وبريطانيا. التصريحات حول نية ميانمار إبادة الروهانغا هي تصريحات ضعيفة وهامشية مقارنة مع سيل التصريحات للابادة الجماعية التي سمعت من اوساط سياسية واجتماعية وإعلامية وعسكرية في إسرائيل، التي تعكس نزع الإنسانية الشديد عن الفلسطينيين والتوق الى ابادتهم بشكل جماعي.
الإبادة هي كل عمل يؤدي الى تدمير القدرة على الوجود لمجموعة، ليس بالتحديد قتلها الجسدي. التقدير هو أنه تقريبا 50 ألف شخص قتلوا في غزة، و110 آلاف شخص أصيبوا. وعدد الذين بقوا تحت الأنقاض غير معروف، وربما لن تتم معرفته أبدا. الأغلبية الساحقة من الضحايا هم مواطنون غير مشاركين. 90 في المئة من سكان غزة تم تهجيرهم من بيوتهم ويعيشون في ظروف سيئة جدا، تزيد عدد الوفيات.
قتل الأطفال والتجويع والتدمير الممنهج، بما في ذلك البنى التحتية للمنظومة الصحية وتدمير معظم المباني، بما في ذلك محور احياء وبلدات بالكامل مثل جباليا وبيت لاهيا، والتطهير العرقي في شمال القطاع، وتدمير كل الجامعات ومعظم المؤسسات الثقافية والمساجد، وتدمير البنى التحتية للحكومة والمنظمة، والقبور الجماعية، وتدمير البنى التحتية لانتاج المواد الغذائية المحلية وخزانات المياه – كل ذلك يرسم صورة واضحة للابادة الجماعية. غزة كتجمع بشري وقومي جماعي لم تعد موجودة. هكذا بالضبط تبدو الإبادة الجماعية.
بعد انتهاء الحرب نحن سنضطر الى النظر الى انفسنا في المرآة، فيها سيظهر لنا مجتمع ليس فقط تخلى عن أبنائه وبناته المخطوفين، وليس فقط لم يدافع عن مواطنيه من قتل حماس، بل هو أيضا ارتكب هذا الفعل الفظيع في غزة – الإبادة الجماعية التي ستلطخ تاريخ اليهود من الآن والى الأبد. سيكون علينا النظر مباشرة وفهم عمق الفظائع التي قمنا بارتكابها. ما يحدث في غزة ليس كارثة. فهنا لا يوجد اوشفيتس أو تاربلنكا، لكن هذه جريمة من نفس العائلة، جريمة إبادة جماعية.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-01-17 14:40:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>