ونجح باحثون من الولايات المتحدة وأستراليا والصين، في تطوير شكل جديد من الأنسولين يحاكي استجابة الجسم الطبيعية لتقلبات مستويات السكر في الدم، إذ يستجيب على الفور، مثل البنكرياس السليم.
ويظل هذا العلاج الجديد، الذي أُطلق عليه “الأنسولين الذكي”، خاملاً في الجسم حتى الحاجة إليه، ويستجيب على الفور لمستويات السكر المرتفعة في الدم، ويساعد في الحفاظ على التوازن دون الحاجة إلى حُقَن متكررة.
ولا يزال “الأنسولين الذكي” في مراحل التطوير والاختبار، إلا أن إمكاناته لتحويل حياة الأشخاص المصابين بمرض السكري من النوع الأول، لا يمكن إنكارها.
وبالنسبة لمرضى السكري من النوع الأول، فإن إدارة مستويات السكر في الدم تشكل تحدياً يومياً لا هوادة فيه، إذ يحتاج المرضى حالياً إلى حقْن أنفسهم بالأنسولين الاصطناعي حتى 10 مرات في اليوم للبقاء على قيد الحياة.
ويمكن أن تؤدي التقلبات المستمرة بين مستويات السكر المرتفعة والمنخفضة في الدم، إلى مشكلات صحية جسدية على المدى القصير والطويلة، ويمكن أن تؤثر محاولات الحفاظ على استقرار المستويات أيضاً على الصحة العقلية للمرضى.
إدارة مرض السكري
مرض السكري، هو مشكلة صحية عالمية تتسبب بارتفاع مستويات الجلوكوز في الدم أثناء الصيام، أو ارتفاع سكر الدم، أما الأنسولين المستخدم في إدارة مرض السكري، فهو هرمون ينتجه البنكرياس وينظم مستويات السكر في الدم، عن طريق إرسال إشارات إلى خلايا الكبد والعضلات لامتصاص وتخزين الجلوكوز على شكل جليكوجين.
وينتج مرض السكري من النوع الأول، عن التدمير المناعي الذاتي للخلايا المنتجة للأنسولين، ما يؤدي إلى نقص الأنسولين، في حين يتسم السكري من النوع الثاني بمقاومة الأنسولين على الرغم من مستويات الأنسولين الطبيعية أو المرتفعة.
وتؤدي أشكال أخرى، مثل السكري أثناء الحمل، إلى مشكلات مماثلة في نسبة الجلوكوز في الدم، ما يتطلب إدارة دقيقة تتم غالباً بمساعدة الأنسولين.
وتنطوي إدارة مرض السكري على الإدارة الذاتية للأنسولين الخارجي، وخاصة بالنسبة لأولئك المصابين بالسكري من النوع الأول، والحالات المتقدمة من السكري من النوع الثاني.
ومع ذلك، فإن السيطرة الصارمة على مستويات السكر في الدم أمر صعب، وقد يؤدي ضعف الالتزام بعلاج الأنسولين إلى مضاعفات خطيرة.
فانخفاض سكر الدم الحاد، على سبيل المثال، يمكن أن يسبب الغيبوبة أو حتى الموت، في حين أن عدم استقرار مستويات الجلوكوز في الدم المزمن يمكن أن يساهم في أمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها من المشكلات الصحية الخطيرة.
وفي حين تم تحقيق تقدم في تركيبات الأنسولين التي توفر حركية دوائية أكثر قابلية للتنبؤ، لا تزال هناك حاجة كبيرة إلى أدوات أفضل لتحقيق التحكم الدقيق في نسبة السكر في الدم وتجنب المضاعفات الفورية وطويلة الأجل.
وتعمل علاجات الأنسولين التقليدية، على تثبيت مستويات السكر في الدم بعد وقت قصير من الحقن، ولكن تأثيراتها مؤقتة، ومع استمرار مستويات السكر في الدم في التقلب طوال اليوم، يجد المرضى أنفسهم في كثير من الأحيان في حاجة إلى حُقَن إضافية بعد ساعات فقط.
وهذه الدورة من الجرعات المتكررة، تتسبب في إرهاقي جسدي وعقلي، ولا توفر النوع المستقر من التحكم طويل الأمد الذي يُعد أمراً بالغ الأهمية للصحة المُثلى.
طريقة عمل الدواء الجديد
ينتمي العلاج الجديد إلى فئة من الأدوية معروفة باسم “الأدوية الذكية”، وهي أدوية مصممة لتقديم العلاج بطريقة أكثر دقة وتحكماً مقارنة بالأدوية التقليدية.
وتتسم الأدوية الذكية بقدرتها على الاستجابة لمحفزات أو ظروف معينة في الجسم، مثل التغيرات في درجة الحموضة أو درجة الحرارة أو وجود جزيئات معينة مثل الجلوكوز، وهذا يسمح بإطلاق الدواء أو تنشيطه فقط عند الحاجة، ما يقلل من الآثار الجانبية ويحسّن فاعلية العلاج.
والأدوية الذكية هي جزء من المجال الأوسع لأنظمة توصيل الأدوية الذكية، التي تهدف إلى تحسين نتائج العلاج من خلال استهداف مواقع أو حالات محددة داخل الجسم، وبالتالي تعزيز فاعلية العلاج مع تقليل المخاطر إلى أدنى حد.
وكان التحدي الرئيسي في تطوير أنظمة توصيل الأدوية الذكية، هو ابتكار تركيبات يمكنها استشعار مستويات الجلوكوز تلقائياً وتوصيل الجرعة المناسبة من الأنسولين.
ويهدف الدواء الذكي الجديد، إلى تحقيق علاج الأنسولين بحلقة مغلقة، حيث يتم تنظيم توصيل الأنسولين ذاتياً بالكامل استناداً إلى مراقبة الجلوكوز في الوقت الفعلي.
وقال الدكتور تيم هايس، نائب رئيس اللجنة الاستشارية العلمية للأنسولين الجديد، إن الأنسولين الذكي قد يبشر بعصر جديد في الحرب ضد مرض السكري، حسبما نقلت صحيفة “الجارديان” البريطانية.
وأضاف: “حتى مع الأنسولين المتاح حالياً، يتعين على الأشخاص الذين يعيشون مع مرض السكري من النوع الأول بذل الكثير من الجهد في إدارة مرض السكري لديهم كل يوم لإيجاد توازن جيد بين التحكم المقبول في نسبة السكر في الدم من ناحية وتجنب نقص السكر في الدم من ناحية أخرى”.
وتابع: “يُنظر إلى الأنسولين الجديد المستجيب للجلوكوز على أنه الأقرب إلى علاج مرض السكري من النوع الأول“.
وقد تم منح ما يقرب من 3 ملايين جنيه إسترليني لستة مشاريع بحثية طورت أنواعاً مختلفة من الأنسولين الذكي. وتشمل هذه المشاريع فرقاً من جامعة ستانفورد في الولايات المتحدة، وجامعة موناش في أستراليا، وجامعة تشجيانج في الصين. والهدف هو تسريع التطوير وإطلاق التجارب في أقرب وقت ممكن.
ويهدف كل مشروع إلى ضبط الأنسولين الذكي للعمل بشكل أسرع وأكثر دقة، وتخفيف بعض أو كل العبء الضخم المتمثل في إدارة مرض السكري من النوع الأول والحد من خطر حدوث مضاعفات طويلة الأمد.
من جانبها، قالت راشيل كونور، مديرة الشراكات البحثية في مؤسسة أبحاث مرض السكري عند الأطفال Jdrf uk: “في حين أن الأنسولين ينقذ الأرواح منذ أكثر من 100 عام الآن، وقد دفعت الأبحاث السابقة إلى تغييرات مهمة للأشخاص المصابين بالنوع الأول، إلا أنه لا يزال غير جيد بما فيه الكفاية”.
وهناك 3 استراتيجيات رئيسية لدمج استشعار الجلوكوز في هذه التركيبات: “الاستشعار الأنزيمي، والبروتينات الطبيعية المرتبطة بالجلوكوز، والتعرف الجزيئي الاصطناعي”.
وأظهر كل نهج نتائج واعدة، ولكن ظلت هناك عقبات كبيرة في تحسين وقت الاستجابة، وضمان التحكم الدقيق في نسبة السكر في الدم، وتعزيز التوافق البيولوجي وسلامة المواد المستخدمة.
ولا يصبح الأنسولين الذكي الجديد المستجيب للجلوكوز نشطاً، إلا عندما يكون هناك كمية معينة من السكر في الدم لمنع ارتفاع سكر الدم، فيما تصبح غير نشطة مرة أخرى عندما تنخفض المستويات إلى ما دون نقطة معينة، وهو ما يحول دون نقص سكر الدم.
ويعتقد الخبراء، أنه في المستقبل قد يحتاج المرضى إلى الأنسولين لمرة واحدة فقط في الأسبوع. وقال الباحثون إن الأنسولين الذكي يُبشّر بعصر جديد في الحرب ضد مرض السكري.
تاريخ وراء الابتكار
قبل عقود مضت، طوّر العلماء مواد تستجيب للجلوكوز، أنسولين يفرز في الدم عن ارتفاع مستويات السكر، باستخدام الليكتينات، وهي مجموعة من البروتينات التي ترتبط بشكل طبيعي بالكربوهيدرات.
وأحد أكثر الليكتينات التي تمت دراستها هو “الكونكانافالين” Concanavaline، والذي تم استخدامه بطرق مختلفة لاستشعار مستويات الجلوكوز.
وتم استكشاف هذا المفهوم لأول مرة في عام 1979، عندما أظهر الباحثون أنه يمكن إطلاق الأنسولين استجابة للجلوكوز عن طريق دمجه مع الكونكانافالين.
وبمرور الوقت، تم توسيع هذه الفكرة من خلال دمج الكونكانافالين في البوليمرات أو الكبسولات الدقيقة، ما يسمح بالإطلاق المتحكم فيه للأنسولين.
وعندما ترتفع مستويات الجلوكوز، تتنافس جزيئات الجلوكوز مع الأنسولين على الارتباط بـالكونكانافالين، ما يؤدي إلى إطلاق الأنسولين حسب الحاجة.
ويتضمن نهج مبتكر آخر استخدام الكونكانافالين كرابط لإنشاء الهلاميات المائية البوليمرية.
وتستجيب هذه الهلاميات المائية، المصنوعة من البوليمرات الاصطناعية، للجلوكوز عن طريق الانتفاخ، إذ يعطل الجلوكوز الروابط المتقاطعة للكونكانافالين، ويمكن تسخير هذه العملية لإنشاء أجهزة هيدروجيل تطلق الأنسولين عندما ترتفع مستويات الجلوكوز.
ومن خلال ضبط التوازن داخل الهيدروجيل، يمكن للعلماء التحكم بدقة في إطلاق الأنسولين.
وهناك طريقة أخرى يُمكن استخدامها لصناعة الأنسولين الذكي، فبدلاً من الاعتماد على عناصر استشعار الجلوكوز الطبيعية مثل الليكتينات أو الإنزيمات، يمكن للباحثين استخدام جزيئات اصطناعية، مثل أحماض فينيل بورونيك لربط الجلوكوز.
ومن المعروف أن أحماض فينيل بورونيك، ترتبط بشكل عكسي بالجلوكوز وجزيئات أخرى مماثلة، ما يجعلها فعّالة في الأنظمة المستجيبة للجلوكوز.
ويُمثّل تطوير المواد المستجيبة للجلوكوز لتوصيل الأدوية، تقدماً كبيراً في إدارة مرض السكري، إذ يمكن أن توفر طريقة أكثر ديناميكية وأماناً لإعطاء الأنسولين.
ويقول الباحثون إن تطوير الأنسولين الذكي والذي يستجيب لمستويات السكر المتغيرة في الدم في الوقت الحقيقي، يُمثّل تقدماً رائداً في رعاية مرضى السكري له القدرة على تخفيف العبء اليومي بشكل كبير على ملايين الأشخاص الذين يعيشون مع مرض السكري من النوع الأول.
ويمكن أن تُحدث الأبحاث الجديدة، ثورة في علاج مرض السكري من خلال توفير سيطرة أفضل على نسبة السكر في الدم، والحد من خطر حدوث مضاعفات، وتخفيف التحديات العقلية والجسدية المرتبطة بهذه الحالة.
ويبشّر “الأنسولين الذكي” بعصر جديد في إدارة مرض السكري، ما يمنح الأمل في مستقبل تكون فيه إدارة مرض السكري أقل تحدياً وأكثر سلاسة.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :asharq.com بتاريخ:2024-08-12 15:36:29
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي