<
p style=”text-align: justify”>ليست مستغربة المجزرة التي ارتكبها الجيش الصهيوني في مخيم النصيرات، خلال عملية إنقاذ أربعة من الرهائن لدى المقاومة الفلسطينية، لكن ما كاد بنيامين نتانياهو ينتهي منتشياً من مؤتمره الصحفي في إعلان “النصر”، حتى جاءت نتائج العملية الحمقاء، التي أكدت مقتل ثلاثة رهائن آخرين خلال الإقتحامات، وكذلك قائد العملية الضابط أرنون زمورا، وتعادلت إسرائيل مع نفسها، وأخذت أربعة وقتلت أربعة، وأنهت المهمة بصعوبة بالغة، فكان العدوان البربري على مربع سكني بأكمله في المحيط، وسقط نحو 280 شهيداً فلسطينياً وأكثر من 700 جريح.
في اليوم التالي لهذه العملية، استقال عضو مجلس الحرب بيني غانتس، على خلفية عجز نتانياهو عن تحديد خطة “اليوم التالي” في قطاع غزة، ومع استقالة غانتس الذي كان وزير حرب سابق، استقال معه من مجلس الحرب غادي آيزنكوت وهو رئيس أركان سابق للجيش الصهيوني، وصاحب نظرية “إستراتيجية الضاحية” الخائبة خلال عدوان العام 2006 على لبنان.
وسط هذا التخبُّط الصهيوني الحكومي والإرباك العسكري، وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى “تل أبيب”، ضمن جولة على الدول المعنية بمفاوضات وقف العدوان على غزة، مع تلويح أميركي جدِّي بفصل مسار تحرير الرهائن الأميركيين الخمسة عن الرهائن الإسرائيليين، خاصة بعد كشف المقاومة عن مقتل رهينة أميركي ضمن الثلاثة الذين قتلتهم القوة الصهيونية خلال عملية إنقاذ الرهائن الأربعة، ورداً على سؤال حول إمكانية تحقيق تقدم في العملية المتكاملة للإتفاق مع حماس عبر الوسطاء، قال بلينكن إن المسألة مرتبطة بموافقة شخص واحد، في إشارة الى نتانياهو، الرافض حتى الآن لمبدأ وقف إطلاق نار نهائي كما تشترط المقاومة.
ووسط مؤشرات التفكك المتمادي على المستوى الحكومي “الإسرائيلي”، عارض وزير الحرب يوآف غالنت مشروع قرار إستمرارية إعفاء شريحة الحريديم الدينية من الخدمة العسكرية، الذي تم تمريره في الكنيست، ما حدا بمدير مكتب نتانياهو إلى مطالبة الأخير بإقالة غالنت. وليست جديدة الإنقسامات الدينية والإديولوجية والسياسية في المجتمع الصهيوني المُنشطر إلى فئتين رئيسيتين، وتنطلق كل منهما من رؤيتها للحفاظ على الكيان وحمايته من “الخطر الفلسطيني”.
الفئة المتشددة المذعورة التي ينتمي إليها نتانياهو، مؤمنة برؤية إقامة “الجدار الحديدي” التي أطلقها الصهيوني “زائيف جابوتنسكي”( 1880- 1964)، وتقضي بضرورة تنفيذ المشروع الصهيوني خلف جدارٍ من حديد، يعجز السكان العرب المحليون عن هدمه. غير أن نموذج “جابوتنسكي” لم يعارض فتح حوار مع الفلسطينيين في مراحل تالية، بل على العكس، كان يؤمن أنه وبعد أن “يَشجّ الفلسطينيون رؤوسهم بلا جدوى في هذا الجدار، سيقرُّون مع الوقت بأنهم في وضعٍ دائمٍ من الضعف، وعندها يحين أوان تدشين مفاوضات معهم حول وضعهم وحقوقهم القومية في فلسطين”.
رؤية جابوتنسكي حول “الجدار الحديدي” أصدر فيها الكاتب “آفي شلايم” كتاباً تحت عنوان: “الجدار الحديدي، إسرائيل والعالم العربي” عام 2000، وإلى هذه الشريحة ينتمي اليمين الإسرائيلي المتشدد، وتأتي أسماء مناحيم بيغن وآريل شارون وإيهود أولمرت إضافة الى بنيامين نتانياهو ضمنها، فيما الشريحة الثانية التي ينتمي إليها إيهودا بارك ومن قبله إسحق رابين وشمعون بيريز لا تؤمن بجدوى انتهاج سياسة الجدار الحديدي الصارم، ويحاول يائير لابيد حالياً تصوير نفسه وكأنه ينتمي لهذه الفئة، بعد أن شهِد على عجز جيش كيانه.
الندِّية المذهلة في المواجهة، بين المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني، هي التي استحضرت تقييم جدوى الجدار الحديدي، لأنها أثبتت فعلاً عدم جدواه، ونذكِّر بالمقارنة كمثال، رؤية جابوتنسكي “الحديدية” في فكر نتانياهو، وواقع ما تفعله المقاومة بجيش العدو وحديدية صمودها.
بداية خَلَلِ المقارنة، أن جابوتنسكي عاش زمن تأسيس الكيان الصهيوني، ولم يتوقع أن يتخلى الفلسطينيون طوعاً عن حقهم في تقرير المصير، لهذا كان يرى أنه من غير المجدي في تلك المرحلة المبكرة من المشروع الصهيوني فتح حوار معهم، ولا مفرّ من تنفيذ البرنامج الصهيوني من طرف واحد وبالقوة، وهذا ما زال يؤمن به فعلاً نتنياهو رغم تبدل أحوال هذا الكيان بعد مسلسل الهزائم، عامي 2000 و 2006 في لبنان، وعام 2005 عندما انسحب العدو من قطاع غزة، لتأتي الضربة القاضية في 7 أكتوبر 2023 وتُنهي نهائياً مقولة “الجيش الذي لا يُقهر”، العاجز عن تحرير رهائن على بُعد مئات الأمتار منه كما يقول الكاتب اليهودي إسحق بريك.
وفي رأي “آفي شلايم” مؤلف كتاب الجدار الحديدي، حصل حرفياً السيناريو الذي حدث في الممارسة العدوانية على أرض الواقع في الصراع مع العرب قبل العام 2000، وعزز تاريخ “دولة إسرائيل” تأكيداً لإستراتيجية الجدار الحديدي لجابوتنسكي، غير أن مخاطر تلك الإستراتيجية، حسب شلايم، تمثَّلت في وقوع الزعماء “الإسرائيليين” في غرام مرحلة محددة منها، ليرفضوا التوصل إلى السلام مراراً وتكراراً، حتى عندما توفَّرت الأيدي الممدودة على الجانب الآخر (أوسلو) ما أدى لتضييع “إسرائيل” فرص ونوايا السلام التي توفرت من جانب بعض الدول العربية طوال سنوات النزاع الطويلة.
والآن، وبعد خيبات غزة، وبعد هدأة نتانياهو من نشوة “النصر” بتحرير أربعة رهائن ومقتل ثلاثة مع قائد العملية، بادر فوراً والد الرهينة المحررة “نوعا أرغماني” إلى القول: “سأشارك كالعادة في التظاهرات المطالبة بتحرير الرهائن، ما زال لدينا 120 منهم بأيدي حماس، ويجب استكمال مفاوضات إطلاق سراحهم معها”.
عملية تحرير الرهائن الأربعة، تم تحليلها “إسرائيلياً”، وتقييم جدوى تكرارها لتحرير باقي الرهائن ولكن، النتيجة جاءت لصالح حركة حماس، بإعتراف قادة إسرائيليين سابقين، لا يتوقعون تكرار النجاح في أية محاولة أخرى بالقوة العسكرية، خاصة بعد افتضاح أمر المشاركة الأميركية إستخباراتياً وعملياتياً، واستخدام “ميناء بايدن” العائم الذي أقيم بذريعة إدخال المساعدات الى غزة، مقراً لإدارة العملية وتحميل الرهائن بطوافة عسكرية منه، وبعد نقلهم بشاحنة مخصصة لنقل المساعدات للتمويه، ومع هذه المعطيات، لم تتأخر حماس بالإعلان، أن هذه العملية سوف تنعكس سلباً على نمط احتجاز الرهائن الباقين، سواء داخل الأنفاق أو خارجها.
وإذا كان نتانياهو مصراً على معركة “شجِّ” الرؤوس بالجدار الحديدي على طريقة جابوتنسكي، فإن زمن هذا الأخير قد انتهى في التاريخ “الإسرائيلي” المعاصر، ولم تكن حركات المقاومة الموجودة الآن كما الطوق حول الكيان الصهيوني، موجودة في أيام جابوتنسكي، لا في اليمن ولا في العراق ولا في لبنان ولا في الداخل الفلسطيني، ولا كان هناك أي طوفان عربي شبيه بطوفان الأقصى، وإذا كان نتانياهو راغباً في الحسابات أو إعادة الحسابات، فما عليه سوى مراجعة القرار الأميركي بإمكانية التفاوض مع حماس بمعزل عنه لإطلاق سراح خمسة رهائن أميركيين، لأن تحرير رهينة واحدة دون تطبيق شروط المقاومة هو من المستحيلات، وهو ليس أكثر من شجّ رؤوس صهيوني في الجدار الحديدي مع المقاومة دون فائدة.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.almanar.com.lb بتاريخ:2024-06-13 09:03:05
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي