بعدما أوهم أغلب السياسيين أن الدولة متخمة بالموظفين والعاملين، وأنهم يشكلون عبئاً مالياً كبيراً على الخزينة جاء البنك الدولي ليطلب الأرقام الحقيقية وليكتشف تناقضاً بين ما كانت تقدمه وزارة المالية وبين ما قام بتقديمه مجلس الخدمة المدنية، ولا سيما بعد صدور قانوني موازنتي 2017 و2019 اللذين طلبا إجراء مسح بشري في الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات، فظهر أنّ شغوراً حاداً تعانيه ملاكات الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات يتجاوز في الإدارة العامة نسبة 71 بالمئة ويتجاوز في المؤسسات العامة 50 بالمئة وفي البلديات يتجاوز 80 بالمئة حسب الملاكات المنصوص عليها في هذه الهيئات الإدارية .
تدق رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي ناقوس الخطر وتتحدث عن علل الإدارة العامة وواقعها المرير وتكشف «أن الإدارة اللبنانية الحالية تعاني شغوراً كبيراً يلامس السبعين بالمئة»، وتتحدث في اتصال مع «نداء الوطن» عن «وظائف بات ملحاً الغاؤها وعددها قرابة 20000 وظيفة موزعة بين كاتب (3000 مركز) أو رئيس قسم (500 مركز) أو خادم (1200 مركز). تبلغ المراكز في الإدارة العامة 27000 وظيفة في الملاك العام، لا يتجاوز عدد المتواجدين فيها 7900 فقط».
واقع لا يلتفت اليه المعنيون ولا يدرجونه في سياق الأولويات علماً أننا نتحدث هنا عن مرفق حيوي مهمته تسيير أمور المواطنين ومتابعة شؤون حياتهم. لكن المتعارف عليه هو أن الإدارات العامة باتت في الآونة الأخيرة باباً للتوظيف السياسي بلا دراسات مسبقة وباباً من أبواب المنفعة العامة للمحاسيب والأزلام من خلال توظيفات عشوائية لا تركن الى أي شرط من الشروط الواجب توافرها وأهمها الكفاءة والنزاهة.
ورغم العطب الذي يصيب الإدارة عامة فإنّ اللافت أنه في مواسم الإصلاحات أو التدابير الإدارية يتم التركيز على الفئة الاولى (تبلغ نسبة الشغور فيها 41 بالمئة) من دون التطرق الى الفئة الثانية، والتي هي عماد العمل القيادي الإداري في لبنان. منذ أكثر من عشرات السنين لم يتم ترفيع أي من الموظفين من الفئة الثالثة إلى الفئة الثانية. وهذا ما يفقد كل البنى الإدارية حوافز الدخول اليها أو العمل فيها بسبب الإحباط من عدم إمكانية أن تكون هناك فرص للأجيال الصاعدة في الدخول اليها او الترفيع والترقية. عادة ما يكون هامش التدخلات السياسية في ترفيع هذه الفئة أقل بكثير من الفئة الأولى، وعليه فإنّه لا تتم مقاربة عملية الترفيع في هذه الفئة ولا يهتم لشأنها، ما خلق إحباطاً كبيراً لدى موظفي الفئة الثالثة.
وتعد الفئة الثانية هي الفئة المغيّبة والتي لا يتم التطرق اليها أو معالجتها ممن بيدهم سلطة القرار. مع الإشارة إلى أنّ مجلس الخدمة المدنية وهو أعلى سلطة رقابية في الإدارة اللبنانية كان يعمل ويصر على أن التكليف خارج النصوص القانونية مرفوض ولا يعتد به، في حين أنّ الإدارات كافة وفي أغلب وظائف الفئة الثانية يتم إشغالها من خلال قرارات أو مذكرات تكليف وهي حالات يستعاض بها عن عمليات الترفيع المطلوبة لإشغال هذه الفئة قانوناً، لأنّ الفئة الثانية ترفّع بموجب شروط وآليات من الفئة الثالثة الى الثانية، ولا يمكن إدخال الموظف اليها كموظف فئة ثانية من خارج الملاك، على عكس الفئة الأولى التي يمكن التعيين فيها من خارج الملاك.
تؤكد رئيسة مجلس الخدمة المدنية نسرين مشموشي أن «الفئة الثانية هي الأكثر شغوراً في الإدارة اللبنانية ولم تشهد ترفيعات منذ زمن طويل، علماً أنّها الفئة المحصنة التي لا يمكن المس بها أو وضع شاغليها بالتصرف إلا بقرار من مجلس الوزراء». يبلغ الفراغ في هذه الفئة قرابة 365 مقعداً تضاف اليها الفئة الثالثة والتي يبلغ الفراغ فيها 338 مركزاً.
طلبات الإستيداع
ومع الإنهيار المالي ومعاناة إدارات الدولة والعاملين فيها إرتفعت طلبات الإستيداع بداعي السفر والبحث عن أعمال موازية خارج إدارة الدولة الى نسب عاليه غير مسبوقة، وفي آخر الاحصاءات تبين حتى مطلع العام 2022 وجود 205 موظفين خارج الملاك يعملون مع المنظمات الدولية، تقدم بطلبات استيداع 167 موظفاً وتم فسخ 273 عقداً وظيفياً وانهاء خدمات 130. في حين أنّ المتعاقدين أو ما يعرف بشراء الخدمات لا يحق لهم الإستيداع بل بإمكانهم الحصول على شهر عطلة في أحسن الأحوال بلا راتب وهذا ما قد ينتج عمليات فرار من هذه الخدمات.
وفي أرقام صادرة عن مجلس الخدمة المدنية، يبلغ عدد الذين سيبلغون السن القانونية عام 2023 حوالى 371 موظفاً في المؤسسات العامة و135 في البلديات الخاضعة لمجلس الخدمة، وسيرتفع في العام 2024 الى 453، وفي العام 2025 يرتفع الى 449، وبالتالي فإنّ الإدارة اللبنانية هرمة وتعاني من الناحية العمرية من عدم وجود دم جديد حيث متوسط الاعمار في بعض هذه الإدارات يصل الى سن 56 سنة.
وما يزيد الموضوع خطورة أنّ هيئات الرقابة التي تتولى عملية تحسين الأداء الإداري وعملية الإنتظام الاداري داخل المؤسسات العامة تعاني هي ذاتها من شغور حاد، وتكشف مشموشي أنّ مجلس الخدمة ذاته يعاني شغوراً يلامس السبعين بالمئة ما يجعله عاجزاً عن القيام بمهام الرقابة الملقاة على عاتقه.
وترافق ذلك مع بطء شديد في عملية التوظيف من خلال مجلس الخدمة المدنية حيث مرت سنوات وسنوات ولم يتم إجراء مباراة، والتي من شأنها أن تضخ دماً جديداً وعنصراً شاباً في هذه الإدارات والمؤسسات، والتي تعاني تقدماً في هيكلياتها الإدارية وبعضها أصبح خارج خدمة العصر والادارة الحديثة. آخر دورة لإمتحانات التوظيف دعا اليها مجلس الخدمة المدنية كانت عام 2012 ولكن تم تعيين الناجحين عام 2017. هناك طلبات توظيف ملحة للمستشفيات والبلديات والضمان الإجتماعي، ولكن المبارة متوقفة لعجز الدولة عن تغطية نفقات المباراة ولأن لا إمكانية لصرف رواتب جديدة للموظفين.
المصدر
الكاتب:hanay shamout
الموقع : lebanoneconomy.net
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-01-06 11:45:03
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي