الإمــــام علي عليه السلام وممارسة الحريات

شفقنا- عليّ وما أدراك ما عليّ!، رجل الإنسانية، والعدالة الاجتماعية، حقَّ الحقَّ ووضعه في نصابه، وحارب الظلم وأصحابه، وبنى دولته على مبادئ الشريعة الإسلامية السمحاء وفي مقدِّمتها الحرية، التي نادى بها الرسول الكريم الذي أرسله الله رحمة للعالمين، وحرَّر الناس من العبودية منذ أن تسلم الرسالة السماوية وبثها بين خلق الله، فسار أمير المؤمنين (عليه السلام) على هدي معلمه الأوَّل ومربيه وأخيه رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله) فأرسى دعائم الحريات ورسخها في نفوس الناس؛ ليعرف كلُّ إنسانٍ معنى الحرية التي وهبها الله تعالى له.

حرية الحياة

من تلك الحريات: (حرية الحياة)، فمن حق الإنسان أن يعيش حرّا؛ لأن الله تعالى جعله حرّا منذ أن خلقه، وفي هذا الصدد يقول الإمام (عليه السلام) : (ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حرّا)، والجعل هنا بمعنى الخلق. فهو يقول له: الحرية خلقت فيك منذ أن خلقك الله، وهي هبة أعطاها الله لك فلا تفرط بها بالخضوع لغيرك من البشر، وقال (عليه السلام) أيضا: (أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة وإن الناس كلهم أحرار)، وهذا النوع من الحريات جاءت به وثيقة حقوق الإنسان بعد مرور قرابة أربعة عشر قرنا من الزمان على وفاة الإمام عليّ (عليه السلام) فنراها تقول: (إن جميع البشر مولودون أحرارا، ومتساوون في الكرامة والحقوق).

مفهوم وسلوك

الحريات كمفهوم وسلوك تعني عند الإمام (عليه السلام) أن يعيش الناس أحراراً كما ولدتهم أمهاتهم، ولهم الحق في ممارسة نشاطاتهم وطاقاتهم الإبداعية والعلمية والعملية في مناخ خالٍ من الطغيان والقسر والتسلط؛ لأن مناخ الحرية ينمي الإبداع ويجدد الثقة بالنفس ويزيد من طموح الناس في الحياة والعمل والإبداع والتَّقدُّم.

ومن الحريات التي حرص إمامنا على أن يتمتع بها الناس هي: (حرية الرأي)، فمنحهم حقّ التعبير عن آرائهم بكل حرية، كما فعل مع عبد الله بن عمر حينما دخل ليبايعه في المسجد الجامع، فقال عبد الله بن عمر: لا أبايع حتى يبايع الناس، ثم قال: أئتوني بحميل (أي: كفيل) فقال مالك الأشتر: خلّ عنك يا أمير المؤمنين أقطع رأسه، فقال (عليه السلام) دعوه فأنا كفيله، أي : إننا لا نستطيع أن نجبره على أخذ البيعة منه؛ لأنه حرٌ بحسب رأيه.

حرية التملك والتعليم

ومن الحريات أيضا: (حرية التملك)، اعتنى (عليه السلام) بمفهوم حرية التملك وفقا لِمَا جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى عندما قال تعالى: «والذين في أموالهم حقّ معلوم للسائل والمحروم» (المعارج: 25،24)، فسمح (عليه السلام) للإنسان أن يتمتع بحرية التملك المطلقة فيمكنه أن يملك من الأموال ما استطاع، لكنه مكلفٌ بأن يؤدي الحقوق التي فرضها الله تعالى على أمواله للمستحقين فقال (عليه السلام): (إن الله سبحانه وتعالى فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء، فما جاع فقير إلا بما منع به غني والله سائلهم عن ذلك).

والنوع الآخر من الحريات التي ضمنها للناس في دولته (حرية التعلم والتعليم)، فقد جعله أمراً شائعاً، فالعلم ملك للجميع، كلّ بحسب قدرته وليس حكراً على فئةٍ معيّنة، وهذا ما وجدناه في قوله (عليه السلام):ـ (تعلموا العلم صغارا تسودوا كبارا)، وهو من أوائل الذين عملوا على مجانية التعليم واستمراريته حتى في أثناء الحروب؛ لأنه يتعلَّقُ بحرية الإنسان فنراه يقول: (منهومان لا يشبعان، طالب علم وطالب دنيا) ، وكيف يقفُ في طريق حرية التعلم وهو المعين الذي لا ينضب مهما تقادمت السنون، فما زلنا نغترف من بحور علمه وثقافته التي تلقاها حرفا بحرف عن أخيه المصطفى (صلى الله عليه وآله)، إذ قال رسولنا الكريم: (يا عليّ، كذب من زعم أنه يحبني ولا يحبك، أنا المدينة وأنت الباب، ومن أين تؤتى المدينة إلا من بابها) صدقت يا رسول الله.

سيد الحريات

ليست الحرية فقط نَظَرَ لها أمير المؤمنين (عليه السلام) بل لم يترك شيئاً إلا ونظر له ووضع لها -الحرية- أُصولاً وقواعد في العلوم والمعارف المختلفة، لِمَ لا وهو باب العلم وباب المعرفة وباب الحق والعدل والإنسانية وباب الحرية والديمقراطية الحقة لا الديمقراطية المزيفة.. فهو أوَّلُ مَن وقف مع التعددية وأتاح للآخر حرية ممارسة دينه ، إذ تمتع أصحابُ الدياناتِ بحقوقهم في ظل دولته (عليه السلام) ولا يخفى على أحدٍ ما ورد في كتب التاريخ عن موقف الإمام (عليه السلام) مع المسيحي الذي وجده يستعطي ، هذه هي الحرية الحقيقية التي أمر بها ديننا الحنيف، وكان سلوك الإمام علي (عليه السلام) مصداقاً لشريعة النبي المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) فسلام عليك يا أمير المؤمنين

نشرت في الولاية العدد 91

أ.م.د.هاشمية حميد جعفر

النهایة

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.shafaqna.com
بتاريخ:2024-06-02 19:00:59
الكاتب:Shafaqna1
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version