“ان مكانة روسيا تحدد في العالم بمواردها الكبيرة في جميع مجالات الحياة، ومكانتها كعضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، ومشارك في المنظمات والجمعيات الحكومية الدولية البارزة، وإحدى القوتين النوويتين الرئيسيتين وخليفة اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية (الاتحاد السوفياتي). ونظرا لدورها الحاسم في الانتصار في الحرب العالمية الثانية، ودورها الفاعل في تشكيل النظام المعاصر للعلاقات الدولية وإزالة نظام الاستعمار العالمي، فإن روسيا تعد أحد المراكز ذات الحقوق السيادية في التنمية العالمية، ولها مهمة تاريخية فريدة تهدف إلى الحفاظ على توازن القوى العالمية وإنشاء نظام دولي متعدد الأقطاب، وكذلك ضمان الظروف [المناسبة] للتنمية السلمية التقدمية للإنسانية على أساس أجندة موحدة وبناءة.
ربما يمكن اعتبار هذا القسم من وثيقة مفهوم السياسة الخارجية الروسية بمثابة هيكل وإطار رؤية الكرملين للسياسة الخارجية. وكما يظهر فإن العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مهمة جدا بحيث يتم ذكرها بعد روسيا ومواردها. كما تذكر هذه الوثيقة دور الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية وتشكيل النظام الدولي الجديد.
لقد اعتبرت روسيا نفسها دائما أحد الأعضاء المؤسسين للنظام الدولي. وفي النهاية، نرى كيف أن روسيا ملتزمة بإنشاء نظام دولي متعدد الأقطاب يقوم على مبدأ توازن القوى، وهو المبدأ الذي كان تقليديا أحد عوامل تشكيل السياسة الخارجية الروسية لعدة قرون.
لكن ما تعنيه روسيا بالنظام متعدد الأقطاب يمكن رؤيته في الفقرة الثامنة من هذه الوثيقة بطريقة شبه واضحة:
“إن التغييرات التي تحدث الآن، والتي تعتبر مواتية بشكل عام، لا تحظى بالترحيب من عدد من الحكومات التي اعتادت على منطق الهيمنة العالمية والاستعمار الجديد. وترفض هذه الدول الاعتراف بحقائق العالم المتعدد الأقطاب والاتفاق على معايير ومبادئ النظام العالمي. وتجري محاولات لكبح المسار الطبيعي للتاريخ، والقضاء على المنافسين في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وقمع المعارضة. يتم استخدام مجموعة واسعة من الوسائل والأساليب غير القانونية، بما في ذلك تطبيق التدابير القسرية (العقوبات) لتجاوز مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والتحريض على الانقلابات والصراعات العسكرية، والتهديدات، والابتزاز، والتلاعب بالوعي الاجتماعي لبعض المجموعات، والشعوب بأكملها، والأعمال العدوانية والتخريبية في مجال المعلومات. أصبح أحد أشكال التدخل على نطاق واسع في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة هو فرض المواقف الأيديولوجية النيوليبرالية المدمرة التي تتعارض مع القيم الروحية والأخلاقية التقليدية. ونتيجة لذلك يمتد تأثيرها المدمر إلى كافة مجالات العلاقات الدولية.
وبالنظر في هذه الفقرة، يمكننا أن نفهم أن العالم متعدد الأقطاب بالنسبة لروسيا لا يعني بأي حال من الأحوال تعطيل النظام الحالي. في الواقع، لا تنوي روسيا استبدال هذا النظام، وتعتقد فقط أن النظام الحالي أصبح فوضويا إلى حد ما ويجب إصلاحه. بالنسبة لروسيا، النظام المتعدد الأقطاب يعني قيادة المجلس العالمي من أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في إطار هيكل الأمم المتحدة، ولا يعني استبداله بأي شكل من الأشكال. إن روسيا ليست مهتمة بتعطيل النظام العالمي، ولكنها مهتمة أكثر بإرساء التوازن فيه. تفسير موسكو للتوازن ليس التوازن في العالم، بل التوازن داخل مجلس الأمن الدولي، الذي يسمح لعدة قوى عالمية بإدارة وقيادة شؤون العالم!
إن عدم اهتمام روسيا بتعطيل النظام الدولي، الذي تعتبر نفسها أحد مؤسسيه، موضح بوضوح أدناه في الفقرة 23:
استقرار النظام القانوني الدولي
“من أجل زيادة استقرار النظام القانوني الدولي، ومنع تجزئته أو تدهوره، وتجنب الاستخدام العشوائي لقواعد القانون الدولي المعترف بها عموما، يعتزم الاتحاد الروسي إعطاء الأولوية لما يلي… (الفقرة 2): التطوير التدريجي، بما في ذلك مراعاة حقائق العالم متعدد الأقطاب، وصياغة القوانين الدولية، وذلك بشكل أساسي في إطار الجهود المبذولة بدعم من الأمم المتحدة، وضمان أقصى مشاركة ممكنة للحكومات في المعاهدات الدولية للأمم المتحدة وتفسيرها وتطبيقها بشكل عالمي”.
بالنسبة للاتحاد الروسي، فإن العالم المتعدد الأقطاب أمر مرغوب فيه بطبيعة الحال، لأنه لا يمكن أن يصبح القوة العظمى الوحيدة في العالم الأحادي القطب، كما أنه لا يملك القدرة على استعادة مكانته في عالم ثنائي القطب في عصر الحرب الباردة. إن العالم متعدد الأقطاب في روسيا، وفقا لموسكو، يجب أن يعني الحفاظ على توازن القوى في شكله التاريخي، والذي تم حله في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وتجدر الإشارة إلى أنه في تفكير السياسة الخارجية الروسية، يعد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة علامة على عالم متعدد الأقطاب!
والسؤال الذي ينبغي طرحه الآن هو ما هي الدول التي تعتبر أقطاب هذا العالم متعدد الأقطاب وفقا لروسيا أو أي الدول يمكن أن تكون قطبا. هل يمكن لإيران، في نظر روسيا، أن تكون أحد أقطاب العالم متعدد الأقطاب؟ على سبيل المثال، عارضت روسيا دخول دول مثل ألمانيا واليابان إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في حين أنها لا تعارض دخول دول مثل البرازيل والهند إلى هذا المجلس. ومن المؤكد أن إضافة أعضاء جدد إلى مجلس الأمم المتحدة لن يزيد عن ثلاث أو أربع دول، مع الأخذ في الاعتبار تعزيز الدول غير الأعضاء الحالية، وإلا فإن هيكل هذا المجلس سينهار فعليا ويصبح اتخاذ القرار متساويا. أكثر صعوبة بالإضافة إلى ذلك، إذا زاد عدد الأعضاء الجدد، فإن مكانة روسيا باعتبارها إحدى “القوى العالمية” سوف تتعرض للخطر، لأنه لا توجد دولة قوية مهتمة بخسارة احتكار مكانتها.
وما ينبغي الإشارة إليه هنا بشكل خاص هو أن العالم متعدد الأقطاب، حسب رأي روسيا، لا يعني دخول قوى شرقية وغربية جديدة، بل يعني خلق توازن بين الأعضاء الحاليين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى جانب قبول عدد قليل من الأعضاء الجدد. ولهذا السبب لا ينبغي أن نفهم أن روسيا تبحث عن ثورة أو نهج جديد وتغيير جوهري في النظام العالمي.
وحتى لو قبلت روسيا حقيقة أن دولا مثل ألمانيا واليابان تتمتع بنفوذ عالمي، فإنها ستظل تقاوم قبول هذه الدول كقوى من الدرجة الأولى (أحد الأسباب التي تجعل روسيا تعارض على وجه التحديد زيادة عدد الدول التي لديها إمكانية الوصول إلى الأسلحة النووية)، وهو ما قد يشير ضمنا إلى حقيقة مفادها أن روسيا ربما تنظر إلى العالم في المستقبل بنوع من تصنيف القوى الذي لا يعترف به إلا أعضاء مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كقوى من الدرجة الأولى.
المصدر: موقع ديبلماسي إيراني
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-14 04:44:19
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي