الاقتصاد السياسي في تركيا وتفاؤل السوق بنهاية حقبة أردوغان

 

شفقنا-بما أن السياسات الاقتصادية تعتبر أساس السياسات العامة، فيمكن اعتبار الاقتصاد السياسي أحد مكونات الحوكمة في العصر الحالي، مما يدل على التبعية والعلاقة المتبادلة بين السياسة والاقتصاد، وخاصة سياسة بقاء الحكم.

إن الاقتصاد السياسي يعبر عن العلاقات الاجتماعية والسياسية التي تقوم على محور القوة وينظم السياسة العامة في إطار الرفاهية العامة لتعزيز الحكومة واستمرار الحكم. وفي هذه الحالة، فإن كل قرار وسياسة للحكومة لها مكونات سياسية ونوايا وأهداف سياسية، يتم تفسيرها في إطار دعم الحكومة.

يستخدم الاقتصاد السياسي لتفسير الموقف الذي تقوم فيه الحكومة أو الحاكم بتسييس الاقتصاد لضمان بقائه، أي تغطية السياسات الداخلية بأدوات وتكتيكات اقتصادية مثل الحوافز المالية والنقدية، ودفع الإعانات، وتخفيضات التعريفات الضريبية والتجارية، والتدخل في الشؤون المصرفية وتخفيض أو تثبيت الفائدة المصرفية، وزيادة دفعات التسهيلات وغيرها، وكذلك تحفيز وجذب الرأي العام لاكتساب الشرعية والمقبولية في الانتخابات أو الاستفتاءات.

يتم تعريف التدخل الحكومي الشامل في الاقتصاد، والذي يصاحبه عملية سياسة اقتصادية حكومية، على أنه الدولة الرفاهية، التي تزيد أو تحسن رفاهية وراحة المواطنين، ولكن جوهر نهج السياسة هذا هو جذب الاهتمام وأصوات المواطنين، مما يعطي معنى للاقتصاد السياسي. على الرغم من أن الاقتصاد السياسي يعتبر علما، إلا أنه في الواقع نهج لإدارة الحكومة والسياسة العامة التي تعمل معظم الحكومات الحالية في هذا الإطار.

تعد حكومة حزب العدالة والتنمية التركية مثالا بارزا على إبراز وإعلاء شأن الاقتصاد، حيث وضعت التدخل في الاقتصاد بهدف ونية ضمان واستقرار بقاء حكمها في المجال السياسي والاجتماعي في تركيا في أجندة الحكم الخاصة بها منذ أكثر من عقدين من الزمن. لقد نشأ هذا الحزب بقيادة رجب طيب أردوغان منذ البداية على أساس تغيير وتحسين اقتصاد تركيا والنمو الاقتصادي وتنمية البلاد إلى جانب زيادة رفاهية المواطنين في البيئة السياسية لهذا البلد. وقد حقق هذا الحزب فوزا نادرا لأول مرة في انتخابات عام 2002، وما زالت سلسلة انتصاراته مستمرة حتى الآن.

صعود أردوغان

كان صعود أردوغان في المجال السياسي في تركيا نتيجة الاستياء الشديد والواسع النطاق لمواطني هذا البلد من الوضع الاقتصادي، والتضخم الجامح، وانخفاض قيمة العملة الوطنية التركية مقابل العملات الأجنبية، والبطالة الشديدة، وما إلى ذلك. وقد رحب به المواطنون وأصبح تغيير الحكم لإصلاح وتحسين الاقتصاد هو الهدف المثالي والمطلق لمواطني تركيا في انتخابات عام 2002.

إن الطموح الاقتصادي المطلق وهدف المواطنين الأتراك في انتخاب صناع السياسات الجدد وتحسين رفاهيتهم ومعيشتهم هو اتجاه تم إتباعه في العقدين الأخيرين، والآن تجلى في الانتخابات المحلية والبلدية في تركيا في 31 أبريل 2024 أيضا. ويمكن تحليل الاقتصاد السياسي في تركيا وعلاقته بالانتخابات في هذا البلد، وخاصة صعود وسقوط أردوغان، على النحو التالي:

  1.  ظهور أردوغان مع وعد بتحسين الأوضاع والانضمام إلى أوروبا: انتهت انتخابات تركيا في نوفمبر 2002 بدعم مفاجئ من حزب العدالة والتنمية، في حين انجذب مواطنو هذا البلد إلى وعود أردوغان بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتحسين الأوضاع والظروف الاقتصادية، وأردوغان كان دائما يصر على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. حكومة العدالة والتنمية الحديثة العهد في تركيا، من خلال تغيير نهج سياستها العامة، وخاصة سياستها الخارجية، بسياسات مثل سياسة القضاء على التوتر مع جيرانها، وضعت الإصلاح الاقتصادي والتجاري لتركيا على جدول الأعمال وازدهرت وتعززت القطاعات الاقتصادية المهمة في هذا البلد، وخاصة السياحة.

في حين أكد العديد من مواطني تركيا والدول الإقليمية وصانعي السياسات والمحللين الإقليميين على الهوية والأيديولوجية الدينية لحكومة أردوغان، فقد تم تصميم النهج العملي لحكومة أردوغان وتنفيذه بطريقة تعكس الهوية الاقتصادية؛ وان الاقتصاد والتجارة أصبحا أساس السياسة العامة وحكم حكومته. ويحدد هاكان هافوز هذا المسار السياسي للحكومة التركية، والذي يرتكز على الأساس الفكري للمواطنين والهوية الاقتصادية للشعب والحكومة التركية، على النحو التالي: “إن ما يحدد اتجاه المجتمع التركي ليس السياسة، بل الاقتصاد.”

إن عملية السياسة العامة الموجهة نحو الاقتصاد والتفاعل المتزايد مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي للحصول على العضوية في هذا الاتحاد تمكنت من جلب اقتصاد تركيا المنهار إلى بر السلام والاستقرار ومن ثم خلق موجة من الرخاء والنمو الاقتصادي في هذا البلد لجعل تركيا واحدة من القوى الاقتصادية في العالم. وقد أثرت هذه الموجة من الازدهار والنمو الاقتصادي على المجال السياسي والاجتماعي في تركيا، وظل حزب العدالة والتنمية في السلطة لأكثر من 20 عاما.

  1. نهاية أردوغان على أمل العودة إلى الرفاهية: مع مرور الوقت ونتيجة لسياسة أردوغان التدخلية في التطورات الإقليمية والعالمية، زادت الضغوط السياسية على اقتصاد البلاد وأضعفت الاقتصاد التركي ووضعت ضغوط إضافية على المواطنين.

وكان أحمد داود أوغلو، المعروف بأنه سياسي كبير ومنظر استراتيجي لتركيا في المنطقة، من بين رجال الدولة في حزب العدالة والتنمية، الذين أكدوا على تأثير الاقتصاد على السياسة العامة والسياسة الخارجية. وكان هذا السياسي، إلى جانب أردوغان، أحد الداعمين الرئيسيين للسياسة الخارجية العدوانية في دول أخرى في المنطقة مثل: العراق وسوريا وليبيا وغيرها، مما تسبب في الأزمة الاقتصادية وزيادة التضخم وانخفاض حاد في قيمة الليرة التركية.

ظهور الأزمة الاقتصادية

أدى ظهور الأزمة الاقتصادية إلى جانب الضغط المتزايد للتضخم وانخفاض قيمة العملة الوطنية التركية وحدث مثل الزلازل الكبرى عام 2023، إلى استفزاز المجال السياسي والاجتماعي في هذا البلد ضد حزب العدالة والتنمية وحزب العدالة والتنمية وحكومة أردوغان. الوضع الذي يشعر فيه المواطنون الأتراك بعدم الرضا عن اقتصاد البلاد ونوايا وأهداف أردوغان السياسية، مثل خفض أو استقرار أسعار الفائدة عند ذروة التضخم، وقد ظهرت نتيجة هذا عدم الرضا في الانتخابات الرئاسية عام 2023، عندما وتم تمديد الانتخابات إلى المرحلة الثانية، وتمكن أردوغان بفارق 5% من الأصوات من هزيمة كمال كيليتشدار أوغلو وجعل بقاء حكمه أمرا صعبا.

تُفسر الانتخابات الرئاسية التركية على أنها تكشف عن أزمة الشرعية ومقبولية أردوغان، والتي أدت أخيرا مع ارتفاع معدل التضخم في تركيا خلال الأشهر الأخيرة، إلى هزيمة واضحة لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية والبلدية في تركيا. مما يضعف المكانة المحلية والدولية لحكومة أردوغان لدرجة أنه يمكن تحليل هذه الحكومة على أنها حكومة هشة. 

كشفت هشاشة حكومة أردوغان، إلى جانب فشل السياسة الخارجية التدخلية في صراعات مثل الصراع الأوكراني وحرب غزة، والتي أفشلت الاقتصاد السياسي الدولي لتركيا، عن غروب شمس حكم أردوغان في المجال السياسي والاجتماعي في تركيا، ونهاية الحكم، مما تسبب في زيادة الأمل في الحكومة والحكم والسياسة الجديدة بين المواطنين الأتراك.

إن الأمل في إصلاح حكم البلاد، والذي سيؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي وزيادة النمو والازدهار الاقتصادي مع تغيير الحكومة والسياسي الكبير، أظهر تأثيرا خاصا مع الانتخابات البلدية الأخيرة. بادرة أمل بتحسن الأوضاع، وهو ما تجلى بارتفاع قيمة الليرة التركية مقابل العملات الأجنبية لمدة أسبوع.

إن نهاية حكومة أردوغان ونهاية سياسات الاقتصاد السياسي في المجال السياسي التركي مرادف للأمل في تحسين الأوضاع والعودة إلى الرخاء والراحة السابقين في ظل تشكيل الحكومة الجديدة.

نوايا وأهداف سياسية

أخيرا إن عملية السياسة العامة التي هي في يد الحكومة والحاكم بحيث تعتبر كل ظاهرة اقتصادية لها نوايا وأهداف سياسية واجتماعية، أو وراء الكواليس السياسية.

في السنوات العشرين الماضية، وتحت قيادة رجب طيب أردوغان، أظهرت الحكومة التركية مظهرا خاصا للاقتصاد السياسي حيث يجب على كل قرار اقتصادي أن يضمن ويحقق تعزيز وبقاء حكومة حزب العدالة والتنمية وقيادة أردوغان نفسه. إن الاقتصاد السياسي البحت لتركيا، والذي كان سببا في صعود أردوغان عام 2002، تسبب أيضا في تراجع حكم أردوغان في المجال السياسي في هذا البلد.

إن تفاؤل المواطنين واقتصاد تركيا نتيجة الانتخابات المحلية والبلدية في تركيا وهزيمة حزب العدالة والتنمية الحاكم، يظهر الاقتصاد السياسي مع انخراط الحكومة بشكل واسع في الاقتصاد، مما أدى إلى خلق الأمل في تحسين الظروف الاقتصادية في البيئة السياسية والاجتماعية في تركيا.

إن الاقتصاد السياسي والسوق والمواطنين في تركيا، وهي عوامل أدت إلى صعود أردوغان وانتصاره عام 2002، خلقت الآن وعززت الأمل في عودة الرفاهية مع الإطاحة بأردوغان وإنهاء حكمه في تركيا لدى الرأي العام في هذا البلد، هو الوضع الذي يعتمد أكثر على السوق والرغبة الاقتصادية للمواطنين.

المصدر: موقع ديبلماسي إيراني

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.shafaqna.com
بتاريخ:2024-05-04 07:03:21
الكاتب:Shafaqna1
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version