الاقتصاد تحت الحرب: تذبذبات محدودة في أسواق المال والنقد

رغم كل التصعيد العسكري الراهن، لم تشهد أسواق المال والنقد في لبنان سوى اضطرابات محدودة جدًا، قياسًا بدرجة المخاطر الأمنيّة المحيطة بالبلاد. بل وباستثناء بعض التذبذبات البسيطة في أسعار سندات اليوروبوند، والانخفاض المؤقّت والهامشي جدًا في سعر صرف الليرة، لا يوجد ما يوحي أننا سنكون أمام أي انفلات مالي أو نقدي.

حتّى هذه اللحظة، جميع المؤشّرات تؤدّي إلى خلاصة واحدة: ستبقى المؤشّرات النقديّة والماليّة الأساسيّة تحت السيطرة على المدى المنظور، من دون أي تأثّر جسيم بما يجري في الميدان العسكري. وقد يكون ذلك مرتبطًا بطبيعة التوازنات التي جرى تثبيتها منذ أشهر، على مستوى إدارة الاحتياطات وتدخّلات مصرف لبنان في سوق الصرف الموازية.

أبرز المؤشّرات النقديّة والماليّة
التغيّر الفعلي الوحيد الذي لمسه المتابعون خلال الأسبوع الماضي، ارتبط بأسعار سندات اليوروبوند، التي شهدت هبوطًا سريعًا إلى مستويات قاربت 5.875 سنت للدولار، أي إلى 5.875% من قيمة السند الإسميّة عند الإصدار، قبل أن تعاود الإرتفاع إلى 6.5 سنت للدولار بحلول نهاية الأسبوع. مع الإشارة إلى أنّ أسعار هذه السندات كانت قد انخفضت أساسًا إلى مستويات ناهزت 6.4 سنت للدولار في ختام الأسبوع الماضي، ما يعني أنّ أسعارها الراهنة مازالت أعلى من مستوى الإقفال قبل أسبوع. بهذا المعنى، لم تشهد هذه السندات سوى تذبذب مؤقّت، قبل أن تعود إلى مستوياتها السابقة.

يمكن القول هنا أنّ هذا التذبذب عكس طبعًا خشية شرائح من المستثمرين من مآلات الحرب الراهنة، وهو ما تسبّب بعمليّات بيع فرضت الانخفاض في أسعار السندات في منتصف الأسبوع. غير أنّ هذا الانخفاض لن يؤثّر طبعًا على توازنات البلاد الماليّة الداخليّة، طالما أنّ الدولة ممتنعة أساسًا عن تسديد السندات المتداولة، بانتظار إعادة الهيكلة، وهو ما يعني أنّ وزارة الماليّة لم تكن قادرة أساسًا على إصدار أي سندات جديدة مقومة بالعملات الأجنبيّة لبيعها. وتجدر الإشارة إلى أنّ أسعار السندات المتداولة كان يمكن أن تؤثّر لو أنّ لبنان منخرط فعليًا في أسواق المال، عبر بيع سندات جديدة، إذ أن انخفاض أسعار السندات كان سيفرض –في هذه الحالة- عرض فوائد أعلى للتمكن من بيع الإصدارات الجديدة من السندات.

على المستوى النقدي، شهدت السوق الموازية تذبذبًا بسيطًا في سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار، وبهامش لم يتجاوز 300 ليرة فقط، مقارنة بسعر الصرف السابق والثابت المحدد عند 89,500 ليرة للدولار. وبعد هذا التذبذب اليومي المحدود، عادت محال الصيرفة في كل يوم –خلال هذا الأسبوع- لبيع الدولار وفق الأسعار التقليديّة السابقة، ما يشير إلى أنّ سعر الصرف لم يخرج فعليًا عند حدود سيطرة مصرف لبنان. ولهذا السبب، يمكن اعتبار هذه التذبذبات مجرّد ضغط مؤقّت تنتهي مفاعيله بمجرّد تدخّل مصرف لبنان يوميًا، لإعادة ضبط سعر الصرف وتأمين حاجة السوق من العملة الصعبة.

وفقًا لمعظم الصيارفة، نتجت التذبذبات اليوميّة والمحدودة عن حالة القلق التي ساورت بعض المتداولين، في بدايات التصعيد العسكري، بالإضافة إلى الطلب الكثيف الذي نتج عن موجة التهجير الأولى بعد توسعة نطاق القصف في الضاحية والجنوب. ومع ذلك، كان من الواضح أن تأثير هذه الموجة على سعر الصرف لم يتجاوز الساعات القليلة في منتصف كل يوم، قبل إعادة ضبط التوازنات في السوق من قبل المصرف المركزي. وعلى هذا الأساس، يمكن القول -مجددًا- أن المؤشّرات الموجودة لا تشي بأي خطر جديًا على سعر الصرف على مدى الأيّام المقبلة.

على أي حال، من المهم الإشارة إلى أنّ حجم الكتلة النقديّة المتداولة بالليرة حاليًا –خارج مصرف لبنان- لم يعد يتجاوز حدود 641 مليون دولار، وفقًا لسعر الصرف الرائج، وهو ما يُعد قيمة محدودة جدًا قياسًا بحجم الاحتياطات المتوفّرة لدى مصرف لبنان، والتي تتجاوز حاليًا 10.79 مليار دولار أميركي. بل ويمكن التذكير أيضًا أن قيمة هذه الاحتياطات زادت منذ أواخر شهر تمّوز 2023 بأكثر من 2.01 مليار دولار، أي ما يوزاي 3.1 أضعاف قيمة النقد المتداول بالليرة، وهو ما يخلق هامشًا واسعًا لمصرف لبنان للتدخّل في سوق القطع، والتفاعل مع أي طلب مُسجد على الدولار الأميركي.

أثر ضخ الدولارات
عند الحديث عن الموازين النقديّة في سوق القطع، لا يمكن القفز فوق القرار الأخير الذي صدر عن مصرف لبنان، والذي سيسمح –خلال شهر تشرين الأوّل- بمضاعفة السحوبات النقديّة للمستفيدين من التعميمين 158 و166، بواقع ثلاث مرّات لكل مستفيد، ولمرّة واحدة فقط. وفقًا لبعض المصادر المصرفيّة، يمكن لهذا القرار أن يسمح بضخ كتلة توازي قيمتها 140 مليون دولار في السوق، وفقًا لعدد المستفيدين من التعميمين، وهو ما يمكن أن يلعب دورًا إيجابيًا ومعاكسًا للدور الذي لعبه ارتفاع الطلب على الدولار خلال الأسبوع الراهن (عبر زيادة المعروض النقدي من العملة الصعبة). ولهذا السبب، من المرتقب أن تشهد سوق القطع تحولًا إيجابيًا ابتداءً من يوم الثلاثاء المقبل، أي من بداية الشهر المقبل.

مصادر مصرف لبنان أكّدت أنّ قيمة الدفعتين الإضافيّتين سيتم تغطيتها من احتياطات مصرف لبنان، بخلاف المعادلة المعمول بها حاليًا لتسديد الدفعات الشهريّة، والتي يتم تقاسم كلفتها مناصفة بين المصارف ومصرف لبنان. وبهذا المعنى، من المرتقب أيضًا أن تتباطأ وتيرة الزيادات الشهريّة في احتياطات مصرف لبنان، وبل وقد تشهد تناقصًا محدودًا، بعكس الاتجاه الذي شهدته خلال الأشهر الماضية. ومع ذلك، سيبقى هذا الانخفاض محدودًا مقارنة بحجم الزيادة التي حققها مصرف لبنان في احتياطاته منذ تمّوز 2023، والتي بلغت –كما أشرنا أعلاه- نحو 2.01 مليار دولار.

لكل هذه الأسباب، يبدو واضحًا أن الاقتصاد اللبناني يشهد تحديات خطيرة على مستوى إدارة سلاسل توريد المحليّة وتأمين حاجات النازحين الملحة والمستجدة، لكنّه لن يكون امام تحديات مماثلة أو موازية على المستوى المالي والنقدي. بل يمكن الإشارة إلى أنّ الدولة لم تتمكن بعد من الاستفادة من هذا الواقع بالتحديد، وخصوصًا توفّر فائض مهم في حساباتها لدى مصرف لبنان، للتفاعل مع حاجات النزوح المستجدة.

The post الاقتصاد تحت الحرب: تذبذبات محدودة في أسواق المال والنقد appeared first on Lebanon Economy.

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :lebanoneconomy.net بتاريخ:2024-09-30 07:03:21
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version