هذا هو الجزء الثاني من سلسلة مكونة من ستة أجزاء تتناول كيف يغير الذكاء الاصطناعي البحث والعلاجات الطبية.
كان تيري كوين في سن المراهقة فقط عندما تم تشخيصه بمرض السكري، وفي بعض النواحي، تمرد على التصنيف والاختبارات المتكررة، لعدم رغبته في الشعور بالاختلاف.
وكان أكبر مخاوفه هو الحاجة إلى بتر قدمه يوماً ما، في حين لم يكن فقدان البصر، وهو أحد المضاعفات المحتملة الأخرى لمرض السكري، ضمن مخاوفه فعلاً.
ويقول كوين، الذي يعيش في ويست يوركشاير: “لم أكن أتخيل أبداً أنني سأفقد بصري”.
لكن في يوم من الأيام لاحظ نزيفاً في عينه، وأخبره الأطباء أنه مصاب باعتلال الشبكية السكري، أي تلف الأوعية الدموية في شبكية العين بسبب مرض السكري، وهذا يتطلب علاجات بالليزر ثم الحقن.
وفي النهاية لم تكن العلاجات كافية لمنع تدهور بصره. فكان يؤلم كتفه عند الاصطدام بأعمدة الإنارة، ولم يتمكن من رؤية وجه ابنه، كما اضطر إلى التوقف عن القيادة.
“شعرت بالشفقة”، وفقا لكوين، ويضيف “شعرت وكأنني ظل رجل لا يستطيع فعل أي شيء”.
وكان أحد الأشياء التي ساعدته على الخروج من يأسه هو دعم جمعية كلاب الإرشاد للمكفوفين، التي ربطته بكلب لابرادور أسود يدعى سبنسر.
ويقول كوين، الذي يعمل الآن في جمع التبرعات لجمعية كلاب الإرشاد: ”لقد أنقذ حياتي”.
وفي المملكة المتحدة، تدعو هيئة الخدمات الصحية الوطنية المرضى إلى إجراء فحص العين السكري كل عام أو عامين.
أما في الولايات المتحدة، فتنص المبادئ التوجيهية الأمريكية على أن كل شخص بالغ مصاب بداء السكري من النوع الثاني، يجب أن يخضع للفحص عند تشخيص مرض السكري، ويصبح فحصه سنوياً إذا لم تظهر لديه مشاكل.
ومع ذلك، وبالنسبة للعديد من الناس، لا يحدث هذا في الممارسة العملية.
وتقول روماسا تشانا، أخصائية شبكية العين في جامعة ويسكونسن ماديسون في الولايات المتحدة، “هناك أدلة واضحة جداً على أن الفحص يمنع فقدان البصر”.
وتشمل العوائق؛ التكلفة والتواصل والراحة، وتعتقد الدكتورة تشانا أن تسهيل الوصول إلى الاختبارات من شأنه أن يساعد المرضى.
ولفحص اعتلال الشبكية السكري، يلتقط المتخصصون الصحيون صوراً للجدار الداخلي الخلفي للعين، المعروف باسم قاع العين.
وتضيف الدكتورة تشانا إن تفسير صور قاع العين يدوياً في الوقت الحالي “يتطلب الكثير من العمل المتكرر”، لكن يعتقد البعض أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يسرع العملية ويجعلها أرخص.
ويتطور اعتلال الشبكية السكري في مراحل واضحة إلى حد ما، مما يعني أنه يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي على اكتشافه.
وفي بعض الحالات، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يقرر ما إذا كانت هناك حاجة إلى إحالة المريض إلى أخصائي عيون، أو يعمل بالتوازي مع فاحصي الصور البشريين.
وقد طورت شركة “Retmarker” للتكنولوجيا الصحية، ومقرها البرتغال، أحد هذه الأنظمة، حيث يحدد نظامها صور قاع العين التي قد تكون فيها المشكلة ويرسلها إلى خبير بشري لمزيد من التحقيق.
ويقول جواو ديوجو راموس، الرئيس التنفيذي للشركة: “نستخدم النظام عادةً كأداة دعم لتقديم المعلومات للإنسان لاتخاذ القرار”.
ويعتقد راموس أن الخوف من التغيير يحد من استخدام أدوات التشخيص المدعومة بالذكاء الاصطناعي مثل هذه.
وأشارت دراسات مستقلة إلى أن الأنظمة مثل “Retmarker Screening” و”Eyenuk’s EyeArt”، تتمتع بمعدلات مقبولة من “الحساسية والخصوصية”.
والحساسية هي مدى جودة الاختبار في اكتشاف المرض، في حين أن الخصوصية هي مدى جودته في اكتشاف غياب المرض.
وبشكل عام، قد ترتبط الحساسية العالية جداً بزيادة في التشخيص الكاذب، فحالات الإصابة الكاذبة تخلق كلاً من القلق والتكاليف، حيث تؤدي إلى زيارات غير ضرورية للأخصائيين. وبشكل عام، يمكن أن تؤدي الصور ذات الجودة المنخفضة إلى تشخيص كاذب في أنظمة الذكاء الاصطناعي.
وكان باحثو الصحة في شركة جوجل، يدرسون نقاط الضعف في نظام الذكاء الاصطناعي الذي طوروه للكشف عن اعتلال الشبكية السكري، فقد كان أداؤه مختلفاً تماماً عند تجربته في تايلاند، مقارنة بالسيناريوهات الافتراضية.
وإحدى المشكلات هي أن الخوارزمية تتطلب صوراً نقية لقاع العين، وكان هذا بعيداً كل البعد عن حقائق العدسات المتسخة أحياناً، والإضاءة غير المتوقعة، ومشغلي الكاميرات بمستويات مختلفة من التدريب.
ويقول الباحثون إنهم تعلموا دروساً حول أهمية العمل ببيانات أفضل واستشارة مجموعة واسعة من الأشخاص.
وتثق شركة جوجل بما يكفي في نموذجها لدرجة أنه في أكتوبر/ تشرين الأول، أعلنت الشركة أنها ترخصه لشركاء في تايلاند والهند.
كما قالت إنها تعمل مع وزارة الصحة العامة التايلاندية لتقييم فعالية الأداة من حيث التكلفة.
والتكلفة تعد جانباً مهماً للغاية في التكنولوجيا الجديدة.
ويقول راموس إن خدمة “Retmarker” قد تكلف حوالي 5 يورو لكل فحص، على الرغم من الاختلافات وفقاً للحجم والموقع. ففي الولايات المتحدة، يتم تسعير الفواتير الطبية بنسبة أعلى بكثير.
وفي سنغافورة، قارن دانييل إس دبليو تينج وزملاؤه تكاليف ثلاثة نماذج لفحص اعتلال الشبكية السكري.
وكان سعر التشخيص البشري عالياً، ومع ذلك، لم تكن الأتمتة الكاملة هي الأرخص، لأنها كانت تحتوي على المزيد من التشخيص الخاطئ.
وكان النموذج الهجين هو الأكثر تكلفة، حيث تم إجراء التصفية الأولية للنتائج بواسطة الذكاء الاصطناعي، قبل أن يتولى البشر الأمر.
وتم دمج هذا النموذج الآن في منصة تكنولوجيا المعلومات الوطنية التابعة لخدمة الصحة في سنغافورة وسيتم تشغيله في عام 2025.
ومع ذلك، يعتقد البروفيسور تينج أن سنغافورة تمكنت من تحقيق وفورات في التكاليف لأنها تمتلك بالفعل بنية تحتية قوية لفحص اعتلال الشبكية السكري.
ويقول بلال متين، كبير مسؤولي الذكاء الاصطناعي في منظمة “PATH” غير الحكومية الصحية، إن بيانات فعالية التكلفة حول أدوات الذكاء الاصطناعي للحفاظ على البصر كانت قوية إلى حد ما في البلدان الغنية مثل المملكة المتحدة، أو في عدد قليل من البلدان ذات الدخل المتوسط مثل الصين، لكن هذا ليس هو الحال بالنسبة لبقية العالم.
ويحث الدكتور متين: “مع التقدم السريع فيما يمكن للذكاء الاصطناعي تحقيقه، يجب أن نطرح أقل تساؤلات حول ما إذا كان ذلك ممكناً، وأكثر حول ما إذا كنا نبني من أجل الجميع أم فقط من أجل القلة المميزة، نحن بحاجة إلى أكثر من مجرد بيانات فعالية من أجل اتخاذ قرارات فعالة”.
وتشير الدكتورة تشانا إلى فجوة المساواة الصحية حتى داخل الولايات المتحدة، والتي تأمل أن تساعد هذه التقنية في سدها، وتقول “نحن بحاجة إلى توسيعها إلى الأماكن التي لديها وصول أكثر محدودية إلى رعاية العيون”.
كما تؤكد على أن كبار السن والأشخاص الذين يعانون من مشاكل في الرؤية يجب أن يروا أطباء العيون، وأن راحة الذكاء الاصطناعي للكشف الروتيني عن أمراض العيون السكرية لا ينبغي أن تردع الانتباه إلى جميع أمراض العيون الأخرى. وقد ثبت أن حالات العين الأخرى، مثل قصر النظر والجلوكوما، أكثر صعوبة بالنسبة لخوارزميات الذكاء الاصطناعي للكشف عنها.
ولكن حتى مع هذه التحذيرات، تقول الدكتورة تشانا إن “التكنولوجيا مثيرة للغاية”، مضيفة “أود أن أرى جميع مرضانا المصابين بالسكري يتم فحصهم في الوقت المناسب. وأعتقد أنه بالنظر إلى العبء الذي يشكله مرض السكري، فإن هذا حل رائع حقاً”.
وفي يوركشاير، يأمل السيد كوين بالتأكيد أن تنطلق التكنولوجيا الجديدة، ويقول “إذا كان الذكاء الاصطناعي موجوداً للكشف المبكر عن اعتلال الشبكية السكري، لكنت أمسكت به بكلتا يدي”.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.bbc.com
بتاريخ:2024-12-28 11:40:00
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>