على بُعد أسبوع من إعلان موظفي شركتيّ الخليوي تاتش وألفا “التوقّف التام عن العمل حتى تصحيح رواتب الموظفين واستيفائها كاملة بالدولار الفريش، إلى جانب توقيع عقد العمل الجماعي”، تواصل خدمات الاتصالات والانترنت التراجع وتتّجه “نحو الأسوأ كلّما واصَلَ وزير الاتصالات إصراره على عدم التوقيع”، وفق ما تقوله لـ”المدن”، مصادر من بين الموظّفين.
ولم يشفع تردّي الخدمات في تسريع إيجاد الحلّ قبل أن يصبح المواطنون بين نارّي حقوق الموظّفين وقرارات الوزير جوني القرم. بل على العكس، تبدو الأمور متّجهة نحو المزيد من التأزُّم بعد قول وزير الاتصالات جوني القرم “لن أوقِّعَ عقد العمل الجماعي”، وذلك في حديث لـ”المدن”.
النقابة لم تتبلَّغ أي قرار
تهدف الإضرابات والاعتصامات النقابية إلى تشكيل حالة ضغط على أصحاب القرار، سيّما وزارات الدولة. لكن في الحالة اللبنانية تختلف المسألة، إذ يتداخل القانون مع المحسوبيات وآلية توزيع الحصص. ويُعتَبَر قطاع الاتصالات، قطاعاً “شائكاً” في التركيبة اللبنانية، إذ يُدِرُّ مئات ملايين الدولارات لخزينة الدولة ويقدِّم امتيازات لموظّفين محظيين بفعل الغطاء السياسي. مع انهيار سعر صرف الليرة ودخول كافة القطاعات في دوّامة تصحيح الأجور وتحصيل أكبر قدر من المكتسبات، تحصيناً للأحوال المعيشية وتحسّباً لأيّ طارىء، أصبح موظفو قطاع الاتصالات مقارنة بغيرهم بحكم المحصنين أمام التغيرات الاقتصادية والاجتماعية.
لكن هذا التحصين لم يكتمل مع موظّفي قطاع الخليوي، الذين يحاولون الحفاظ على مكتسباتهم التي يضمنها عقد العمل الجماعي منذ العام 2013. وعلى عكس ما يشتهونه، لم يوقِّع وزير الاتصالات ذلك العقد، محافظاَ بالتالي على تقليص الخدمات التي يريد الموظّفون استعادتها، ومنها القبض بالدولار النقدي والتمتّع بتغطية صحية كاملة في الدرجة الأولى، بالإضافة إلى العلاوات والزيادات السنوية وغير ذلك.
وفي معرض إضراب الموظّفين في سعيٍّ لدفع الوزير لتوقيع العقد، قال الوزير “لن أوقِّع عقد العمل الجماعي”. وأحال الوزير القرار إلى مجلس الوزراء مؤكّداً أنه “مجبر بالذهاب إلى مجلس الوزراء”. وأضاف القرم “الموضوع لم يعد بيدي، بل في مجلس الوزراء”.
لهجة الوزير تؤكّد بأن الملف محسوم بالنسبة إليه. فلا مجال للتفاوض مع الموظّفين إلاّ عبر مجلس الوزراء، رغم أن وزراء الاتصالات السابقين، وقّعوا عقد العمل من دون العودة إلى مجلس الوزراء. ومع ذلك، يبرِّر الوزير إحالة القرار لمجلس الوزراء بأنه “كوزير تصريف أعمال، فإن توقيع العقد يعني ترتيب أعباء بعشرات ملايين الدولارات على وزير الاتصالات اللاحق”. وبذلك، يفضِّل القرم عدم حمل مسؤولية التوقيع، كي لا يُقال بأنه أعطى أموالاً لموظّفي قطاع معيَّن في حين أن أغلبية الموظفين في مختلف القطاعات، ولا سيّما في القطاع العام، يعانون من تداعيات تدنّي الرواتب.
الأمر محسوم بالنسبة للوزير، ويؤكّد أنه “أبلغت الموظّفين بالقرار، وعليهم وقف الإضراب لأنه لا يطعم خبزاً”. هذا الخبز، يراه الموظّفون ضرورياً، وللوصول إلى نهاية سعيدة، ينتظر الموظّفون قراراً منصفاً من الوزير، يبدأ بلقاء مع الموظّفين يمثِّل بادرة إيجابية باتجاه الحل. وعلى النقيض من ذلك، تؤكّد المصادر أن “الوزير لم يبلِّغ نقابة الموظّفين بأي قرار رسمي”. أما الذهاب إلى مجلس الوزراء لحلّ هذا الموضوع، “هو تنصّل من المسؤولية”. وأمام خيار حصر قرار توقيع العقد بيد مجلس الوزراء، تشير المصادر إلى أن “الإضراب مستمر.. ونحن ذاهبون نحو الأسوأ”.
المكتساب حقّ لا رجوع عنه
يجادل كُثر بأن ما يطالب به موظّفو قطاع الخليوي، غير محق، إذ أن ما يتضمّنه عقد العمل، يُعَد رفاهية كبيرة مقارنة بما يؤَمَّن لأغلب موظّفي القطاع الخاص، ولا يُقارَن بما يُقَدَّم لموظّفي القطاع العام. ووسط هذا الجدل، يُتَرجَم إصرار وزير الاتصالات عدم توقيع العقد منفرداً، بل تحميل تبعاته لمجلس الوزراء، أي للسلطة السياسية مجتمعة. فالوزير يُدرِك أن صرف مرتّبات بالدولار النقدي وتقديمات صحية تفوق ما يُعطى لأغلب المواطنين، ينطوي على اتهام مبطَّن بأن الوزير “يُحابي” موظّفين على حساب زملائهم في القطاعين العام والخاص. ويستند الوزير في رفض التوقيع، إلى أن ما يتقاضاه موظّفو الخليوي، يكفيهم لمواجهة أعباء الأزمة الاقتصادية، وإن كان أقل مما كان يُقَدَّم للموظّفين قبل الأزمة.
في المقابل، تختلف المعادلة من وجهة نظر الموظّفين الذين يرون أن ما ينصّ عليه عقد العمل الجماعي، هو شرعة لا يجوز المسّ بها. والدولة حين وافقت على العقد من خلال توقيع الوزراء المتعاقبين لعقد العمل، إنما تُقِرُّ بأن القطاع الذي يقدّم للدولة ثروة لا يستهان بها ويؤمِّن للسياسيين قنواتٍ لتعزيز التوظيف السياسي وكسب الولاءات، لا بد أن يستفيد من الخدمات المميّزة والرواتب المرتفعة. أما المقارنة بموظّفي القطاعات الأخرى، وتحديداً القطاع العام، ففيه نوع من الظلم، لأن “على الدولة تحمّل المسؤولية التي ارتأت ترتيبها منذ سنوات. وما كانت تعطيه الدولة للموظّفين، كان محسوباً على قدر ما يعطيه القطاع للدولة”.
مع وضوح هذه التعقيدات وبقاء الوزير على موقفه وموظّفي القطاع على موقفهم، يدفع المواطنون ثمن التمسّك بالمواقف، عن طريق تداعي خدمتيّ الاتصالات والانترنت. وإن كان الموظّفون يمتلكون “سلاح” وقف الخدمات والوزير يمتلك سلاح المماطلة السياسية، لا يملك المواطنون شيئاً سوى دفع الثمن. وإلى حين التوصّل لاتفاق يرضي الطرفين، تواصل نقابة موظّفي شركيّ الخليوي، تاتش وألفا، عرض مطالب الموظّفين على الجهات المعنية، ومنها لجنة الإعلام والاتصالات النيابية. ولذلك، التقى وفد من النقابة، عضو اللجنة النائب ابراهيم الموسوي، اليوم الإثنين 12 شباط. وبحث الطرفان الأزمة التي ادّت إلى إعلان الموظّفين إضرابهم. ومع أن الوزير يصرّ على عدم توقيع العقد، أبدى وفد النقابة “استعداده الإيجابي وانفتاحه على قبول أي اقتراح يساعد في ضمان حقوق الموظفين في عقد العمل الجماعي، والقيمة الفعلية للرواتب لإنهاء الأزمة”، وعبّر عن “استعداده لملاقاة أي مبادرة في هذا الاتجاه”.
المصدر
الكاتب:hanay shamout
الموقع : lebanoneconomy.net
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-13 05:41:16
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي