القواعد الروسية الاستراتيجية على المتوسط في سوريا تواجه خطرًا غير مسبوق

مع ضخ روسيا لمواردها في حربها في أوكرانيا، يشكل الدفاع عن قاعدتها البحرية ومطارها الجوي في سوريا سوف تحدياً أكبر مما كان عليه قبل ثلاث سنوات.

موقع الدفاع العربي 6 ديسمبر 2024: شهدت سوريا تطورًا جيوسياسيًا مفاجئًا وغير متوقع، حيث حققت القوات المناهضة للنظام تقدمًا سريعًا نحو الجنوب، ما أثار زلزالًا سياسيًا في المنطقة بأسرها. هذا الوضع المعقد للغاية، الذي يضم أطرافًا متصارعة ذات تحالفات وأعداء متجذرين، جعل حكم بشار الأسد يواجه تهديدًا جديدًا في غضون أيام قليلة.

وعلى الرغم من أن الفصائل المتمردة الساعية للإطاحة بالأسد لا تزال أمامها تحديات كبيرة لتحقيق أهدافها، فإن خسارة النظام لأراضٍ في شمال غرب سوريا تمثل مصدر قلق كبير لحليفه الأبرز، روسيا. فمصير الأسد مرتبط بمصالح موسكو الاستراتيجية، ولا يمكن تصور نهاية حكمه إلا بتكبُّد روسيا خسائر كبيرة في سوريا. يزداد التهديد وضوحًا مع اقتراب الفصائل المتمردة ببطء من المحافظات الساحلية على البحر المتوسط، حيث تقع القواعد الروسية الرئيسية. وكما تظهر الخرائط المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي، فإن هناك احتمالاً حقيقيًا لعزل هذه المناطق عن بقية الأراضي التي يسيطر عليها النظام.

منذ سنوات، كان الدعم الروسي لنظام الأسد جزءًا من استراتيجية موسكو لتأمين وجود استراتيجي طويل الأمد. في عام 2017، حصلت روسيا على حقوق استخدام قاعدتين رئيسيتين في سوريا – قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية والمنشأة البحرية في ميناء طرطوس – بعقد إيجار يمتد لـ49 عامًا. هاتان القاعدتان تمنحان روسيا نفوذًا كبيرًا على البحر الأبيض المتوسط، حيث يمكن لموسكو نشر قوتها البحرية والجوية، مما يتيح لها التأثير على الجناح الجنوبي لحلف الناتو، بالإضافة إلى الشرق الأوسط وأفريقيا. هذه البنية التحتية توفر لروسيا قدرة هجومية واستراتيجية، تُمكنها من تهديد السفن الحربية لحلف الناتو والقيام بعمليات عسكرية طويلة الأمد في المنطقة.

لعب ميناء طرطوس البحري دورًا محوريًا في دعم الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، حيث تحول إلى عقدة لوجستية لنقل المواد من سوريا لدعم المجهود الحربي الروسي. أما قاعدة حميميم الجوية في اللاذقية، فقد كانت لسنوات موقعًا رئيسيًا لقصف القوات المناهضة للنظام السوري بضربات جوية كثيفة، كما أنها دعمت العمليات الروسية في شمال إفريقيا واستضافت طائرات هجومية واستخباراتية استراتيجية. في عام 2019، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انتصاره في سوريا من هذه القاعدة، مما يجعل خسارتها بمثابة كارثة استراتيجية للكرملين، وهو احتمال بات يلوح في الأفق.

تتفاوت التقارير حول المسافة الفعلية التي تفصل القوات المناهضة للنظام عن قاعدة حميميم. تشير بعض المصادر إلى أنها لا تزيد عن 20 ميلاً، إلا أن الوضع الميداني يتغير بسرعة ملحوظة في بعض المناطق. ورغم أن هذه المسافة توفر منطقة عازلة معقولة، إلا أن السرعة التي اخترقت بها القوات المتمردة بعض المناطق أثارت القلق. ومع ذلك، فإن السيطرة على القاعدة ليست بالسهولة التي قد تُفترض، حيث تعتبر من أكثر المواقع تحصينًا في سوريا، إذ نجحت القوات الروسية وقوات النظام السوري في السابق في صد هجمات شرسة للاحتفاظ بها.

لكن الظروف اليوم تختلف كثيرًا عن الماضي. فالقوات الروسية تعاني من إنهاك شديد نتيجة الحرب المستمرة في أوكرانيا منذ ما يقرب من ثلاث سنوات. في بداية هذا الصراع، أعادت روسيا توجيه بعض قدراتها في سوريا لدعم عملياتها في أوكرانيا، بما في ذلك القوة الجوية التكتيكية التي كانت حاسمة في دعم نظام الأسد وتحويل دفة الحرب الأهلية لصالحه. ورغم أن القاعدة الجوية لا تزال تستضيف مقاتلات وطائرات هليكوبتر هجومية نشطة في إبطاء الهجمات الأخيرة، فإن استخدامها لم يعد بنفس الكفاءة والقدرة التي كانت عليها سابقًا، مما يثير تساؤلات حول جاهزية روسيا للتعامل مع التهديدات المباشرة.

حتى الآن، لا توجد مؤشرات على تعزيزات روسية أو إجراءات طوارئ مثل إخلاء القاعدة أو نقل القدرات منها. تُظهر صور الأقمار الصناعية الحديثة نشاطًا محدودًا في المنشأة، مما يشير إلى أن الوضع ما زال تحت التقييم.

على مدار السنوات الماضية، وسّعت روسيا قاعدة حميميم لتصبح أحد أبرز أصولها العسكرية في المنطقة، حيث تم إضافة بنى تحتية متعددة، مثل توسعة المدارج، وملاجئ الطائرات، وأنظمة دعم متطورة. كما نُشرت أنظمة دفاع جوي متقدمة مثل بطاريات إس-400 القادرة على تهديد الطائرات في شرق المتوسط، إلى جانب معدات لجمع المعلومات الاستخباراتية وأنظمة حرب إلكترونية. كل هذه الأصول تجعل القاعدة عنصرًا محوريًا في الاستراتيجية العسكرية الروسية، وخسارتها ستكون ضربة كبرى ليس فقط في سوريا، بل على مستوى النفوذ الروسي الإقليمي والدولي.

تقع مدينة طرطوس على بعد نحو 30 ميلاً جنوب الساحل السوري، مما يجعل الميناء حاليًا في موقع أكثر أمانًا نسبيًا مقارنة بالمناطق الشمالية. ومع ذلك، تثار مزاعم حول قيام البحرية الروسية بإخلاء سفنها من المنشأة، وإذا صحت هذه الأنباء، فسيكون لذلك تأثير كبير على قدرة روسيا على الاستمرار في عملياتها العسكرية داخل سوريا وفي المنطقة بشكل عام.

مع ذلك، تبدو هذه التقارير مبكرة وغير مؤكدة، خاصة مع إجراء روسيا مناورة بحرية كبرى في المنطقة. تضمنت هذه المناورة استعراضًا للقوة، حيث أُطلقت صواريخ P-800 Oniks المضادة للسفن عبر نظام الدفاع الساحلي Bastion على أهداف بحرية، في خطوة غريبة تأتي وسط تصاعد التوترات الإقليمية. ووفقًا للجانب الروسي، يمكن أيضًا استخدام صواريخ P-800 Oniks ضد أهداف برية. بالإضافة إلى ذلك، أطلقت روسيا صاروخ زيركون أو تسيركون (Zircon) الفرط الصوتي خلال المناورة، في إشارة واضحة إلى استعدادها لاستعراض قدراتها المتطورة في ظل الظروف المضطربة التي تشهدها المنطقة.

وهناك أيضاً احتمالات متزايدة لشن هجمات على هذه المنشآت من قبل قوات معادية للنظام، خاصة مع حصولها على المزيد من المعدات العسكرية التابعة للحكومة السورية. وتشمل هذه المعدات أنظمة إطلاق الصواريخ المتعددة “سميرتش” التي قد تهدد قريباً المطار الروسي. كما تظل الطائرات بدون طيار مصدر قلق كبير.

من الواضح أن روسيا وإيران تعملان بجد لتحديد أفضل السبل لمنع نظام بشار الأسد من خسارة المزيد من الأراضي واستعادة الزخم لصالحه في ساحة المعركة. ومع ذلك، تواجه إيران تحديات متزايدة على مستوى الموارد. فقد تعرض حزب الله، حليفها الرئيسي في المنطقة، لتدهور كبير نتيجة أشهر من القتال المكثف مع إسرائيل، مما أثر بشكل واضح على قدراته العسكرية والبشرية. بات الحزب يعاني من نقص في الأسلحة والعناصر المدربة وضعف في القيادة والسيطرة مقارنة بوضعه قبل أشهر، مما يحد من قدرته على تقديم دعم فعال للنظام السوري.

إلى جانب ذلك، تواجه المجموعات المسلحة الأخرى الموالية لإيران في سوريا ضغوطًا متزايدة نتيجة الهجمات المتصاعدة من قِبل قوات المعارضة على مختلف الجبهات. كما أن إيران مستنزفة في حملات أخرى، مثل دعمها للحوثيين في عملياتهم المستمرة ضد الشحن في البحر الأحمر وحوله، ما يزيد من عبء الموارد على طهران.

عند النظر إلى الوضع بشكل عام، يتضح أن الدعم الخارجي المتاح للأسد اليوم ليس كما كان عليه خلال العقد الماضي. ورغم ذلك، فإن خطر سقوط الأسد على يد قوات المعارضة المتمردة لا يبدو وشيكًا في الوقت الحالي، على الرغم من استمرار التهديدات الداخلية. ولكن هذا الوضع قد يتغير في الأسابيع المقبلة إذا عجزت القوات الحكومية السورية، بدعم من روسيا وإيران، عن تشكيل دفاع قوي لوقف المزيد من تقدم المعارضة. ورغم أن القوات المتحالفة مع الأسد نجحت في إبطاء وتيرة تقدم المتمردين في بعض المناطق، إلا أن المعارضة تمكنت بالفعل من السيطرة على مساحات واسعة خلال فترة زمنية قصيرة. هذا التباطؤ قد يمنح المتمردين فرصة لتثبيت مكاسبهم وتعزيز مواقعهم.

في حال استمرت المعارضة في تحقيق المكاسب واقتربت من القواعد الروسية الحيوية، سواء البحرية في طرطوس أو الجوية في حميميم، ستتجه الأنظار إلى كيفية رد روسيا والنظام السوري. ومع شح الموارد المتاحة، يبدو أن موسكو باتت تواجه تحديًا متزايدًا في الحفاظ على أمن هذه المنشآت الاستراتيجية. تبقى التساؤلات قائمة حول الخطط الطارئة التي قد تضعها موسكو للتعامل مع هذا الوضع المتغير بسرعة، حيث يتزايد القلق في الكرملين بشأن سلامة هذه المرافق الحيوية في ظل التحولات السريعة على الأرض.


ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.defense-arabic.com بتاريخ:2024-12-06 15:21:00

Exit mobile version