المركزي بوجه الحكومة والنوّاب: ماذا بعد نهاية فترة السماح؟

بحلول مساء امس الأربعاء، تنتهي مهلة الأشهر الستّة، التي منحها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري ونوّابه لأنفسهم أولًا، وللحكومة والمجلس النيابي ثانيًا، من أجل تنفيذ رزمة من الخطوات الإصلاحيّة، التي تندرج جميعها ضمن إطار خطّة التعافي المالي.

مراجعة وتقييم.. وتجاذب بارد
منذ ستّة أشهر، كان تحديد هذه المهلة، لتنفيذ الخطّة الماليّة والنقديّة من قبل السلطات التشريعيّة والتنفيذيّة والنقديّة، جزءًا من الشروط التي وضعها الحاكم بالإنابة ونوّابه، قبل القبول بتسلّم دفّة القيادة في مصرف لبنان، بعد انتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة في بداية شهر آب الماضي. ولحسن الحظ، كان الجدول الزمني المُخطّط له، لتنفيذ هذه الإصلاحات، موثّقًا في الرؤية التي قدّمها الحاكم بالإنابة ونوّابه للجنة الإدارة والعدل النيابيّة.

مع انتهاء فترة السماح المُعلنة، بات بالإمكان مراجعة التقدّم الخجول جدًا، الذي أحرزته الحكومة ومجلس النوّاب في تنفيذ الخطوات المتفق عليها منذ ستّة أشهر. وصار من الممكن أيضًا مراجعة نقاط التماس الشائكة بين المصرف المركزي من جهة، والحكومة ومجلس النوّاب من جهة أخرى، وخصوصًا في ما يتصل بملفّات الودائع وسعر الصرف والانتظام المالي.

الواضح حتّى الآن، هو أنّ المصرف المركزي يخوض تجاذبًا باردًا وصامتًا مع الطرفين، من دون أن تصل الأمور إلى حد المواجهة الصريحة أو المُكاشفة العلنيّة. غير أنّ المطلوب اليوم، وعلى العكس تمامًا، هو مصارحة اللبنانيين في هذه المرحلة بالتحديد، بخصوص مصير الخطوات الموعودة، التي شكّلت منذ البداية برنامج العمل المُعلن للقيادة الجديدة في مصرف لبنان.

تلاعب الحكومة والنوّاب بالإصلاحات المصرفيّة
وفقًا للخطة التي أعلنها الحاكم بالإنابة ونوّابه، أو بالأحرى حسب الشروط التي أرادوا فرضها، كان من المفترض أنّ تقدّم الحكومة مرسوم مشروع قانون مراقبة رأس المال، المَعروف محليًا بالكابيتال كونترول، خلال مهلة أسبوعين من بداية شهر آب. وعلى هذا الأساس، كان يجب أن يقر المجلس النيابي القانون بحلول نهاية الشهر نفسه، أي منذ خمسة أشهر بالتمام والكمال. ومن البديهي أنّ مصرف لبنان كان يراهن على وجود هذا القانون منذ ذلك الوقت، لتسهيل مهمّة توحيد وتعويم سعر الصرف، بوجود أدوات تسمح بضبط حركة السيولة بالعملات الأجنبيّة في السوق.

غنيٌ عن القول أنّ هذا الشرط ظلّ حبرًا على ورق منذ ذلك الوقت. بل في واقع الأمر، تم التحايل للتملّص عمدًا من تنفيذه، بنوع من التمريرات الماكرة المتبادلة بين الحكومة والمجلس النيابي. فبعد سنوات من الأخذ والرد والتقدّم بمشاريع القوانين المتضاربة، أقرّت لجنة المال والموازنة النيابيّة مشروع القانون وأحالته إلى اللجان المشتركة لرفع المسؤوليّة، وكذلك فعلت اللجان المشتركة التي أحالته إلى الهيئة العامّة للمجلس.

لكنّ اللعب الفعلي بدأ في الهيئة العامّة، التي قذفت مشروع القانون إلى اللجان مجددًا خلال شهر كانون الأوّل الماضي، بذريعة عدم تكامله مع سائر القوانين الإصلاحيّة. أمّا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، فكان جزءًا من هذه المكيدة خلال تلك الجلسة، من خلال الإيحاء بعدم ممانعته تأجيل البت بالقانون، وهو ما أعطى رئيس المجلس النيابي نبيه برّي الحجّة اللازمة لرده. هكذا، نام مشروع قانون الكابيتال كونترول.

حسب خطة وشروط الحاكم بالإنابة ونوّابه، كان من المأمول أن تُنجز الحكومة مرسوم مشروع قانون “تسوية الفجوة وإعادة الرسملة” بحلول نهاية شهر أيلول الماضي، وهو القانون الذي يفترض أن ينظّم عملية السداد للودائع المؤهّلة. وبحلول نهاية الشهر نفسه، كان يجب أن تنجز الحكومة مرسوم مشروع قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي، وأن تضع الصيغة النهائيّة لخطّة التعافي المالي.

وضعت مسودّة قانون إعادة الهيكلة على طاولة مجلس الوزراء في نهاية تشرين الثاني، قبل سحبها سريعًا من التداول، بعد الهجمة الشرسة التي شنّتها جمعيّة المصارف –ومن يدور في فلكها- ضد آليّات إعادة الهيكلة المقترحة. أمّا قانون إعادة التوازن للانتظام المالي، وهو القانون المُشار إليه في موضوع تسوية الفجوة وإعادة الرسملة، فلم يسمع به اللبنانيون منذ نشر شروط الحاكم بالإنابة ونوّابه. مع الإشارة إلى أنّ هذا الملف لم يشهد أي “حركة” تُذكر منذ سنة كاملة. بهذا الشكل، نام ملف الودائع وإصلاح المصارف أيضًا.

المسألة التي تحققت في أواخر الأسبوع الماضي، كانت مصادقة المجلس النيابي على موازنة 2024، وهو ما كان يفترض أن يتم في أواخر شهر تشرين الثاني بحسب شروط نوّاب الحاكم. إلا أنّه من غير الواضح مدى انسجام الموازنة مع الشروط الإصلاحيّة التي وضعها صندوق النقد، أو مع حاجات التعامل مع الانهيار القائم، وخصوصًا لجهة طريقة تقدير الواردات ومدى واقعيّة الافتراضات التي أفضت إلى نتيجة “الصفر عجز”.

نقاط التماس والتجاذب
مع استمرار المراوحة، تراكمت نقاط التماس بين المركزي والسلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة. أولى هذه النقاط، ترتبط بسعر الصرف الرسمي، إذ يرى غالبيّة النوّاب أن تحديد سعر الصرف هذا ليس مسؤوليّة مجلس النوّاب، بل يجب أن يُقر بالاتفاق بين الحكومة والسلطة النقديّة. مع الإشارة إلى أنّ مندرجات قانون النقد والتسليف، الذي تم إقراره عام 1963، لا تضع آليّات واقعيّة معاصرة لتحديد سعر الصرف، بل تنص على فترة انتقاليّة يليها تسعير لليرة مقابل الذهب، وهو ما لا يتطابق مع الآليّات الحديثة لتعويم وتحديد سعر الصرف. لذلك، ظلّ التجاذب سيّد الموقف حتّى اللحظة، فيما يخص هذا الملف.

في الوقت نفسه، لم يصل الحاكم بالإنابة إلى مرحلة رفع الصوت عاليًا تجاه تأخر إقرار القانونين المرتبطين بإعادة الهيكلة وتسديد الودائع. غير أنّه يواظب على عرقلة أي خطوة تحمّل المصرف المركزي مسؤوليّة الاقتطاع من قيمة الودائع، عبر اعتماد أسعار صرف منخفضة للسحوبات، إلا إذا حظيت الخطوة بغطاء المجلس النيابي.

وبهذا الشكل، يعيد الحاكم بالإنابة إشكاليّة التعامل مع الودائع إلى المجلس النيابي، بدل تنظيم الهيركات بموجب تعاميم مصرف لبنان، كما كان يجري في مرحلة رياض سلامة. نقطة التماس هذه، يفترض أن تفضي إلى الضغط باتجاه تنظيم الحل النهائي، ووضع الإطار القانوني لعمليّة إعادة الهيكلة من جانب المجلس النيابي.

لكن في مقابل نقاط التماس هذه، يبدو الحاكم بالإنابة، ومعه نوّابه، الذين يشكّلون معًا خمسة من ستّة أعضاء حاليين في المجلس المركزي للمصرف، بعيدين عن لحظة المواجهة الصريحة مع السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، أو عن الإعلان عن مكامن العرقلة التي تؤخّر الحل النهائي. مع الإشارة إلى أنّ تحديد الخطوات الإصلاحيّة كشروط لتولّي المسؤوليّة منذ ستّة أشهر، يفرض على الحاكم ونوّابه مصارحة الرأي العام بخصوص مآل هذه الخطوات، لكونها مثّلت منذ البداية برنامجهم النقدي والمالي. أمّا الأهم، فهو أن المجلس المركزي مجتمعًا تأخّر بدوره في تنفيذ العديد من الإصلاحات التي تحدّث عنها سابقًا، مثل تعويم سعر الصرف وإطلاق المنصّة الجديدة، أو إعادة النظر بأصول إعداد ميزانيّة مصرف لبنان.

المصدر
الكاتب:hanay shamout
الموقع : lebanoneconomy.net
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-01 06:21:56
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version