الموت جزء طبيعي وضروري من الحياة، وكما أوضح كريس بيكهام في كتابه «الأرض»، حتى الانقراض له جوانبه الإيجابية؛ لأنه يمهد الطريق لحياة جديدة.
مع ذلك، فإن وجود مجموعة من الجثث يؤدي بالتأكيد لانتشار الأمراض، ولكن لحسن الحظ، وجد النظام البيولوجي طريقة للعناية بكل هذه الأمور.
يُطلق المحاضر في الطب الشرعي بجامعة كنت الدكتور ديفين فينوتي على هذه الطريقة اسم النظام البيئي للتحلل، وهي سلسلة معقدة من العمليات التي تحلل الجسد حتى لا يتبقى منه سوى هيكل عظمي، وتُعرف هذه العملية باسم التحول لهيكل عظمي Skeletonization.
قبل أن يصل الجسد إلى مرحلة الهيكل العظمي الأنيق وغير الناقل للأمراض، هناك العديد من أنواع الأنسجة التي يجب أن تتحلل. أطلعنا الدكتور فينوتي على هذه العمليات في مقابلة معه، إلا أن النقطة المثيرة للاهتمام التي أشار إليها هي أن الموت في حدِّ ذاته ليس لحظة واحدة!
ماذا يحدث عندما نموت؟
يقول الدكتور ديفين فينوتي: «يبدأ التحلل بعد الموت بوقت قصير، والشيء الذي أريد توضيحه هو أن الموت ليس لحظة واحدة، بل سلسلة من التفاعلات والعمليات التي تحدث مع مرور الوقت».
ما يحدث عادةً هو أن الفرد يفقد وعيه، ثم يبدأ حدوث تثبيط للتنفس وتباطؤ معدل ضربات القلب إلى أن يتوقفا تمامًا، أو قد يفقد المرء وعيه نتيجة توقف هاتين العمليتين.
في كلتا الحالتين، يُسمى هذا بالموت السريري، وهذا هو الموت الذي يمكن إرجاع المريض منه، ويمكن إحياؤه عدة مرات إذا لزم الأمر.
المشكلة أنه فور توقف القلب عن النبض وتوقف الأكسجين عن الدوران، فإن الخلايا لن يكون لديها الكثير من الأكسجين المتاح لإنتاج مصدرها من الطاقة الذي يُعرف باسم أدينوزين ثلاثي الفوسفات (ATP). فور نفاد الأكسجين من الخلية لإنتاج ATP، يمكنها أن تُبدّل بعملية أخرى هي التنفس اللاهوائي وإنتاج ATP بهذه الطريقة.
المشكلة في ذلك أنها عملية غير ناجعة بإنتاج الطاقة، وتُولِّد حمض اللاكتيك كمنتج ثانوي. تستمر العملية بإنتاج الطاقة فترة زمنية بسيطة. وفور نفاذ الخلية من ATP، تتوقف آلية النقل الخلوي عن العمل، ما يعني أنها لا تعود قادرة على تبادل المواد مع بيئتها خارج الخلية، ويعني أن الخلية ستبدأ بالتدهور، وستصبح أكثر حامضية، وتبدأ هذه الحموضة بإذابة الجسيمات الحالة داخل الخلية. فور فتح جدار الجسيمات الحالة، تتسرب جميع الإنزيمات الموجودة بداخلها، وتبدأ بإتلاف الخلية.
في النهاية، تتمزق الخلية في عملية تُعرف باسم التنخر، وهي تختلف عن الموت الخلوي المبرمج؛ وذلك لأن موت الخلايا المبرمج قد يكون معكوسًا، في حين أن التنخر (أو التحلل الذاتي، كما يُطلق عليه) عملية غير قابلة للعكس.
تكمن المشكلة إذن في أن الخلية ستقذف كل السموم والجسيمات الحالة وغيرها إلى خارج حيّز الخلية، ما يؤدي إلى إتلاف الخلايا المجاورة التي تعاني أيضًا الأذى الداخلي نفسه. لذلك، تحصل سلسلة من الموت الخلوي.
يحدث ذلك أولًا في الأنسجة التي تحتوي على أعلى نسبة من الأكسجين وأعلى محتوى من الماء؛ أي في الدماغ والمعدة والرئتين. سيكون الدماغ أول من يتوقف عن العمل؛ لأنه يستهلك 20% من الغلوكوز الذي تحتاجه أجسامنا لإنتاج الطاقة، فالدماغ يتطلب طاقة كبيرة جدًا.
يستغرق ذلك نحو أربع دقائق، لذا من اللحظة التي يتوقف فيها القلب عن النبض، توجد نحو أربع دقائق حتى تبدأ خلايا الدماغ بالموت، وهذه العملية أيضًا غير معكوسة. فور موت كمية كافية من خلايا الدماغ، عندها سيحدث الموت الدماغي.
من المثير للدهشة أن أجزاء أخرى من الجسم تبقى حيّة وقد تستمر في العيش فترة طويلة، ولكن فور فقدان السيطرة العصبية، يفشل النظام البيولوجي في الجسم بأكمله في مواجهة التوازن الكيميائي، وهذا من منظور كيميائي هو الموت الحقيقي.
إنه فشل أنظمتنا البيولوجية التي تحاول منع العودة إلى التوازن الكيميائي في مهمتها، وكل ما يبدأ بعد ذلك من تلك النقطة فصاعدًا يمثل إلى حدّ ما العودة إلى التوازن، باستثناء عندما تكون هناك العديد من العوامل الحيّة التي تؤثر في الجسم.
ذلك لأنه فور توقف كل ذلك عن العمل، يتوقف الجهاز المناعي عن العمل، وعليه فإن البكتيريا الموجودة في الأمعاء، التي يفوق عددها عدد خلايا الجسم (20 خلية جرثومية إلى واحدة بشرية)، تصبح حرة، لذلك يأخذون في استهلاك كل شيء.
سوف تمر البكتيريا عبر بطانة الجهاز الهضمي، وتصل إلى مجرى الدم، وتبدأ بالانتشار في جميع أنحاء الجسم. وتستقلب الركائز في الجسم، بدءًا من السكريات الموجودة على سطح الخلايا التي تترشح خارج الخلايا.
ثم يتجهون نحو الكربوهيدرات والدهون الأكثر تعقيدًا، وهنا يبدأ بالفعل التحلل، وينتج عن عملياتها الاستقلابية مجموعة من المنتجات الثانوية تُسمى المركبات العضوية المتطايرة، التي نشمّ رائحة الموت منها.
جميعنا شمّ رائحة جثة يومًا ما، ليس بالضرورة جسد إنسان، بل أي شيء ميت، تلك الرائحة هي مركبات عضوية متطايرة، وهناك نحو 400 إلى 500 منها تعرفنا عليها من البشر حتى الآن، وهذه الرائحة هي ما تجلب الحشرات للجثة.
اقرأ أيضًا:
ترجمة: تيماء الخطيب
تدقيق: غفران التميمي
مراجعة: هادية أحمد زكي
المصدر
الكاتب:تيماء الخطيب
الموقع : www.ibelieveinsci.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-06 23:16:06
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي