النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئيّ في مراسم تنفيذ حكم الدورة الرابعة عشرة لرئاسة الجمهوريّة

Sayyed Ali Khamenei1

نشر موقع KHAMENEI.IR الإعلامي النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئيّ بتاريخ 28/07/2024 خلال مراسم تنفيذ حكم الدورة الرابعة عشرة لرئاسة الجمهوريّة التي أقيمت في حسينيّة الإمام الخميني (قده). وقال قائد الثورة الإسلاميّة أنّ الصهاينة يقتلون في غزّة من لم يُطلقوا رصاصة واحدة ويُلقون القنابل فوق النساء والأطفال، ثمّ دعا الحكومات والشعوب والشخصيات الفكرية والسياسية في العالم إلى اتخاذ قرار جدّي في هذا الخصوص، مؤكّداً على أنّ مراسم تنفيذ باتت قضيّة عالميّة، لا إسلاميّة فحسب.

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين[1].
إنّ يوم المصادقة على حكم الرئيس وإقامة مراسم التنفيذ، يُمثّل الورقة الأخيرة في الكتاب الضخم المليء بالمضامين، الذي دوّنه شعب إيران العزيز، والقيّمون، من خلال هذه الانتخابات التي اقترنت بالحافزيّة، وخلّدوه في سجلّات أوسمة أمجاد إيران. نشكر الله أن جرت الانتخابات الرئاسيّة الرابعة عشرة على أكمل وجه، رغم أجواء الحزن في أرجاء البلاد على فقد الرئيس الشهيد المرحوم السيّد رئيسي، وكانت [هذه الانتخابات] جديرةً بالثناء، إذ اتّسمت بالهدوء والنزاهة والمنافسة، والسلوك الأخلاقيّ للمتنافسين بعد الانتخابات مع الرئيس المحترم المُنتخَب. لقد كان امتحانًا مهمًّا للبلاد، وبحمد الله الله أُنجز هذا الامتحان بنجاح، وسوف يتذوّق شعبنا العزيز نتيجته العذبة، إن شاء الله.
أجِدُ لزامًا عليّ أن أذكّر بدور رئيس الجمهوريّة بالوكالة الموقّر، جناب السيّد مخبر، وأعضاء الحكومة، في إدارة شؤون البلاد لمدّة شهرين تقريبًا، وأن أوجّه الشكر إلى هؤلاء السادة. لقد أدّوا دورًا مهمًّا، واستطاعوا – بفضل الله – المضيّ بالبلاد لإنجاز الانتخابات في أجواء مستقرّة، وبمزاج شعبيّ ملائم، وأن يُنجزوا هذه الانتخابات على أفضل وجه.
نشهد في بلادنا – بحمد الله – سيادةً شعبيّة ممزوجة بالتنافس والنزاهة. أعزّائي! لم نصل إلى هذه السيادة الشعبيّة السائدة في بلادنا بيُسرٍ وكلفة زهيدة، بل هي نتيجة قيام الناس لمواجهة وضع مضطرب وكارثيّ ساد البلاد في الماضي. إنّ إمامنا [الخميني] العظيم، منذ اليوم الأوّل لانتصار الثورة الإسلاميّة، وبمنتهى الحزم، رسّخ أمرًا غير مسبوق في البلاد، وهو مشاركة الناس وحضورهم وتأثيرهم في إدارة البلاد. لقد كان هذا الفعل العظيم من إنجاز إمامنا العظيم، وهو من أهمّ الأحداث في تاريخ حياة بلادنا.
قبل حصول الشعب الإيرانيّ بقيادة الإمام العظيم على السيادة الشعبيّة، لم نخض سوى تجربة الثورة الدستوريّة، والتي لم تكن تجربة موفّقة. في الثورة الدستوريّة، جاهد الناس، وسعوا، وقدموا الشهداء، وتحقَّق الكثير من الكفاح، لكن عدم وجود قيادة قويّة ذات نفوذ وشعبيّة على رأس الأمور، أدّى إلى حصول اضطرابات في البلاد مع الأيّام الأولى تقريبًا، فتدخَّل الأجانب، واقتحم المستبدّون في الداخل الميدان، وعاشت البلاد حالة من الفوضى [استمرّت] لخمسة عشر عامًا تقريبًا، ثمّ تولّت ديكتاتوريّة “رضا شاه” العنيفة الأمور؛ أي لم يمضِ وقت طويل على توقيع حكم الثورة الدستوريّة، حتّى استلم ديكتاتور عنيف مُرتهن لا يعرف الرحمة كرضا خان السلطة، [أي] لم تمرّ خمسة عشر عامًا، قبل أن تذهب جميع جهود الشعب وعناءاته أدراج الرياح باستلام “رضا بهلوي” للسلطة.
إنَّ السمة والخصوصيّة المهمّة التي اتّسمت بها حكومة بهلوي الأوّل[2] – والتي قضى أربعة أعوام منها رئيسًا للوزراء وقائدًا للقوات المسلّحة وما شابه ذلك، بينما قضى ما تبقّى منها سلطانًا وملكًا –؛ كانت من ناحية الديكتاتوريّة العنيفة، وقتل المظلومين، وقهر الشعب، ومن ناحيّة أخرى المذلّة والطاعة والامتثال أمام وكلاء الأجانب [في البلاد]. فالإنجليز هم مَن أتوا برضا شاه إلى الحكم، وتحقَّق كلُّ ما أرادوه؛ سواء في مجال السياسة، أو في مجال الثقافة، أو في مجال أسلوب إدارة البلاد، تحقَّق في البلاد ذلك الذي كانوا يريدونه: فنُهِبت الموارد الوطنيّة، ومُدّدت اتفاقيّة النفط الظالمة – التي كانت على وشك الانتهاء – ثلاثين عامًا؛ مُورس التشدُّد والقمع تجاه الشعب، وجرت – علنًا وبصراحة – محاربةُ الدين والتديُّن وعلماء الدين، الذين كانوا عاملًا مهمًّا في نهضة الشعب. ومن ثمَّ، وفي أواخر العهد، عندما شعر هؤلاء أنَّ “رضا شاه” قد صارت لديه نزعة تجاه ألمانيا الهتلريّة – فمع بداية الحرب العالميّة الثانيّة، ونشاطات ألمانيا التي كانت تُشير إلى أنَّها آخذة في التقدُّم، صارت عنده نزعة [تجاه ألمانيا الهتلريّة] – جاء هؤلاء الإنجليز نفسهم، الذين كانوا قد أتوا به إلى الحكم، فأمسكوا بيده وقالوا: أنت مطرود! فنفوه، وأجلسوا مكانه ابنه غير الجدير، واستمرت تلك السياسات نفسها. وقد سلك محمَّد رضا أيضًا مسلكَ أبيه نفسه؛ أي [ممارسة] التشدُّد مع الناس، والقمع الشديد في الداخل، ومساعدة الأجانب في السيطرة على الموارد الوطنيّة لإيران، والنفط بنحوٍ أساسيّ، والذلّة أمام السياسات الأجنبيّة – وفي زمنٍ ما، كنَّا نحن مَن يقول هذا الكلام، وبعد أن انتشرت لاحقًا كتب مذكَّرات الأسرة البهلويّة وذويهم ومقرَّبيهم، وجدناهم هم أنفسهم يعترفون بما كنا نعلمه ونقوله – وتعيين رئيس الوزراء بتوجيه من الأجانب، ووفقًا لإرادتهم، وتحديد كيفيّة شراء الأسلحة، وكيفيّة بيع النفط، وقيمة كلٍّ منهما، وسائر القضايا الأساسيّة لإدارة البلاد، كانت بعهدة الأجانب، وتابعة لإرادتهم، [كذلك] التضييق المستمرّ على الناس؛ هذا ما كانت عليه سياستهم. هذه [أمور] مهمَّة؛ ومن المهمّ الالتفات إلى هذه النقاط.
ولقد وصل الأمر إلى درجة أنَّ “محمد رضا بهلويّ”؛ ومن أجل الإطاحة بحكومة وطنيّة قد جاءت – وبصورة استثنائيّة – بأصوات الشعب، لجأ إلى الأمريكيين والإنجليز كي يقوموا بانقلاب عسكريّ في إيران، ولقد قاموا بانقلاب عسكريّ، وأطاحوا بالحكومة. أي لا يُتصوَّر بعدُ خيانة أعظم وأكثر وضوحًا من هذه! وإنَّ هذه السيادة الشعبيّة التي ترونها اليوم في إيران؛ هي نتاج قيام الشعب الإيرانيّ ومواجهته لمثل هذه الأوضاع. فالشعب الإيرانيّ لم يكن مطلقًا قد خاض تجربة التدخُّل في شؤون إدارة البلاد، ولم يكن قد اختبرها؛ فقدَّمت الثورة الإسلاميّة هذه الهديّة إلى الشعب الإيرانيّ على يد إمامنا العظيم والجليل الذي لا مثيل له. لا بدّ من الاعتراف بقيمة هذا [الأمر]: هذه السيادة الشعبيّة، وهذه المشاركة الشعبيّة.
لقد خضنا في الجمهوريّة الإسلاميّة – خلال الأربعين عامًا ونيّفًا التي مضت – عشرات [الاستحقاقات] الانتخابيّة: انتخابات المجلس، وانتخابات رئاسة الجمهوريّة، وانتخابات المجالس المحليّة، وانتخابات مجلس خبراء الدستور، وانتخابات [مجلس] خبراء القيادة، وكانت كلُّها مصحوبة بالمنافسة، والنزاهة، والحافزيّة في مشاركة الشعب، أحيانًا [بنسبة] أكبر، وأحيانًا [بنسبة] أقلّ، فليس هذا في الرتبة الأولى من الأهمّيّة، إنَّما الذي يقع في الرتبة الأولى من الأهمّيّة، هو «امتلاك الشعب للحافز»، أن يتوجّه الناس إلى صناديق الاقتراع، ويدلوا بأصواتهم وهم متحفّزون، ولطالما حصل ذلك وكان قائمًا.
وبحمد الله، فالانتخابات الأخيرة أيضًا أُجريت بشكل حسن، وانتخب الناس، بحمد الله، رئيسًا لائقًا للجمهوريّة. وإنَّ الكلمة التي قد أدلى بها اليوم ها هنا، لهي متينة وعميقة، وتُظهر الالتزام بالمباني الحقيقيّة للسيادة الشعبيّة الإسلاميّة. فنأمل أن يأخذ الله بيده، إن شاء الله. وعلينا جميعًا أن نمدَّ له يد العون بقدر وسعنا؛ ليتمكَّن – هو وحكومته – من القيام بهذه المهام الكبرى. حسنًا، لقد كانت هذه كلمتنا فيما يخصّ أساس القضيّة. وأريد – أنا العبد – أن أقدم عدة وصايا، وهذه الوصايا هي للحكومة والمسؤولين الذين سيكونون، إن شاء الله، في المواقع المهمَّة للمسؤوليّة، كما أنَّها لعامّة الشعب، أوصي الجميع ونفسي:
الوصيّة الأولى: إنَّ بلادنا لهي بلاد عظيمة، وإنَّ شعبنا لهو شعب عظيم. بين أبناء شعبنا ما لا يحصى من أهل الفكر، ومن أهل الإبداع، ومن أصحاب التجربة، ممن لهم آراء جديدة. فحينما يستمع المرء إلى كلام هذا وذاك، يسمع الكثير من الكلام الجديد، والأفكار الجديدة، والإبداع الجديد في كلام مختلف الأشخاص من مختلف الفئات؛ لدرجة تثير التعجّب. وإنَّ الاقتراحات التي يقدِّمونها مكتوبةً، والكلام الذي يقولونه حضوريًّا، وما يذكرونه بصفة الاعتراض، وما يقولونه بصفة الاقتراح، في كلّ ذلك بشرى للمرء، من حيث إنّه يدلّ على وجود أفكار جديدة، وإبداع جديد، وتجربة حسنة، وحلول للمستقبل. هذه هي [قدرات] بلادنا. وأنا أقول: إنَّ هذه لهي ثروة وطنيّة هائلة، وينبغي استثمارها. فلتستفد الحكومة المحترمة، ورئيس الجمهوريّة المحترم، إن شاء الله، هذه «القدرة الشعبيّة الهائلة»؛ من أجل الناس، ومع الناس، وبين الناس، واستثمارها من أجل بلوغ الأهداف التي ذكرها، والسبيل التي يريد سلوكها.
طبعًا، هناك – إلى جانب هذه الفرص البشريّة – ثرواتنا الطبيعيّة والماديّة كذلك، والتي هي كثيرة أيضًا. فالثروات الطبيعيّة لبلادنا هي أكثر بكثير من ذلك الشيء وذلك المقدار الذي قد انتفعنا منه، واستفدنا منه حتّى الآن؛ فهو أكثر بكثير من ذلك. ونحن بوسعنا إنجاز الأعمال العظيمة بالاعتماد على هذه الطاقات البشريّة والثروة البشريّة والثروة الطبيعيّة؛ شريطة أن نمتلك الهمَّة العالية، وأن نتابع الأعمال بجديّة، ونختار زملاء جيِّدين، إن شاء الله. هذه هي وصيَّتنا الأولى.
الوصيّة التاليّة تتعلّق بـ«العمل الجهاديّ». فأنا أقول: يمكن بالروح الجهاديّة اقتلاع الجبال الصعبة. فما معنى العمل الجهاديّ؟ أي [العمل] الذي لا يعرف الكلل، والعمل من دون أجر أو منَّة، الذي يكون هدفه أداء التكليف الإنسانيّ والإلهيّ، والمُضيّ قُدُمًا؛ فهذا هو العمل الجهاديّ. وبالطبع، فثمَّة أُطر قانونيّة وإداريّة [لذلك]، ينبغي الالتزام بها، إلا أنَّ العمل الجهاديّ هو النوعيّة، جودة العمل. إذ يمكن القيام بالعمل بنحوٍ قانونيّ مئة بالمئة بشكل جهاديّ، فثمة كثيرون ممَّن لا يقومون بالعمل بشكل جهاديّ؛ يلتزمون بظاهر القانون، إلَّا أنَّ العمل لا يتقدَّم، ولا يُنجز. ولقد كان السيّد رئيس الجمهوريّة المحترم يتحدَّث إليَّ قبل بضعة أيّام عن هذا: أنَّ في بعض أقسامنا الإداريّة، [قد يكون هناك] شخص جالس، وهو موظَّف، أو هو مسؤول، بيد أنَّ ثمرة عمله من الصباح إلى المساء ليست بالثمرة التي يُعتدُّ بها، وليست بالثمرة المفيدة، وهذا كلام سديد. والعمل الجهاديّ هو في الطرف المقابل لهذه [الحالة]. فلقد أنجزنا في البلاد أعمالًا عظيمة من خلال العمل الجهاديّ: بالعمل الجهاديّ تقدّم دفاعنا المقدَّس لثماني سنوات، وبالعمل الجهاديّ أُحبطت مؤامرات العدوّ المُعقَّدة والمُتنوِّعة على مدى هذه السنوات الثلاثين أو الأربعين الماضيّة. ولقد كان الشهيد رئيسي (رضوان الله تعالى عليه) من أهل العمل الجهاديّ؛ فلم يكن حقيقةً يعرف ليلًا ولا نهارًا، ولم يكن بحقّ يسعى وراء الإشادة والثناء على هذا العمل الذي كان يُنجزه، ولقد شاهدنا هذا [الأمر] من كثب، وشعرنا به. وكان يسعى ويعمل بالمعنى الحقيقيّ للكلمة، وكان يقوم بكلِّ ما كان في مقدوره، دون أن يطّلع الكثيرون على ذلك؛ أي لم تكن أعمالًا تحصل أمام أعين الناس، بيد أنَّه كان يقوم بها. وهذه أيضًا وصيَّتنا الأخرى التي [كانت عبارة عن] العمل الجهاديّ، وخوض الميدان بجهاديّة، وتجنُّب [العمل بطريقة] التحكُّم عن بُعد؛ فلا يصحُّ لمدير أن يعمد إلى التحكّم بالأعمال عن بُعد؛ [وإنما] عليه أن يحضر في قلب العمل.
التوصيّة الأخرى: التعاون بين أركان الدولة، ولا يمكن العمل بعيدًا عن هذا الأمر. يجب على «مجلس الشورى الإسلاميّ» أن يساعد الحكومة، وعلى الحكومة أن تأخذ الأمور الحسّاسة عند المجلس بعين الاعتبار، كما ينبغي للسلطة القضائيّة أن يكون لها حضورها الفاعل حيثما اقتضت الحاجة، وأن يكون للقوّات المسلّحة حضورها حسب مسؤوليّاتها حيثما تحتاج الحكومة والناس. يجب على الجميع أن يؤدّوا أدوارهم. هذه الجلسات لرؤساء السلطات فرصة مميّزة جدًّا. وقد أوصيت – أنا العبد – مسؤولي السلطات في السابق، والآن أيضًا حيث يحضر السادة هنا، أوصي بأن يأخذوا هذه الجلسات بين رؤساء السلطات الثلاث على محمل الجدّ. فهذا الأمر أمرٌ مهمّ جدًّا، وقد استفدنا منه خلال تجربتنا التي امتدتّ لسنوات طويلة.
التوصيّة الأخرى هي مراعاة الأولويّات. بالطّبع، يعلم الجميع أنّني شديد الحساسيّة تجاه القضايا الثقافيّة. القضايا الثقافيّة والاجتماعيّة شديدة الأهميّة، وربّما هي أهمّ من كلّ شيء، لكن الأولويّة اليوم – من ناحيّة التوقيت – هي للقضايا الاقتصاديّة. هناك حاجة إلى تحرّك اقتصاديّ قويّ ومتتابع ومدروس. طبعًا، تمّ إنجاز بعض الأعمال في الحكومة السابقة، وهي أعمالٌ قيّمة، ويجب أن تستمرّ، وينبغي أن تُضاف أعمالٌ أخرى أيضًا.
في القضايا الاقتصاديّة، ينبغي التطرّق إلى القضيّة الاقتصاديّة من زاويّة النظر إلى القضايا الكُبرى – قضيّة قيمة العملة الوطنيّة، قضيّة الإنتاج، قضيّة الاستثمار، قضيّة تحسين أجواء العمل، والقضايا الأساسيّة والعامّة –، وأيضًا من زاويّة تحسين الأوضاع المعيشيّة للناس، وهو عملٌ مستعجلٌ، وعلى المدى القصير. يمكن القيام ببعض الأعمال، وعسى أن يُقام بها إن شاء الله. طبعًا، تمّ إنجاز بعض الأعمال في كلا المجالين، وهي جيّدة، وينبغي أن تستمرّ.
التوصيّة الأخرى، مرتبطة بالأجواء التي أنتجتها الانتخابات على مستوى مشاعر الناس وعواطفهم، والمخاطَبون بهذه [التوصيّة] هم عموم الناس، الناشطون السياسيّون والاجتماعيّون. الانتخابات بطبيعة الحال تثير التحدّيات. فخلال الانتخابات هناك مَن يؤيّد هذا الطرف، وآخرون يؤيّدون الطرف المقابل، وتبرز بعض التحديّات. ينبغي عدم الاكتراث لوساوس إيجاد قطبين [في البلاد]، والبناء على ذلك، وهذه وصيّتي الأكيدة. يجب ألّا تستمر المشاعر التي كانت تدفع الأفراد خلال فترة الانتخابات إلى التجادل في ما بينهم. لا تسمحوا بأن تستمرّ. بطبيعة الحال، هذه هي خصوصيّة الانتخابات: أحدهم يحصل على غالبيّة الأصوات، والآخر لا يحصل عليها. هذه هي نتيجة الانتخابات، وهذا ما تعنيه الانتخابات. على سبيل المثال، يحصد الشخص الذي تؤّيده غالبيّة الأصوات، ولا يحصل الشخص الذي يؤيّده الآخر عليها، هذا طبيعي، وينبغي ألّا يؤدّي إلى التنافر. يجب ألّا يؤدي هذا الأمر إلى الخلاف وحصول شرخ وانشقاق. في الجمهوريّة الإسلاميّة، ومنذ انتصار الثورة، طالما صعدت مختلف المشارب والاتجاهات وهبطت. نال بعضهم اليوم غالبيّة الأصوات، فيما نالها آخرون في يوم آخر، والعكس صحيح. هذا نفس [ما جاء في الآيّة الكريمة] {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} (آل عمران، 140)؛ هذا امتحان. أودّ القول أنّ الشعب الإيرانيّ فاز في كلّ هذه الدورات الانتخابيّة التي جرت، ولا يوجد بيننا من هو مهزوم. أولئك الذين خاضوا الميدان، ودعموا أحد المرشّحين، ولم يحصل مرشّحهم على الأصوات، هؤلاء لم ينهزموا، وهم فائزون أيضًا. هؤلاء أيضًا جزءٌ من الشعب الإيرانيّ، والشعب الإيرانيّ منتصر. عليه، ينبغي ألا تستمرّ حالة التنافر أو الانزعاج التي من الممكن أن تكون قد وقعت أثناء الجدالات والنقاشات الانتخابيّة. فينبغي ألا يشعر ذاك الذي حصل مرشّحه على غالبيّة الأصوات بالرفعة، كما لا ينبغي لمَن لم يحصل مرشّحه على الأصوات الشعور بالهزيمة، [يجب ألا يشعر بذلك] أيّ منهما. لا [يشعر] هذا بالرفعة، ولا يشعر ذاك بالهزيمة. هذه أيضًا وصيّتنا الأخرى، وهي موجّهة إلى جميع الناشطين السياسيّين والاجتماعيّين وفي الانتخابات وأمثالهم.
التوصيّة الأخرى هي «تقدير الطاقات الداخليّة للبلاد، والاعتماد على القدرات الداخليّة». المخاطَب بهذه [التوصيّة] هم المسؤولون المحترمون الذين سيمسكون، إن شاء الله، بزمام توجيه البلاد وتقدّمها، والأمور التنفيذيّة في البلاد. فليُولوا أهمّيّة للقدرات الداخليّة. فليبقَ «نحن قادرون» شعارًا ثابتًا؛ وهذا هو واقع الأمر. وبطبيعة الحال، هذا القول لا يعني ألّا نستفيد من القدرات الخارجيّة؛ لا يوجد أيّ عاقل يقول هذا. بالطبع، تنبغي الاستفادة من جميع الطاقات؛ الطاقات الداخليّة والخارجيّة والأصدقاء. وحتّى في بعض الأحيان، يتّخذ أعداؤنا خطوةً تصبّ في مصلحتنا، ويجب الاستفادة منها أيضًا. تنبغي الاستفادة، ولكن لا ينبغي التغافل عن القدرة الداخليّة؛ لا ينبغي تعطيل أيّ قضيّة داخليّة وتعليقها على قضيّة خارجيّة. هذا مرادنا. افعلوا كلّ ما بوسعكم فعله على مستوى العالم؛ افعلوا أشياء جيدة، أشياء مشرّفة وتبعث على العزّة، لكن لا تغفلوا عن الطاقات والقدرات الداخليّة، والابتكارات الداخليّة؛ هذا ما أؤكد عليه، وبالطبع هناك أمثلة كثيرة.
التوصية الأخرى تتعلّق بقضايا السياسة الخارجيّة. أول ما أودّ قوله بشأن السياسة الخارجيّة هو: يجب على الحكومة أن تتعامل مع الأمواج والأحداث العالميّة – لا سيّما في منطقتنا – بنحوٍ فعّال ومؤثّر، لا أن تكون متأثِّرة ومنفعلة. هناك قضايا متنوّعة تحدث في العالم، سواء أكانت سياسيًّة أو علميًّة أو من حيث التقدّم والابتكارات العلميّة المذهلة والعجيبة – الذكاء الاصطناعيّ على سبيل المثال -؛ تعاملوا مع الأمر بنحوٍ فعّال، وليس بنحوٍ منفعل؛ تعاملوا بنحوٍ مؤثّر. لا تجوز الغفلة والتغافل عن ما يحدث في العالم والمنطقة. كلّ حادثة تقع، لنا موقف تجاهها؛ فلنعبّر عن هذا الموقف بصراحة ووضوح، وبقوّة وصلابة، حتّى يعرف العالم ويفهم ما تقوله إيران الإسلاميّة في تلك القضيّة. لقد بذلت الحكومة الثالثة عشرة جهدًا جيّدًا في هذا الصدد. رحمَ الله شهيد الخدمة، المرحوم أمير عبد اللهيان[3]، لقد كان دبلوماسيًّا جيّدًا جدًّا، وكان مفاوضًا جيّدًا للغايّة، وكان لديه سعي ونشاط جيّدان. كنتُ أرى أعماله من كثب؛ كان يخطو خطوات جيّدة، ويعمل بنحوٍ جيّد. لا بدّ أن يتواصل هذا النشاط والسعي، إن شاء الله.
إحدى النقاط المرتبطة بالسياسة الخارجيّة هي وجود أولويّات لدينا في العلاقات الخارجيّة، وإحدى أولويّاتنا هي جيراننا، ونحن من البلاد التي تملك العديد من الجيران، وهذه تعدّ من الامتيازات لأيّ بلد. هناك قرابة الـ 14 جارًا في جوارنا، وهذه ميزةٌ لنا. يجب علينا أن نعمل على العلاقات مع الجيران، ونسعى لأجل ذلك. هذا من ضمن أولويّاتنا.
إحدى أولويّاتنا [الأخرى] التواصل مع الدول القادرة على توسيع ميداننا الدبلوماسيّ. على سبيل المثال: دول أفريقيا وآسيا. فهذه الدول توسّع ميداننا الدبلوماسيّ، والعلاقات مع هؤلاء ضمن أولويّاتنا.
من أولويّاتنا [أيضًا] بناء العلاقات مع الدول التي دعمتنا خلال هذه الأعوام في وجه الضغوط، وساعدتنا، سواء إن كان في الأمم المتّحدة أو خارجها، أو في ميدان العمل، وأنواع التعاون الاقتصاديّ وغيرها. لقد دعمونا، ويجب أن نقدّر ذلك، ويجب أن نوطّد علاقاتنا مع هؤلاء، هذه سياستنا التي تحظى بالأولويّة، و [أولويّات أخرى] من هذا القبيل. هذه هي الأعمال ذات الأولويّة الموجودة ضمن هذا المجال.
طبعًا، نحن لا نقول أنّ لدينا ما يدعو إلى الخصومة والعداوة مع بعض الدول، كالدول الأوروبيّة مثلًا، التي لم أذكرها ضمن الأولويّات. لا نقول أنّ لنا عداوة مع هؤلاء، كلا. إنّ السبب الذي يجعلني – أنا العبد – أمتنع عن ذكر الدول الأوروبيّة بوصفها أولويّة؛ هو أنّ هؤلاء لم يعاملونا بنحوٍ حسن خلال هذه الأعوام الماضيّة؛ لم يعاملونا بأسلوب حسن. لقد عامَلَنا هؤلاء في قضيّة الحظر، وقضيّة النفط، ومختلف القضايا، وفي عناوين مزيّفة مثل حقوق الإنسان وأمثال هذه، بنحوٍ سيّئ. لو لم يتعاملوا بهذا الأسلوب السيّئ، لكانوا بالطبع ضمن أولويّاتنا أيضًا، ولكانوا أيضًا ضمن الدول التي تحظى العلاقات معهم بأولويّة بالنسبة إلينا. طبعًا، هناك بضع دول لا ننسى أنواع الأذى التي ألحقتها بنا، وسلوكها المعاند. هذا في ما يتعلّق بهذه [القضيّة]، وهذه كانت توصياتنا في خصوصها.
وأمّا العنوان الأخير في حديثي فهو قضيّة غزّة. إنّها اليوم قضيّة عالميّة. ذات يوم كانت مسألة فلسطين مجرّد مسألة خاصّة بالدول الإسلاميّة، وقد أصبحت قضيّة فلسطين وغزّة اليوم قضيّة دوليّة على مستوى العالم. هذه القضيّة لها انتشارها اليوم، بدءًا من داخل الكونغرس الأمريكيّ، وصولًا إلى الأمم المتّحدة وأولمبياد باريس وسائر الأماكن. إنّ الكيان الصهيونيّ [اليوم] يقدّم عن نفسه الصورة الأقبح لعصابة مجرمة.
هؤلاء ليسوا حكومة، بل عصابة مجرمة. إنّهم عصابة قتَلة، عصابة إرهابيّين. هؤلاء سجّلوا في الاغتيال والقسوة والإجرام – الجرائم المهولة – مستوى جديدًا في تاريخ الإجرام البشريّ حول العالم، [نعم] لقد سجّلوا مستوى جديدًا. تُلقى اليوم قنابل الصهاينة الثقيلة فوق رؤوس مَن لم يُطلقوا حتّى رصاصة واحدة! الأطفال في المهد، والأطفال بعمر خمسة وستّة أعوام، والنساء، والمرضى في المستشفيات؛ هؤلاء جميعًا لم يُطلقوا حتّى رصاصة واحدة على أحد! فلماذا تُلقى القنابل على رؤوس هؤلاء؟ هذه الجريمة جريمةٌ غير مسبوقة. قوّة المقاومة تتنامى أكثر يومًا بعد يوم، والعدوّ الصهيونيّ، رغم كلّ الدعم الذي قدّمته أمريكا، ورغم كلّ الدعم الذي قدّمته بعض الحكومات الخائنة، عجز عن إخضاع قوى المقاومة، ولم يتمكن من التغلّب عليهم. كان الهدف الذي أعلنوه: اجتثاث جذور حماس، لكنّ حماس، حماس والجهاد والمقاومة في فلسطين بنحوٍ عامّ، صمدت اليوم بمنتهى القوّة، وأولئك يعجزون عن فعل أيّ شيء معهم، فيلقون القنابل فوق رؤوس الناس المظلومين في غزّة. يجب على العالم اتخاذ قرار أكثر جديّة أمام هذه الحادثة. يجب على الحكومات، والشعوب، والشخصيّات الفكريّة والسياسيّة في شتّى المجالات، أن يتّخذوا قرارًا جدّيًّا. من هنا، يدرك المرء أيّ عار كبير ألحقه – قبل أمس – الكونغرس الأمريكيّ بنفسه، حين انعقد وأنصتَ لكلام هذا المجرم![4] إنه عارٌ كبير.
نرجو الله المتعالي أن ينصر الشعب الفلسطينيّ المظلوم. نرجو الله المتعالي أن يُبلّغ شعب إيران الإسلاميّة العزيز والعظيم والمفعم، الذي لديه الكثير من التطلعات؛ أهدافَه الساميّة. نسأل الله المتعالي من أعماق القلب أن يوفّق رئيس جمهوريّتنا الجديد العزيز، والحكومة التي ستتشكّل، ويساعدهم على أن يتمكّنوا من إنجاز الأعمال التي يرغبون فيها، ويسعون إليها، ويعلنون عنها، وأن يحقّقوا هذه الأهداف بأحسن وجه، إن شاء الله، فيرفعوا رؤوس الشعب الإيرانيّ. نسأل الله المتعالي علوّ الدرجات لروح الإمام [الخمينيّ] الجليل، والأرواح المطهّرة للشهداء، وروح الشهيد سليماني، وروح الشهيد [السيّد] رئيسي، و[أرواح] رفاقهما، ونرجو أن يُلحقنا الله نحن أيضًا بقافلة الشهداء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

________________________________________
[1] في بدايّة هذا اللقاء، قدّم السيّد أحمد وحيدي (وزير الداخليّة) تقريرًا حول مسار إجراء الانتخابات، ثمّ قرأ حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ محمّدي الكلبايكانيّ (رئيس مكتب قائد الثورة الإسلاميّة) نصَّ حكم التنفيذ لرئاسة الجمهوريّة، ثمّ ألقى السيّد مسعود بزشكيان (رئيس الجمهوريّة) كلمته.
[2] رضا بهلوي.
[3] الشهيد حسين أمير عبد اللهيان (وزير الخارجيّة في الحكومة الثالثة عشرة).
[4] إشارة إلى خطاب بنيامين نتنياهو (رئيس وزراء الكيان الصهيوني) في الكونغرس الأمريكي.

 

 

Khamenei ir

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.almanar.com.lb
بتاريخ:2024-08-09 11:19:32
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version