بعد عامين من الحرب النفسية المكثفة التي شنتها امبراطوريات اعلامية تابعة للثنائي الامريكي الاسرائيلي، والانظمة الرجعية التي تدور في فلك هذا الثنائي المشؤوم، عبر استخدام جيوش من عملاء الخيبة امثال المنافقين وانصار العهد الملكي البائد والمغرضين والحاقدين، جاء الرد حازما حاسما، من قبل الشعب الايراني، وعنوانه الابرز، ان الشعب الايراني اقوى من كل المؤامرات، ولن يتخلى عن ثورته، التي حفظت سيادته ووحدة اراضيه، واعادت كيد الاعداء الى نحورهم.
يمكن وصف ما جرى بالامس في ايران الا بالملحمة، فمن كان يتصور ان يكون الاقبال على صناديق الاقتراع بهذا الشكل، بعد ان استخدم الاعداء كل ما في جعبتهم من سلاح، لزرع الاحباط في نفوس الشعب الايراني، حتى تصاغرت الحرب النفسية، امام باقي الاسلحة الاخرى، كالحصار الاقتصادي الخانق الذي فرضته امريكا والغرب على ايران، والذي خلق وضعا اقتصاديا صعبا للشعب الايراني، والتهديدات العسكرية، وعمليات الاغتيال والتفجيرات واثارة الفتن الداخلية.
في ظل الحرب العسكرية والاقتصادية والنفسية، التي شنتها وتشنها امريكا واذنابها على ايران منذ اكثر من اربعين عاما، والتي تكثفت منذ عامين، لاسيما، بعد احداث الشغب التي شهدتها ايران عقب وفاة الشابة الايرانية مهسا اميني، دفعت بعض المراقبين للمشهد الايراني، الى التحذير من تأثير هذه الضغوط، على بعض شرائح الشعب الايراني، والتي قد تدفعه الى العزوف عن المشاركة في الانتخابات، لكن الذي حدث امس جاء على عكس ما كانت تتمناه امريكا واذنابها، الامر الذي اثار العديد من التساؤلات حول السر الذي يقف وراء المشاركة الكبيرة للشعب الايراني في انتخابات مجلس الشورى ومجلس خبراء القيادة امس.
في زمن بات الخضوع والخنوع لرمز الهيمنة (امريكا) إعتدالا. وقبول ذل التطبيع مع الكيان الاسرائيلي الارهابي المجرم، حكمة. واتخاذ موقف المتفرج على ما يجري من فظائع على الشعب الفلسطيني، حيادا. ومشاركة بعض الانظمة العربية في ذبح الفلسطينيين، عبر اقامة جسر بري، لايصال البضائع الى الكيان الاسرائيلي، لكسر الحصار الذي فرضه اليمن على الكيان، مصلحة، يخرج الشعب الايراني ليقول “لا” كبيرة، لكل هذا الاعتدال المزيف والحكمة الغبية والحياد المخزي والمصلحة العار، رغم كل الضغوط المفروضة عليه بسبب هذه الـ”لا”، التي يرفعها في وجه امريكا منذ اكثر من اربعة عقود.
رغم ان نسبة المشاركة وصلت الى اكثر من 40 بالمائة، الا انها نسبة تعتبر عالية جدا في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها ايران والحرب النفسية والاقتصادية والتهديدات العسكرية، التي تقودها امريكا ضد الشعب الايراني، وهو ما طرح سؤالا في غاية الاهمية، عن “السر” الذي وراء هذه المشاركة اللافتة للشعب الايراني في الانتخابات، في الوقت الذي كانت امريكا واذنابها، يراهنون على عزوف الشعب عن التوجه الى صناديق الاقتراع.
الجواب على هذا السؤال، له جوانب كثيرة، منها حكمة وحنكة ودراية الشعب الايراني، لما يخطط له من مؤامرات تستهدف تقدمه وتطوره وامنه واستقراره وسيادة ووحدة اراضي بلده، ودفاعه عن ثورته ومنجزاتها، التي جعلت من ايران بلدا سيدا قويا مهاب الجانب، بعد ان كان تابعا يتحكم به المستشارون الامريكيون ويعيثون فيه فسادا، ولكن هناك عاملا اخر برز وبقوة، كان وراء هذه الاندفاعة في الانتخابات، وهذا العامل هو سقوط القناع المزيف عن “الديمقراطيات” الغربية، التي صدعوا بها رؤوسنا، على مدى عشرات السنين، وبسببها دُمرت اوطان وشُردت شعوب، ليتم تصديرها الينا، فإذا بهذه الديمقراطيات تتسابق اليوم على ذبح اطفال ونساء غزة، هذه الديمقراطيات التي اصابها العمى عن رؤية جثث الاطفال الفلسطينيين الممزقة، واصابها الصم عن سماع صراخ وآهات الامهات الفلسطينيات الثكلى باطفالهن وازواجهن، واصابها الخرس عن قول الحقيقة، والطامة الكبرى ان هذه الديمقراطيات لم تكتف بذلك، بل باتت تشارك وبشكل مباشر ورئيسي في مذبحة غزة، وذهبت بذلك كل شعارات الديمقراطية والليبرالية وحقوق الانسان وحتى الحيوان ادراج الرياح في امتحان غزة، لذلك اصبح المواطن الايراني اكثر تمسكا بديمقراطيته المعروف بـ”السيادة الشعبية الدينية”، وهي ديمقراطية ترى وتسمع وتتحدث ومسؤولة، ولا تتوانى عن نصرة المظلوم وقول الحق، حتى لو كان الظالم امريكا المتجبرة، والكيان الاسرائيلي الارهابي.
السيادة الشعبية الدينية او الديمقراطية الايرانية، لا تفرز مهووسين كترامب وبومبيو و بولتون ولا مخبولين مثل بايدن و بلينكن واوستن، فالجميع قتلة ومجرمين، فالديمقراطية الايرانية تفرز فقهاء وعلماء ونخبا مسؤولة، عن الانسان المسلم، في اي مكان في العالم، كما هي مسؤولة عن المواطن الايراني، وهذا هو سبب حقد الغرب وعلى راسه امريكا على الديمقراطية الايرانية، لانها ليست نسخة من ديمقراطيتهم، التي ثبت زيفها بالدليل القاطع، بعد الابادة الجماعية في غزة، وهو ايضا سبب تمسك الايرانيين بها، وهو السر وراء خلقهم ملحمة الانتخابات بالامس.
أحمد محمد
المصدر
الكاتب:
الموقع : www.alalam.ir
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-03-02 16:03:28
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي