هآرتس 9/1/2025، الون بنكاس: تطلعات ترامب للتوسع من الصعب اخذها على محمل الجد، لكن لا يجدر الاستخفاف بها
يوجد منطق في تصريحات ترامب حول غرين لاند وقناة بنما. والسؤال هو هل توجد لدينا نحن ايضا خطة. في غضون اسبوع تمكن الرئيس الامريكي القادم دونالد ترامب من اصدار عدة تصريحات تشمل العالم، تتعلق بالدانمارك، اوروبا بشكل عام، بنما، المكسيك وكندا. ترامب اعلن بأن الولايات المتحدة ستقوم بشراء جزيرة “غرين لاند”، الجزيرة الاكبر في العالم، وخلال ذلك قام بتهديد الدانمارك، التي تعتبر غرين لاند في مجال ادارتها، بفرض ضريبة حماية مرتفعة عليها اذا رفضت ذلك. “غرين لاند توجد لها اهمية للامن القومي وحرية الولايات المتحدة”، كتب في صفحته في الشبكات الاجتماعية. الدانمارك اوضح ردا على ذلك بأن غرين لاند ليست للبيع. وزير الخارجية الفرنسي، جان نويل باري، اوضح في مقابلة مع “فرانس انتر” بأن الاتحاد الاوروبي لن يسمح لأي دولة بمهاجمة حدوده السيادية.
ترامب ابلغ بنما بأنه ينوي المطالبة مرة اخرى بالسيطرة على قناة بنما. وحتى أنه رفض التعهد بأنه لن يرسل الجيش لتحقيق السيطرة على غرين لاند وقناة بنما. “ربما سنضطر الى فعل شيء ما”، قال. “قناة بنما هامة جدا بالنسبة لدولتنا. نحن بحاجة الى غرين لاند من اجل أمننا القومي”.
الولايات المتحدة في الحقيقة قامت بحفر هذه القناة في الاعوام 1904 – 1914، لكنها نقلتها في 1999 الى سيادة بنما الكاملة في اعقاب الاتفاق الذي وقع عليه في 1977. ترامب قال ايضا بأن بنما تجبي رسوم مرتفعة وغير منطقية من السفن التي تأتي من الولايات المتحدة وتجتاز الـ 82 كم في القناة، التي تربط بين المحيط الهاديء والمحيط الاطلسي، التي تمر فيها بضائع بمبلغ 270 مليار في السنة. ولتعزيز هذا الادعاء فقد اخترع ترامب قصة لا اساس لها تقول بأن بنما سمحت لقوات عسكرية صينية بأن تسيطر على مداخل القناة، الامر الذي بالطبع يجعل الموضوع “أمن قومي”. واعلن ايضا بأنه سيقوم بتغيير اسم خليج المكسيك الى “خليج أمريكا”، يبدو أن هذه خطوة صغيرة، لأنه في نهاية المطاف المكسيك هي جزء من امريكا.
ترامب واصل من هناك الى الشمال. فبعد أن هدد بفرض رسوم حماية بنسبة 25 في المئة على الاستيراد من كندا الى الولايات المتحدة، بدأ يتحدث عن ضم كندا، وقام بتسميتها “المقاطعة الـ 51”. بعد ذلك كرر هذه الاقوال عدد من السناتورات واعضاء الشرف في جوقة عصابة ترامب. اغلبية الجمهوريين في لجنة الخارجية في مجلس النواب نشرت بيان جريء: “دولتنا تأسست على ايدي المحاربين والباحثين والمكتشفين. نحن قمنا باخضاع الغرب، (غرب الولايات المتحدة)، وانتصرنا في حربين عالميتين وكنا أول من وضع العلم على سطح القمر. الرئيس ترامب لديه الحلم الاكبر بالنسبة لامريكا. والخوف من الحلم الكبير هو أمر غير امريكي”.
هذه الرسالة الدرامية – الكوميدية اضافت اليها اللجنة صورة على الصفحة الاولى في صحيفة “نيويورك بوست” تحت عنوان “عقيدة دونرو (دون، على وزن اسم الرئيس الخامس جيمس مونرو، الذي سميت على اسمه عقيدة مونرو في العام 1823، التي تدعي هيمنة الولايات المتحدة على القسم الغربي للكرة الارضية.
في هذه المرحلة، مثل أي أمر آخر يعلن عنه ترامب، فانه من غير الواضح اذا كان هذا استعراض متغطرس للقوة واظهار للعضلات اللفظية الديماغوجية أو خطة عمل مرتبة سيحاول تطبيقها. بالطبع يمكن رفض كل ذلك والاعتقاد بأن هذه التصريحات الشعبوية، القومية واللامعة، ليست فقط صفة شخصية بارزة لترامب، بل هي اسلوب معروف للقادة المستبدين من اجل اثارة نقاش عام، وهم يعرفون أن أقوالهم سيتم اعتبارها في البداية سخيفة وليس لها أي صلة بالواقع. ولكن من وراء الغاء هذه التصريحات يمكن ايجاد في هذه الطلبات منطق جيوسياسي فيما يتعلق بغرين لاند وقناة بنما. تغيير اسم خليج المكسيك يهدف الى اهانة المكسيك، ليس أكثر من ذلك. والتحدث عن ضم كندا ليس اكثر من محاولة للمس برئيس الوزراء المستقيل جاستن ترودو. المقاطعات العشرة والاقاليم الثلاثة لن يتم ضمها بالتأكيد للولايات المتحدة في ولاية ترامب.
خلال الـ 249 سنة من وجود الولايات المتحدة هي لم تعتبر نفسها في أي يوم امبراطورية بمعنى الكلمة الاوروبي. التمدد نحو الغرب، الى نهر المسيسيبي، كان جزء من “الزيادة الطبيعية”. وشراء منطقة لويزيانا (التي كانت مساحتها اكبر بكثير من ولاية لويزيانا الآن). في فرنسا نابليون في 1803 كان فقط “خلق تواصل جغرافي طبيعي”. مبدأ مونرو من العام 1823، الذي وضعه وزير الخارجية جون كوينسي آدمز، الذي اصبح بعد ذلك الرئيس السادس، اعتبر اذن للولايات المتحدة بالعمل كما تشاء في النصف الغربي للكرة الارضية، لكنه اعتبر من ناحية سكانها مبدأ مناهض للكولونيالية في اساسه، لأنه اراد صد محاولة بريطانيا وفرنسا واسبانيا التدخل في القارتين الامريكيتين وخلق مناطق نفوذ منفصلة.
بعد الحرب العالمية الثانية النظام العالمي الذي اقامته الولايات المتحدة في العام 1945، “السلام الامريكي”، جعلها دولة عظمى، تسيطر وتهيمن على الكثير من المناطق في العالم. الطريقة التي كتب فيها تاريخ الولايات المتحدة حدث تعريفها وصورتها الذاتية. الولايات المتحدة، قيل وكتب، هي النموذج الاول في التاريخ لـ “امبراطورية رغم أنفها”. هي لا تبحث عن الاحتلال ولا تحتاج الى التوسع ولا تعمل على استغلال اقتصادي أو تطمح الى استعباد شعوب ومجموعات. معروف أن الحقيقة معقدة اكثر، بدء بالحروب ضد الشعب الاصلي في امريكا والتصفية الفعلية لشعب الكومانتشي والاباتشي وشراء الاسكا في 1867، والحرب ضد الفلبينيين في 1898، والسيطرة الفعلية على معظم وسط امريكا – لكن بالنسبة لسكان الولايات المتحدة فان “الامبراطورية” و”الكولونيالية” هي مفاهيم اوروبية، وأن الولايات المتحدة قامت بنقيض الحروب الأبدية والاحتلالات الاوروبية.
ما الذي يريده بالضبط ترامب من غرين لاند؟. الرئيس اندرو جونسون حاول في 1867 اضافة الى شراء الاسكا، شراء غرين لاند. يوجد قاسم مشترك آخر بين جونسون وترامب. فكلاهما تم عزله من قبل مجلس النواب بسبب خيانة الأمانة. الدانمارك رفضت. في 1946 فحص الرئيس هاري ترومان اذا كانت الدانمارك ستوافق على بيع غرين لاند مقابل 100 مليون دولار، واكتفى بالاتفاق على قاعدة جوية في شمال غرب الجزيرة. في العام 2019 اوضح ترامب للدانمارك بأن غرين لاند هي بشكل عام عبء اقتصادي يكلف مبلغ 700 مليون دولار كل سنة، وأنه من الجيد لهم التخلص منها. الدانماركيون وصفوا كلامه بأنه “كلام سخيف”، يقتضي تعديل الدستور في الدانمارك، الامر الذي لن يحدث. وردا على ذلك قام ترامب بالغاء زيارته في كوبنهاغن.
الدانماركيون الآن يخشون من أن يعرض ترامب على الـ 60 ألف شخص سكان غرين لاند مليار دولار مقابل تغيير انتماءهم السياسي، لكن الامور تغيرت في العقود الاخيرة. في عهد اندرو جونسون لم يكونوا يعرفوا أنه توجد في غرين لاند معادن نادرة، وفي عهد ترومان التهديد كان الاتحاد السوفييتي سابقا وليس الصين، التي تسيطر الآن على المناطق التي توجد فيها المعادن النادرة في العالم، باستثناء غرين لاند، التي هي المكونات الحيوية لصناعة الفضاء، الحاسوب، السيارات، الاجهزة الطبية والاجهزة العلمية.
ترامب الذي خلال سنين سمى الاحتباس الحراري بـ “خدعة صينية”، اكتشف فجأة بأن السيطرة على طرق الملاحة في الدائرة القطبية ستكون ممكنة عند ذوبان جبال الجليد الضخمة. الآن تم تسجيل ارتفاع 37 في المئة في الملاحة البحرية من جنوب القطب الشمالي، الانتقال في البحر من الصين الى غرب اوروبا اقصر 40 في المئة مقارنة بالابحار في قناة السويس، التي يمر فيها 60 في المئة من تصدير الصين الى اوروبا. يبدو أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تسمح للصين بالسيطرة على هذا الممر، لا سيما في جزيرة كبيرة مثل غرين لاند، التي لها اهمية استراتيجية لخطوط الملاحة في المضائق الكبيرة بين غرين لاند وآيسلاندا، وبين آيسلاندا واسكتلندا.
يمكن ايجاد منطق جيوسياسي في تصريحات ترامب المنمقة اذا نظرنا اليها بعناية. المشكلة هي في الفجوة بين تصريحاته وترجمتها الى سياسة مرتبة. هذا صحيح فيما يتعلق بكوريا الشمالية، ايران والصين، وربما يسري ذلك ايضا على غرين لاند وقناة بنما.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-01-09 15:16:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>