تعاميم للتعليق: لا جرأة لمقاربة “توزيع الخسائر” (الأخبار)

كتبت “الأخبار”:

يعدّ ملف التعميمين 675 و676 جزءاً من مقاربة توزيع الخسائر وأموال المودعين الذي لم تتجرّأ السلطة على مقاربته خارج البروباغنذا السائدة منذ انفجار الأزمة: الودائع مقدّسة، لا توجد خسائر. وهذه التعاميم قد تتحوّل إلى سبب إضافي للخلافات التي بدأت تظهر بين الحاكم ونائبيه سليم شاهين وبشير يقظان

عندما أصدر المجلس المركزي لمصرف لبنان، في مطلع الشهر الجاري، قراره بتأجيل تطبيق التعميمين 675 و676، كان الهدف إدخال تعديلات تتلاءم مع ملاحظات وردت من جمعية المصارف، ولجنة الرقابة على المصارف تتمحور حول ما يفرضه التعميمان على المصارف لجهة تصفية خسائر بقيمة تصل إلى 5 مليارات دولار، أو بيع الفائض لمصرف لبنان بسعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة. وطلبت المصارف من الحاكم بالإنابة وسيم منصوري تأجيل التعميم وإقرار تعديلات عليه، ولجنة الرقابة اعتبرته غير عادل لأنه يسحب أموالاً من المصارف التي لديها فائض، ويمنح المتجاوزين فرصة لتحسين أوضاعهم. وعرض منصوري الأمر في المجلس المركزي، فتقرّر تأجيل التطبيق لمدّة شهر، لكن تكاد تمضي المدّة المتفق عليها ولم يُتفق بعد على التعديلات.

تصفية بعض من الخسائر
التعميمان يتطرّقان إلى آليات احتساب مراكز القطع والتجاوزات بشأنها تبعاً لأسعار الصرف. هي آليات معقّدة تقنياً، إنما خلاصة ما ورد فيهما تشير إلى أن تطبيقهما يخلّص مصرف لبنان من فجوة بقيمة تصل إلى 5 مليارات دولار وتخفّض خسائره من 72 حالياً إلى 67 مليار دولار. أحد عناصر هذه الفجوة هو مراكز القطع المفتوحة والتجاوزات التي سجّلتها المصارف في ميزانياتها. فعلى سبيل المثال، يدفع المصرف للزبون من وديعته مبلغاً بالدولار (غير الفريش) لكنّ المصرف فعلياً لا يملك هذه الدولارات بل لديه مقابلها دولارات موظّفة في أوراق مالية لدى مصرف لبنان. وهذا الأخير لا يدفع قيمة هذه الأوراق لأنه أيضاً لم تعد لديه دولارات تكفي لتسديد كل الدولارات الموظّفة لديه من المصارف. يستمر المصرف في تسديد ما يطلبه الزبائن بالشيكات المصرفية بالدولار، ويواصل تسجيل هذه الدولارات في مراكز القطع لديه. وقد تراكمت القيم الدائنة في مراكز القطع لتبلغ أكثر من 9 مليارات دولار، ثم انخفضت إلى نحو 7.5 مليارات دولار وفق مصادر مطّلعة. القسم الأكبر من هذه الأموال هو تجاوزات في مراكز القطع التي يُفترض إغلاقها في نهاية السنة المالية.

بعض المصارف طبّقت زيادات رأس المال التي طلبها مصرف لبنان قبل أكثر من سنتين، وبالتالي بات عليها أن تغلق مراكز القطع من الزيادات في رساميلها، وبعضها الآخر لم يزد رأسماله بما هو مطلوب منه. وبالتالي، باتت لدينا مصارف لديها مراكز قطع سلبية، ومصارف قليلة جداً لديها فائض في مراكز القطع، فأتى التعميم 675 ليفرض على المصارف الآتي:

أموال المودعين أيضاً
باختصار، ما يعنيه ذلك، هو أنه على المصارف أن تضخّ رساميل بالعملة نفسها لتغطية هذه المراكز إذا كانت دائنة (سلبية)، أو عليها أن تبيع الفائض لمصرف لبنان بسعر 15 ألف ليرة لتغطية المراكز إذا كانت مدينة (فائضة). وإلا ستتم إحالتها إلى الهيئة المصرفية العليا.
يُعدّ هذا العمل قاصراً عن المحاسبة الكاملة للمصارف، إلا أنه يمثّل بشكل ما، دفعاً في اتجاه تصفية بعض من الخسائر في القطاع، وبالتالي يفرض على المصارف المتجاوزة أن تضخّ رساميل جديدة لتغطية المراكز المفتوحة. لكنّ المصارف التي ترفض أي خطوة في اتجاه تحميلها أي خسائر ناتجة عن سوء أمانتها وإدارتها للودائع، رفضت الأمر وزارت منصوري فور تسلّمه مهام الحاكمية وطلبت منه تعليق تطبيق التعميمين، وتجاوب منصوري معهم، وحمل الأمر إلى المجلس المركزي فأصدر التعميم 677 الذي يعلّق العمل بهما لأن «مصرف لبنان ما زال في طور مناقشة تطبيق بعض أحكام القرارين».
تقول مصادر مطّلعة، إن النقاش في جلسة المجلس المركزي بتاريخ 30/8/2023 التي صدر منها قرار التعليق، جرى تعليقه لمدة شهر على أن يعاد النظر فيه بعد انقضاء هذه الفترة. واستند الأمر إلى وجود ملاحظات من لجنة الرقابة على المصارف تُختصر بالآتي: المصارف التي زادت رساميلها ستتراجع ملاءتها المالية، والمصارف التي لم تزد رساميلها أو زادتها بحدود متدنّية ستتحسن ملاءتها المالية.

المجلس المركزي أقرّ التعميمين بغية شطب خسائر بـ5 مليارات دولار

وتشير مصادر في اللجنة إلى أن التعميمين استندا إلى معايير محاسبية دولية أبرزها (I AS 21) الذي يحدّد طريقة تطبيق أسعار الصرف المتقلّبة بالعملة الأجنبية على ديون المصارف ورساميلها، إنما التعميمان جاءا مخالفيْن لذلك.
في الواقع، إن الهاجس الذي يُجمع عليه كل المعترضين على التعميمين، أنه في حال تطبيقهما سيتحتم على المصارف التحرّك على جبهة الخسائر بينما هي لا تريد ذلك من دون التوصل إلى اتفاق مع الحكومة على برنامج شامل لكل الخسائر.
عملياً، هذا النقاش ما زال مرتبطاً بنقاش أوسع عنوانه «توزيع الخسائر» و«أموال المودعين». الكل أجبن من اتخاذ قرار واضح بشأنهما، لذا لا يُتوقع القيام بأيّ خطوات في هذا الاتجاه، بل على العكس ستكون هناك خطوات متباطئة ومتثاقلة في اتجاه تمرير المزيد من الوقت. الكل أصبح أسيراً لهذه الكذبة المسماة «أموال المودعين»، والسلطة ترفض اتخاذ أي قرار حاسم بالقول للمودعين إن لهم حقوقاً على المصارف وإن عليهم خسائر، وهذا ينطبق على كل القوانين المطلوبة مثل قانون الكابيتال كونترول، وقانون إعادة هيكلة المصارف، وقانون الفجوة المالية في مصرف لبنان… كل الأفراد في لبنان وكل النشاطات الاقتصادية أصبحوا أسرى لهذه الكذبة، ولا يجرؤ أحد على أن يصارح الرأي العام.

نشير إلى لقاء أجراه أخيراً رئيس وفد صندوق النقد في لبنان، إرنستو راميريز ريغو، قال فيه للمسؤولين: ألّفوا لجنة للحقيقة.

المصدر
الكاتب:Multimedia Team
الموقع : otv.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-09-21 08:49:49
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version