تهديد ويتكوف المبطن يهز مصر

هآرتس 24/3/2025، تسفي برئيل: تهديد ويتكوف المبطن يهز مصر

بصوته الهاديء والناعم، ونبرته الثابتة، القى المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، قنبلة صادمة قوية زرعت الرعب وارسلت موجات ارتدادية مزلزلة الى مصر، وليس فقط لوحدها. في المقابلة المطولة مع تاكر كارلسون وضع ويتكوف مصر على طاولة العمليات، وبدون تخدير أو اعداد قال إن مصير المنطقة مرهون بمصير غزة، وأن مصر توجد الآن في خطر. “كل ما حدث في لبنان، مثل تعيين الرئيس الجديد بفضل تصفية السنوار وحسن نصر الله، كل ذلك يمكن أن ينقلب اذا فقدنا مصر”. وبالنسبة له، لماذا نفقد مصر؟ لأنه في مصر، حسب الإحصاءات، توجد نسبة بطالة عالية جدا، وفي أوساط الشباب في جيل اقل من 25 سنة تصل النسبة الى 25 في المئة. الدولة لا يمكنها العيش في ظل نسبة بطالة كهذه حسب قوله.

“بدرجة كبيرة هم مفلسون وبحاجة كبيرة للمساعدة. اذا كان لدينا حدث سيء في مصر فان هذا سيعيدنا الى الوراء”، أوضح المبعوث الأمريكي. “كل مكونات الانفجار كانت في هذه الكبسولة اللفظية التي جمعها ويتكوف بمهارة. فربط مستقبل 110 مليون مواطن مصري بمصير مليوني مواطن في غزة كان الجزء الحساس في الإهانة. من هنا تطور الامر الى درجة اعتبار مصر دولة مفلسة. نسبة البطالة غير دقيق، لأنه حسب الإحصاءات الرسمية في مصر التي تظهر في أبحاث غربية أيضا، فان نسبة البطالة هي 6.3 في المئة، وفي أوساط الشباب ارتفعت النسبة الى 14.5 في المئة. التشخيص الصادم، الذي يؤكد على أن مصر لن تتمكن من الاستمرار مع نسبة بطالة كهذه، وأخيرا هناك الإشارة الخفية ولكن المهددة، اعتماد مصر على المساعدات، الامريكية بالطبع. 

في مصر شاهدوا علاقة مباشرة بين نشر المقابلة وبين التقرير الذي نشر قبل يوم في صحيفة “الاخبار” اللبنانية، المقربة من حزب الله، الذي بحسبه مصر وافقت على استيعاب بشكل مؤقت نصف مليون غزي في مدينة ستتم اقامتها في شبه جزيرة سيناء. مصر خرجت عن اطوارها كي تنفي رسميا هذا التقرير، وتلقت بالتحديد من ويتكوف صفعة هزتها. والردود لم تتأخر. “ويتكوف هو مبادر عقارات لم يقرأ التاريخ، هو لا يعرف الخطوط الجغرافية، ولا يعرف طبيعة المنطقة وتعقيداتها أو دور مصر في المنطقة”، كتب الصحفي والمحلل المصري نشأت الديهي. “مصر ليست دولة مفلسة، ولتذهب مساعداتكم الى الجحيم”، أضاف المحلل. 

مساعد وزير الخارجية المصري السابق حسين الهريدي اكمل ترديد الغضب عندما اتهم في مقابلة مع صحيفة “الشرق الأوسط” السعودية اقوال ويتكوف بأنها “تهديد مبطن لمصر، وأن تصريحاته هي نوع من الابتزاز وفرض الخوف على مصر من اجل الضغط عليها للموافقة على تهجير قسري للفلسطينيين ومن اجل عدم افشال محاولة تصفية القضية الفلسطينية”؛ الصحافي المعروف احمد موسى أضاف “رغم المشكلات الاقتصادية الصعبة في مصر إلا أننا ساعدنا اخوتنا الفلسطينيين بأموالنا وعرقنا وساهمنا بـ 75 في المئة تقريبا من اجمالي المساعدات الدولية التي دخلت الى قطاع غزة. الشعب في مصر سيقف امام جميع الضغوط وليكن ما يكون، ونحن لن نسمح بتمرير خطة التهجير من اجل الحفاظ على الأمن الوطني في مصر”.

مصر وبحق تمر بصعوبات اقتصادية كبيرة، لكن ليس بسبب غزة. إضافة الى ذلك الرئيس عبد الفتاح السيسي نجح في اجراء عدة إصلاحات اقتصادية معقدة، من بينها خطوات كانت فيها إمكانية كامنة لضعضعة استقرار الدولة، مثل رفع أسعار الوقود، وبعد ذلك رفع أسعار الخبز، الامر الذي لم تتجرأ على المس به قبله أنظمة خلال عشرات السنين، وبعد ذلك قام بتعويم سعر الجنيه المصري الذي انخفض سعره 40 في المئة مقابل الدولار. ولكن أساس نجاح السيسي هو في تجنيد دول الخليج ووضعها في الدور لاستثمار عشرات مليارات الدولارات في الدولة، ومن بين المشاريع دولة الامارات تعهدت باستثمار حوالي 35 مليار دولار في مشروع عقارات، والسعودية تعهدت باستثمار 10 مليارات دولار، وقطر يتوقع أن تزيد استثماراتها في مصر الى 7 مليار دولار.

صحيح أن طوق النجاة الاقتصادي الذي تلف به دول الخليج مصر، الذي هو اكبر بعشرة اضعاف من حجم المساعدات التي نحصل عليها من الولايات المتحدة، ما زال غير كاف من اجل اخراج مصر من صعوباتها. وبالاساس هو لا يعتبر البديل للدعم السياسي والعسكري الذي تحصل عليه مصر من الولايات المتحدة، التي تفتح للقاهرة أبواب مؤسسات التمويل الدولية، ولكنها تسمح لها برسم الخطوط الحمراء ومواجهة الضغط السياسي الثقيل، مثل  الضغط الذي استخدمه منذ فترة غير بعيدة الرئيس ترامب من اجل أن تستوعب هي والأردن 2 مليون غزي. ترامب تراجع في هذه الاثناء عن هذا الطلب وأوضح بأنه لن يكون اخلاء قسري لسكان غزة، وذلك بعد أن قام باجراء عدد من “المحادثات الصادقة” مع حاكم السعودية محمد بن سلمان. ولكن عندما يسمعون في مصر تشخيص ويتكوف، وبعد يوم يسمع عن إقامة “إدارة الهجرة الطوعية” في إسرائيل، فان القلق يعود الى واجهة الساحة العامة. 

مصر ساعدت وهي مستعدة للاستمرار في مساعدة سكان غزة. وهي أيضا تطمح الى المشاركة في مشروع إعادة اعمار القطاع، الذي اذا تم تطبيقه فان من شأنه أن يحقق لها أرباح كبيرة. ولكن استيعاب سكان من القطاع فيها، حتى لو جاءوا بشكل “طوعي”، هو قصة مختلفة كليا. بالنسبة للقاهرة الحديث يدور عن تهديد متعدد الطبقات، يبدأ بالخوف على الامن القومي وخطر أن تنمو في داخل اللاجئين الذين سيتم استيعابهم بؤر إرهابية سترغب في العمل ليس فقط ضد إسرائيل، بل ستتعاون مع منظمات تعمل الآن في داخل مصر. مصر ما زالت تخوض حرب ضروس دموية ضد المنظمات الإسلامية المتطرفة. والامر الأخير الذي تحتاجه الآن هو أن تحصل هذه المنظمات على زيادة تتمثل في قوة عسكرية مدربة حاربت في غزة. 

إن استيعاب غزيين في مصر يعني من ناحية وطنية “تصفية القضية الفلسطينية”، كما كتب الديهي، ونقل حلها الى حدود مصر حتى لو تم حبس اللاجئين في مدينة خاصة ستقام من اجلهم، وتحصل مصر من اجلهم على أموال طائلة. هذا أيضا هو السبب في أن الفكرة التي طرحها يئير لبيد التي بحسبها ستتولى مصر السيطرة على القطاع لفترة محدودة، هي فكرة مدحوضة كليا. في الواقع مصر استوعبت 100 ألف غزي، الذين هربوا اليها في بداية الحرب عندما كان معبر رفح مفتوح. ولكنها تقيد بشكل كبير حرية حركتهم، وتمنعهم من العمل، وهم حتى لا يمكنهم الحصول على مساعدات الاونروا، لأن هذه المنظمة غير مسموح لها بالعمل في مصر وتوجد لها ممثلية صغيرة فقط. 

المرضى والمصابون الذين دخلوا مصر يوجدون في المستشفيات بشروط اعتقال مقيدة. في مرات كثيرة يطلب منهم شراء الادوية لانفسهم، والمرافقون لهم مسموح لهم الخروج من المستشفى فقط بمرافقة رجال الأمن ولفترة محدودة. ريفييرا مصرية على صيغة ترامب لا تنتظر اللاجئين الذين سيهاجرون اليها بشكل طوعي. رفض مصر استيعاب سكان غزة مدعوم بصورة وثيقة بمواقف جميع الدول العربية، وعلى رأسها السعودية التي تتبنى الخط الأكثر تصلبا ضد خطة الترانسفير. ترامب وويتكوف يعرفان جيدا موقف السعودية، وهي الدولة التي يعتمد عليها بشكل كبير تشكيل سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. ولكن عندما تحدث ويتكوف عن الربط بين غزة وبين التطبيع المأمول بين إسرائيل والسعودية، لسبب ما “نسي” ذكر أن “تغيير السكان في غزة”، حسب رأيه، يتوقع أن يتحطم على صخرة معارضة السعودية، ومعه حلم التطبيع.

ويتكوف الذي يتحدث عن التطلع الى توسيع دائرة الدول التي ستنضم الى اتفاقات إبراهيم، لا يتحدث عن الخطر الذي ستشكله خطة الترانسفير على العلاقات بين إسرائيل ومصر واتفاق السلام بين الدولتين. 

عندما تقوم إسرائيل بتوسيع حجم العملية العسكرية في غزة، وفي الجيش يتحدثون عن احتلال لفترة طويلة وسيطرة مدنية وليس فقط عسكرية في القطاع، وعندما فكرة “الهجرة الطوعية” تتطور الى خطة عملياتية – فان الخوف في مصر هو من احتمالية أن الترجمة العملية لهذه الهجرة هي أن إسرائيل ستقوم بفتح، بمبادرة منها، فتحات عبور بين غزة ومصر وستسمح للسكان الراغبين في ذلك بالانتقال الى الطرف الثاني للحدود. المعنى هو أن مصر ستواجه خيارين، إما استيعاب في اعقاب الضغط مئات آلاف اللاجئين، أو وضع امامهم قوة عسكرية تمنع دخولهم. تأثير هذه السيناريوهات على العلاقات بين مصر وإسرائيل يمكن أن يكون كارثي. اذا حدث “حادث سيء”، الذي يتوقع أن يحدث لمصر والذي حذر منه ويتكوف، فان هذا هو الحدث. من اجل منعه فان ويتكوف والرئيس ترامب يجب عليهما أن يكونا اكثر وضوحا وحزما والقول بأن أي هجرة مهما كانت، حتى لو بالاكراه، ليست خطة عمل وليست المسار للحل.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-03-24 16:05:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

/a>

Exit mobile version