هل يمكن أن يغيب العقل عن مجتمع بأكمله، بما في ذلك الدولة والصحافة ليس للحظة عابرة بل لوقت طويل؟ مثل هذا التساؤل يقف أمام قصة من كانت تعد لتكون أصغر قائدة طائرة بالولايات المتحدة.
الكثير من الأمهات والآباء لا يتركون أبناءهم الصغار وهم يمشون على الأرض من دون عين يقظة تحرسهم ولا تغفل عنهم. شاعر عربي من صدر الإسلام نظم يقول عن ذلك:
بطلة القصة وضحية المأساة، طفلة أمريكية تدعى جيسيكا دوبروف، ولدت في 5 أيّار عام 1988. والدها كان شغوفا بالطيران وكان في شبابه يحلم أن يصبح طيارا حربيا، لكنه لم يتمكن من ذلك.
في سن السادسة شاهدت الطفلة الصغير جيسيكا المطار لأول مرة. انتقل إليها الشغف بالطيران من والدها. بدأت تتدرب على قيادة طائرة صغيرة من طراز”سيسنا 177 بي”، تحت إشراف طيار خبير يدعى جو ريد.
أصبح الطيران بفعل تأثير والدها، حلم حياة الطفلة الصغيرة التي كانت تتلقى تعليمها في المنزل ولم تكن تذهب إلى المدرسة. علاوة على ذلك لم يكن لديها جهاز تلفزيون في بيتها ولا حتى ألعاب أو كتب، كما أنها كانت نباتية في نظامها الغذائي. هل هي من اختار كل ذلك؟ لا أحد يعلم.
تمكنت جيسكا من قيادة الطائرة بمفردها. كانت تطير بالطبع صحبة مدربها ووالدها، لكنها كانت الربان. سجلت حينها حوالي 36 ساعة طيران، وكانت مستعدة لتسجيل رقم قياسي طلب منها، كي تدخل موسوعة “غينيس”.
الوصول على هذا الهدف كان يتطلب أن تقود الطائرة على مراحل انطلاقا من خليج “هاف موون” في كاليفورنيا في أقصى غرب الولايات المتحدة وصولا إلى مدينة فالماوث في ولاية ماساتشوستس الواقعة في أقصى شرق البلاد. ما يعني أن الهدف أن تقطع الولايات المتحدة جوا من المحيط إلى المحيط، وأن تفعل ذلك قبل أن تبلغ سن الثامنة، لتحطم الرقم القياسي السابق.
الرقم القياسي الأخير المسجل في موسوعة “غينيس” يعود إلى طفلة تدعى راشيل كارتر. الرقم سُجل في عام 1994 حين كانت هذه الطفلة تبلغ من العمر 9 سنوات. في العام التالي كرر طفل يبلغ من العمر 8 سنوات هذا الإنجاز، إلا أنه لم يسجل في موسوعة الأرقام القياسية لأن فئة “أصغر طيار” استبعدت بعدها من الموسوعة. مع ذلك كان على جيسكا أن تسرع لتحطم هذا الرقم على الرغم من أنه غير رسمي.
كيف كان بمقدورها وهي في السابعة من العمر أن تقود طائرة وقامتها لا يزيد طولها عن 127 سنتمترا؟ التفسير بسيط. تم تزويد الطائرة التي تقودها بأجهزة خاصة تمكنها من التحكم في دواساتها، كما تم استبدال مقعد القيادة بمقعد مناسب لطفل.
المغامرة التي أطلق عليها اسم “من البحر إلى البحر الساطع” نجحت في مرحلتها الأولى ووصلت إلى مدينة شايان بولاية وايومنغ على أن تكون محطتها التالية، مدينة فورت وأين بولاية إنديانا.
كان من المفترض أن يسجل الرقم القياسي في 12 نيسان عام 1996. الصحفيون كانوا يلاحقون المغامرين الثلاثة، ويكتبون عن “طموح” الطفلة الذي لا يُحد، و”قدرتها” الاستثنائية على الطيران، من دون أن يخطر ببال أحد أنها مجرد طفلة صغيرة في لعبة للكبار.
شهود عيان ذكروا فيما بعد أنهم سمعوا حوارا بين والد الطفلة جيسكا ومدير محطة إذاعية محلية. ناقش الرجلان التدهور الحاد في حالة الطقس، وطلب الرجل تأجيل الرحلة من أجل سلامة ركاب الطائرة الثلاثة بمن فيهم الطفلة الصغيرة، إلا أن والد جيسكا رفض بشكل قاطع.
كانت الطائرة تحمل وقتها حمولة وزنها حوالي 48 كيلو غراما. اشتدت العاصفة في الصباح إلا أن الحماسة وترقب تسجيل رقم قياسي أعمى أعين الجميع.
جلست الطفلة جيسكا على مقعد القيادة وإلى جانبها مدربها، فيما جلس والدها في الخلف. في الساعة 08:24 انطلقت الطائرة الصغيرة وسط عاصفة قوية وتساقط للثلوج مصحوب برؤية ضعيفة للغاية. بدأت الطائرة تعلو بصعوبة.
فجأة توقف صعود الطائرة وبدأت تهوي. سقطت وارتطمت بالأرض على بعد كيلو متر واحد من مدرج مطار مدينة شايان. انتهت الرحلة الخطرة بمقتل الركاب الثلاثة على الفور.
صمت الجميع في وجوم بعد تلك الفاجعة. بعد ساعات أعلنت إدارة الطيران الامريكية أنها ستراجع قواعد قبول الأشخاص الذين ليس لديهم تراخيص للطيران من أجل السماح فقط للأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 16 عاما بقيادة الطائرات.
لاحقا، وقع الرئيس الأمريكي حينها، بيل كلينتون على قانون إعادة تفويض للطيران الفيدرالي لعام 1996، تضمن حظرا على من هم دون سن 16 من محاولة “تسجيل رقم قياسي أو الانخراط في مسابقة طيران أو إنجاز طيران”.
كانت جيسكا الصغيرة التي أريد لها أن تكون “بطلة” تحلم بأن تنطلق بطائرتها حين تبلغ سن الـ16 من الولايات المتحدة إلى أوروبا، بعد أن تحصل على رخصة طيران وإذن رسمي.
والدها كانت لديه خطط أخرى لا تحتمل التأجيل. الرجل كان يريد تحقيق مكاسب مالية من مغامرة طفلته الصغيرة. فعل ذلك وهو يعتقد خاطئا أنه يصعد بابنته إلى سدة المجد.
The post "جيسيكا" ضحية لعبة الكبار appeared first on LebanonFiles.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.lebanonfiles.com
بتاريخ:2024-04-12 10:43:06
الكاتب:Francois