خطبة الجمعة 1-3-2024: المساجد ودورها في المواجهة
الشيخ دعموش: لن تخرج المقاومة من المعركة إلّا بنصر جديد.
رأى نائب رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله الشيخ علي دعموش “أننا بفعل جهاد المقاومين والشهداء وعطائهم وتضحياتهم نحمي بلدنا ونردع عدونا عن القيام بحرب واسعة على لبنان، لأن العدو الإسرائيلي يعرف أنه في مواجهة المقاومة الإسلامية في لبنان لن يربح الحرب”، وأضاف أن: “هذا ما تؤكده كل تجاربه السابقة التي يجب أن يتعلم منها”.
وخلال خطبة الجمعة التي ألقاها في مجمع السيدة زينب (ع) في الضاحية الجنوبية، شدّد الشيخ دعموش على أن “العدو لم ينجح في أي حرب مع حزب الله في لبنان، وفي كل مرة كان يفشل، ويعجز عن تحقيق أهدافه، ويخرج من الحرب وهو يعاني مرارة الهزيمة”، وقال: “اليوم إذا شنّ العدو حربًا واسعة على لبنان، الفشل الذي سينتظره سيكون أعظم من أي مرة سابقة، ولن يخرج من الحرب إلا بهزيمة جديدة”.
وتابع: “واهم العدو إذا كان يعتقد أنه بالاغتيالات والغارات والتدمير يمكنه أن يكسر إرادتنا أو إرادة أهلنا في الجنوب أو أن يدفعنا إلى التراجع عن موقفنا بالدفاع عن بلدنا ومساندة غزة، فنحن أهل المقاومة والثبات والصبر ولا شيء يمكنه أن يجعلنا نضعف أو نتخلى عن مسؤولياتنا الدينية والأخلاقية والإنسانية والوطنية في الدفاع عن أهلنا ووطننا والمظلومين في غزة”.
وختم سماحته مؤكدًا أن “المقاومة ستواصل الرد على الاعتداءات والاستهدافات الإسرائيلية بكل قوة وحزم وبما يناسب كل اعتداء واستهداف، وستستمر في المواجهة حتى وقف العدوان على غزة أيا كانت التضحيات، ولن تخرج من المعركة إلا بنصر جديد إن شاء الله”.
نص الخطبة
الاسبوع الاخير من شهر شعبان المعظم هو اسبوع للمسجد، نستعيد فيه الحديث عن اهمية الحضور في المساجد والعبادة فيها، ودورها في المواجهة الايمانية والثقافية والاخلاقية والجهادية الدائرة مع العدو .
فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم:(إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ).
إعمارالمساجد، الحضور فيها والاعتياد على المجيء اليها للصلاة والعبادة، وتحصيل المعارف، واكتساب الأصدقاء، وتمتين العلاقات، وغير ذلك من الفوائد التي يحصل عليها الانسان المؤمن في المسجد.
في الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام): من اختلف إلى المسجد أصاب إحدى الثمان: أخاً مستفاداً في الله، أو علماً مستطرفاً، أو آيةً محكمةً، أو يسمع كلمة تدلّ على هدى، أو رحمةً منتظرة، أو كلمةً تردّه عن ردي، أو يترك ذنباً خشيةً أو حياء.
وارتياد المساجد علامة الايمان والهداية والتدين والالتزام بالفرائض والخشية من الله وحده، فإذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان والالتزام والاستقامة، لأنّ الله سبحانه وتعالى يقول: ﴿ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ وإذا سئلتم عمّن لم يشهد الجماعة والصلاة في المسجد فقولوا لا نعرفه.
المسجد هو مكان للهدى والاستقامة واظهار العبودية لله، ومدرسة لغذاء العقل والقلب والروح، وواحة للأنس مع الله، وموقع للذكر والتوجه الى الله، وميدان للعلم والجهاد وادارة شؤون الناس، وهو يختلف عن اماكن العبادة لدى الاديان الأخرى.
إذا أراد الانسان أن يكون طبيباً او مهندسا او محاميا او صاحب اختصاص معين، لا بد من ان يذهب للجامعة ليتعلم فيها ، وإذا أراد أن يكون مؤمناً مهتدياً مستقيماً عارفاً لحقيقة الحياة الدنيا، عارفاً لحقيقة الإنسان، فان الايمان والهدى والاستقامة نجدها في المسجد ونتعلمها في المسجد.
ولأجل كل ذلك اكد الاسلام على الحضور في المساجد، وجعل ثواب المشي اليه عظيما جدا، واعتبر ان الصلاة جماعة في المسجد هي من المستحبات الأكيدة في جميع الفرائض اليومية ، وخصوصا لجيران المسجد أو من يسمع النداء، وقد ورد في فضلها وذم تاركها ما كاد يجعلها من الواجبات.
رُوِيَ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ( عليه السَّلام ) أنهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه و آله ) : أَلَا وَ مَنْ مَشَى إِلَى مَسْجِدٍ يَطْلُبُ فِيهِ الْجَمَاعَةَ ، كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ سَبْعُونَ أَلْفَ حَسَنَةٍ ، وَ يُرْفَعُ لَهُ مِنَ الدَّرَجَاتِ مِثْلُ ذَلِكَ ، فَإِنْ مَاتَ وَ هُوَ عَلَى ذَلِكَ ، وَكَّلَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ بِهِ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلَكٍ يَعُودُونَهُ فِي قَبْرِهِ ، وَ يُبَشِّرُونَهُ ، وَ يُؤْنِسُونَهُ فِي وَحْدَتِهِ ، وَ يَسْتَغْفِرُونَ لَهُ حَتَّى يُبْعَثَ .
فعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: من مشى إلى المسجد لم يضع رجلا على رطب ولا يابس إلا سبحت له الأرض إلى الأرضين السابعة.
ويقال ان رجلا من الأنصار كان يسكن بعيداً عن المسجد، ومع ذلك فكان يحرص على الـصلاة خلف رسول االله (ص) ، ولا يتخلف عن حضور الجماعة في كل اوقات الصلاة، مما جعل الناس يشفقون عليه، فعرض عليه أحد الصحابة المسورين أن يشتري له حماراً يركبه حتى لا يأتي ماشيا في الحر الـشديد علـى الرمال، او يشتري له منزلا قرب المسجد، فقال الرجل: ما يسرني أن يكون منزلي إلى جنب المسجد، لأني أريد أن يكتب الله لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي. (أي: يكتب االله لي ثواب كل ذلك.) فعلم االنبي(ص) بما قاله الرجل، فقال له النبي (ص) : “قد جمع الله لك ذلك كلـه (أي ثواب كل ذلك، ذهابك ورجوعك).
وفي رواية اخرى عن الامام الصادق (عليه السلام): الصلاة خلف العالم بألف ركعة.
ولذلك اولا: لا ينبغي هجران المساجد وترك الحضور والصلاة فيها، لان لذلك عواقب ونتائج سيئة ، فعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: شكت المساجد إلى الله تعالى الذين لا يشهدونها من جيرانها، فأوحى الله إليها وعزتي وجلالي لا قبلت لهم صلاة واحدة، ولا اظهرن لهم في الناس عدالة، ولا نالتهم رحمتي، ولا جاوروني في جنتي.
وثانيا: لا يجوز ترك الصلاة جماعة في المسجد تراخيا او تساهلا او تهاونا أو استخفافا بها، ففي الحديث: لا صلاة لمن لا يصلي في المسجد إلا من علة، ولا غيبة لمن صلى في بيته ورغب عن جماعتنا، ومن رغب عن جماعة المسلمين وجب على المسلمين غيبته وسقطت بينهم عدالته ووجب هجرانه، وإذا دفع إلى إمام المسلمين أنذره وحذره فإن حضر جماعة المسلمين وإلا أحرق عليه بيته .
و عن الامام الصادق (عليه السلام) أن أمير المؤمنين (عليه السلام) بلغه أن قوما لا يحضرون الصلاة في المسجد، فخطب في الناس وامر بمقاطعتهم وعزلهم فقال: إن قوما لا يحضرون الصلاة معنا في مساجدنا، فلا يؤاكلونا ولا يشاربونا ولا يشاورونا ولا يناكحونا ولا يأخذوا من فيئنا شيئا، أو يحضروا معنا صلاتنا جماعة، وإني لاوشك أن آمر لهم بنار تشمل في دورهم فاحرق عليهم أو ينتهون، قال: فامتنع المسلمون عن مؤاكلتهم ومشاربتهم ومناكحتهم حتى حضروا الجماعة مع المسلمين.
فمقتضى الإيمان عدم ترك الصلاة جماعة في المسجد من دون عذر لا سيما مع الاستمرار على الترك.
وهناك آداب للمسجد لا بد من مراعاتها واهمها:
اولا: تعظيم بيوت الله، لان الانسان في المسجد هو ضيف في بيت الله، وإذا كان من حق الضيف أن يُكرمه صاحب البيت ، فان من واجب الضيف أن يتأدب مع صاحب البيت وان لا يأتي بما يخل بمكانته وحرمته، لذلك أول أدب من آداب المسجد تعظيم بيوت الله ؛ كما قال تعالى :﴿ ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾.
ثانيا: ان يلبس أفضل ثيابه، وان يأتي الى المسجد بهيئة حسنة وشكل حسن، حيث يقول تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾والزينة هي إشارة إلى كل زينة مادية اي ياتي وقد لبس الثياب المرتّبة الطاهرة النظيفة والجميلة ، ويمكن أن تكون إشارة ايضا إلى كلّ زينة معنويّة اي ياتي الى المسجد بنيّة صافية وصادقة ومخلصة . فلا يليق بالمؤمن، ولا يليق ببيت الله سبحانه، ان ياتي الى المسجد وقد لبس ثيابا متسخة او ياتي بالشرط او باي لباس يظهر أجزاء من البدن كالساقين والفخذين أو البطن والسرَّة، وما شاكل كما يفعل البعض .
ثالثا من آداب المسجد الحفاظ على طهارة المسجد ونظافته وترتيبه
رابعا الهدوء في المسجد وعدم رفع الاصوات فيه . وتجنب جعله مكاناً للراحة ، والقيلولة ، والجلسات اللهوية .
خامسا: عدم تخطي الصفوف لئلا نضايق المصلين
سادسا اقفال التلفون او جعله (سايلنت) لئلا نزعج المصلين ونصرفهم عن صفائهم وتوجههم الى الله اثناء الصلاة.
ايضا المسجد يجب ان يكون محورا ومنطلقا لكل اعمالنا وأنشطتنا وفعالياتنا الثقافية والاجتماعية وغيرها.
ولذلك من اهم الامور التي يجب ان نؤكد عليها في المواجهة الثقافية وفي مواجهة الحرب الناعمة ومواجهة الاعداء وفي معركة القيم والاخلاق، بعد التأكيد على الصلاة في المساجد، هو ضرورة ان يكون المسجد مكانا ومقرا لكل الأنشطة الثقافية والاجتماعية والكشفية وغيرها.
لاننا كما يقول سماحة الامام القائد دام ظله نحن في وسط معركة ثقافية وسلوكية واخلاقية يستهدفون فيها الاجيال والشباب والشابات، يستهدفون ايمانهم ووعيهم وتقواهم واخلاقهم وبصيرتهم، وينشرون افكارا مخالفة لديننا وقيمنا الاسلامية، ويزرعون الشبهات والافكار المنحرفة والمغالطات في عقول الشباب، ولذلك يجب علينا الدفاع من خلال مقرات وغرف عمليات ثقافية تشبه غرف عمليات الحرب، والمساجد وصلاة الجماعة والجمعة تعتبر من اهم هذه المقرات وغرف العمليات لانها مقر الايمان والتقوى والاخلاق والتحصين الفكري والثقافي والسلوكي.
ولذلك الدروس والدورات والورش الثقافية يجب ان تكون في المسجد
الدروس الكشفية وكذلك الأنشطة الصفية الكشفية وغيرها في المسجد
المساعدات والمبادرات الاجتماعية وخدمة الناس وقضاء حوائجهم ان تكون من خلال المسجد .
حل مشاكل الناس والنزاعات داخل الاسرة او بين الجيران والاصدقاء والزملاء وغيرهم في المسجد .
اللقاءات ومواعدة الناس في المسجد .
وإذا كان بالامكان ان يكون كل ذلك قريبا من وقت الصلاة فهو افضل لدفع الناس إلى الصلاة في المسجد وتعويدهم على الحضور في المساجد.
يجب ان يكون كل ذلك اي الدروس والانشطة والمساعدات الاجتماعية واللقاءات المختلفة قريبة من وقت الصلاة اما قبل الصلاة مباشرة او بعد الصلاة مباشرة، ليصلي الناس في المسجد .
واريد ان أنبه على أمور تحصل:
اولا: احيانا نرى ان بعض الانشطة تمتد إلى وقت الصلاة وتبقى مستمرة حتى اثناء اقامة الصلاة، وهذا غير صحيح، يجب قطع اي عمل او نشاط او درس او لقاء في المسجد بمجرد رفع الأذان، ولا يصح اطلاقاً الاستمرار، وعلى المعنيين بإدارة المسجد منع ذلك حتما.
ثانيا: احيانا يتم الانتهاء من النشاط او اللقاء عند وقت الصلاة، فنرى المشاركين بمجرد انتهاء النشاط او اللقاء ينصرفون ولا يصلون في المسجد، وهذا غير صحيح ايضا، فالمفروض ان يغتنم الانسان فرصة وجوده في المسجد او قرب المسجد ويتوجه إلى الصلاة فيه.
ثالثا: احيانا يصادف مرور الشخص بقرب المسجد أثناء الأذان ودخول وقت الصلاة، فيسمع الاذان وهو في الشارع او في المحل التجاري او في المطعم ويكون قادرا على الصلاة في المسجد ولكنه لا يبادر الى ذلك لكي يصلي في اول الوقت، بل يكمل طريقه ولا يبالي ويؤخر الصلاة عن وقتها او وقت الفضيلة، وهذا ايضا غير صحيح ، من كان قريبا من المسجد او جارا للمسجد عليه ان يصلي فيه.
المساجد هي الاماكن التي نتحصن فيها ونقوى فيها على مواجهة التحديات والضغوط والاعداء، وننطلق منها لنتحمل مسؤولياتنا الايمانية والجهادية ، ولذلك على الدوام كانت مساجدنا منطلقا للمجاهدين والمقاومين والشهداء الذين بفعل جهادهم وعطائهم وتضحياتهم نحمي بلدنا ونردع عدونا عن القيام بحرب واسعة على لبنان لانه يعرف انه في مواجهة المقاومة الاسلامية في لبنان لن يربح الحرب، وهذا ما تؤكده كل تجاربه السابقة التي يجب ان يتعلم منها، فهو لم ينجح في اية حرب مع حزب الله في لبنان، وفي كل مرة كان يفشل، ويعجز عن تحقيق اهدافه، ويخرج من الحرب وهو يعاني من مرارة الهزيمة، واليوم اذا شن حربا واسعة على لبنان فان الفشل الذي ينتظره سيكون اعظم من اي مرة سابقة ولن يخرج من الحرب الا بهزيمة جديدة .
واهم العدو اذا كان يعتقد انه بالاغتيالات والغارات والتدمير يمكنه ان يكسر ارادتنا او ارادة اهلنا في الجنوب او ان يدفعنا الى التراجع عن موقفنا بالدفاع عن بلدنا ومساندة غزة، فنحن اهل المقاومة والثبات والصبر ولا شيء يمكنه أن يجعلنا نضعف أو نتخلى عن مسؤولياتنا الدينية والاخلاقية والانسانية والوطنية في الدفاع عن أهلنا ووطننا والمظلومين في غزة ، والمقاومة ستواصل الرد على الاعتداءات والاستهدافات الاسرائيلية بكل قوة وحزم وبما يناسب كل اعتداء واستهداف، وستستمر في المواجهة حتى وقف العدوان على غزة ايا كانت التضحيات، ولن تخرج من المعركة الا بنصر جديد ان شاء الله.
المصدر
الكاتب:
الموقع : www.almanar.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-03-01 18:23:10
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي