<
p align=”justify”>نص الخطبة
يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.
من اقبح الامور ان يتحدث الانسان بشيء جميل او يرفع شعارات براقة او يطلق إدعاءات او يدعو الى اشياء نافعة ومفيدة ثم لا يعمل بها ، فيقول شيئا ويحث الاخرين عليه ثم لا يفعله ويفعل شيئا اخر، وهذه هي الازدواجية.
الازدواجية والتباين المكشوف، بين القول والفعل، لدى الأشخاص هو أحد أسباب المقت الالهي والغضب الالهي، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، لماذا تقولون شيئاً أنتم لا تطبقونه في حياتكم؟، والمقت هو البغض الشديد، أي ان الله يبغض الشخص الذي يقول شيئا ويدعو الى شيء ثم لا يعمل به بغضاً كبيرا وشديدا (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ).
فالإسلام يرفض رفضاً قاطعاً هذه الازدواجية في السلوك، بان يتحدث الشخص عن التقوى ويحث الاخرين عليها مثلا، ثم لا يعمل هو عمل الاتقياء بل عمل الفساق، او انه عندما يكون امام الناس خارج بيته يتظاهر بالاخلاق الحسنة ويدعو الناس اليها، بينما عندما يتعامل مع زوجته او اولاده وأفراد اسرته يغضب، يظلم، يضرب، يسب يشتم، يتلفظ بكلمات بذيئة، اوانه يتظاهر بالالتزام امام الاخرين لكنه اذا كان بعيدا عن أعينهم، يرتكب المعاصي ولا يطبق ما يدعو اليه ولا يعمل بما يتظاهر به.
ليس من الإسلام أن يكون الإنسان المسلم تقياً في المسجد ثم هو يكذب على الناس او يغش في معاملة الناس، او يأكل حقوق الناس، أو أنه يتظاهر بالزهد والتقوى ولكنه يشرب الخمر ويسكر ويزني ويلعب القمار في السر، او انه يتظاهر بالطيبة والبراءة والاخلاق الحسنة ولكنه يسيء للناس ويتعاطى معهم بفظاظة وينشر عيوبهم ويفضح أسرارهم.
-*البعض يمارس هذه الازدواجية بين القول والسلوك في التعامل مع افراد اسرته، فنرى بعض الآباء مثلا ينهى إبنه عن الكذب او الغيبة او عن الكلمات البذيئة او السب او الشتم بينما هو في سلوكه لا يبتعد عن ذلك، او انه ينصحه باحترام افراد العائلة (امه أخوه)او باداء الصلاة في وقتها، او المشاركة في الانشطة المفيدة، لكنه هو لا يفعل ذلك، فهو يعيش مع ابنائه بشخصية بينما في واقعه يعيش بشخصية أخرى، الأب الذي يريد ان يكون قدوة لأبنائه عليه ان يلتزم بما ينصح به ابنائه والا لا يتوقع منهم أن يلتزموا بنصائحه وتوجيهاته.
ومثل هذا الشخص ينطبق عليه قوله تعالي: ﴿ أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ﴾ البقرة: 44
-*وفي هذا السياق نرى ايضا كيف ان البعض مثلا ينتقد ظلم السلطة للناس، او يتحد عن قبح تعدي الجار على جاره، لكنه هو الآخر يسيء استخدام سلطته على زوجته وأبنائه وعماله وزملائه في العمل، فيظلمهم ويعاملهم معاملة سيئة ولا يراعي حقوقهم، فهو ينتقد السلطة لممارستها الظلم بينما يقوم هو بنفس الدور، ويمارس نفس الظلم الذي تمارسه لكن في مجالات اخرى.
او نرى البعض مثلا ينتقد اهمال العاملين او الموظفين لاعمالهم او تباطأهم في انجاز المهام المطلوبة منهم او عدم مراعاتهم للدوام المطلوب منهم ، ولكنه هو الآخر قد يمارس خلال وظيفته نفس السلوك الذي ينتقد من أجله الآخرين فيهمل اعماله ولا يقوم بوظيفته ولا يراعي دوامات العمل.
وقد ورد عن علي (ع): كفى بالمرء جهلًا أن ينكر على الناس ما يأتي مثله.
ولعل أهم فئة أولى من غيرها بضرورة الانسجام بين أقوالها وأفعالها هي فئة العلماء والخطباء والمثقفين والمؤلفين واصحاب المقالات والين ينظرون على وسائل التواصل الاجتماهي والمحللون والمتحدثون في وسائل الإعلام، فهذه الشرائح بحكم عملها تمارس دور التنظير والوعظ والتوجيه والإرشاد ، وهم أولى بأن يجعلوا نصب أعينهم هذه الآية الكريمة ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾، لان الشخص الذي يوجه الناس وينصحهم، عليه أن يعود إلى نفسه اولا ليرى مدى التزامه بما يقوله للناس، وما يدعو إليه.
-* من مصاديق الازدواجية لدى بعض الأشخاصأيضا، عدم الالتزام بالوعود. فمن أبسط الالتزامات الأخلاقية أن يفي الانسان بالوعود التي يقطعها على نفسه أمام الآخرين، فإذا وعد بشيء فلا بد أن يفي بوعده.
فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): (عدة المؤمن أخاه نذر لا كفارة له فمن أخلف فبخلف الله بدأ ولمقته تعرض، وذلك قوله تعالى: ﴿لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّـهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾.
وهذا الأمر مطلوب ايضا بالنسبة للعائلة والأبناء حتى الصغار منهم، فعلى الانسان أن يكون صادقاً في وعده حتى للصغار، وأن لا يمارس اطلاق الوعود، ثم يتناسى الأمر،لأن لهذا أثر سلبي كبير على الأبناء.
فقد ورد عن الإمام موسى الكاظم (ع): إذا وعدتم الصغار فأوفوا لهم فإنهم يرونكم أنتم الذين ترزقونهم وإن الله تعالى لا يغضب بشيء كغضبه للنساء والصبيان.
-*ايضا من جملة مصاديق الازدواجية، التنظيرعلى الناس، من دون ان يقوم الشخص باي عمل سوى الكلام والتنظير، يجلس في المقاهي او في السهرات او عبر الشاشات او على وسائل التواصل ويبدأ بالتنظير على الاخرين، يجب ان تفعلوا كذا وكذا ولماذا لا تقومون بكذا وكذا، ويصبح يزايد على الناس من دون ان يحرك هو ساكنا ومن دون ان يفعل او يلتزم هو بشيء مما ينظر به.
كما هو الحال الان في المواقف التي نسمعها من البعض فيما يتعلق بالحرب على غزة، حيث نسمع البعض لماذا لا تفتح الجبهات؟ ولماذا لا تدخلوا في الحرب؟ ولماذا لا تفعلوا كذا وكذا؟ ويبدأ التنظير على المقاومة وعلى حزب الله بينما هذا البعض جالس لا يتحرك بشيء، وعند اول استحقاق جدي تراه اول المتنصلين من المسؤولية واول الهاربين! والأسوء من ذلك ان البعض ينظر ويدعو الى فتح الجبهة لكن عندما تفتح وتبدأ المعركة يكون أول المعترضين والمنتقدين ويأتي ويحملك المسؤولية عن الاضرار والدمار والخراب، والى اين اخذتوا البلد، وشو عملتوا بالبلد وهكذا..
البعض في موضوع المواجهة والمقاومة والجهاد بصير يبرز عضلاته وينتخي ولكن حين يجد الجد ويكون المطلوب ان يتحمل مسؤوليته ويكون عند كلامه واقواله، يتهرب ويتخلف، ويجهد في ايجاد المبررات والاعذار الواهية كي يتهرب من واجباته.
يقول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عن هذا الصنف من الناس الذين يجيدون التنظير فقط : (أَيُّهَا النَّاسُ الْمُجْتَمِعَةُ أَبْدَانُهُمْ الْمُخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤُهُمْ كَلَامُكُمْ يُوهِي الصُّمَّ الصِّلَابَ وَفِعْلُكُمْ يُطْمِعُ فِيكُمُ الْأَعْدَاءَ تَقُولُونَ فِي الْمَجَالِسِ كَيْتَ وَكَيْتَ فَإِذَا جَاءَ الْقِتَالُ قُلْتُمْ حِيدِي حَيَادِ) حيدي حياد، كلمة يقولها الهارب الفار ، اي اذا بدأت المعركة تفرون وتهربون.
واقبح اشكال الازدراجية هي ازدواجية الغرب والدول المطبعة مع العدو الصهيوني ، الغرب الذي يرفع شعارات براقة حول حقوق الانسان يخدع بها الشعوب وهو ابعد ما يكون عن تطبيقها .
اليوم اميركا والغرب أباحوا للعدو الصهيوني أن يقتل الشعب الفلسطيني، وأن يرتكب المجازر بحق الاطفال والنساء والاطفال، وان يدمر غزة على رؤوس اهلها، بالرغم من كل الشعارات التي يرفعونها حول حقوق الإنسان، حقوق المرأة، وحقوق الطفل، وحق الشعوب في تقرير المصير، وحق الشعوب في الحرية والاستقلال، وحق الإنسان في الحياة، كل هذه العناوين التي يتشدق بها الامريكي والغرب هي مجرد شعارات يتمسكون بها عندما يتعلق الامر بدولهم ومصالحهم في العالم، أما عندما يتعلق بالشعب الفلسطيني، وشعوب منطقتنا فان كل هذه الشعرات تصبح بلا قيمة لها ولا اعتبار لها عندهم وهذا قمة الازدواجية المقيتة وأقبح أشكال ومصاديق الكيل بمكيالين .
كل المواقف والممارسات والجرائم التي ارتكبت منذ تأسيس هذا الكيان والى اليوم في فلسطين تفضح أمريكا والغرب، فيما يتشدَّقون به من شعارات حقوق الانسان وفيما يدعونه من انسانية وحضارة وحرية.
كل جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تركب اليوم في غزة ، هي شاهد واضح على أنَّ أمريكا مجرمة والعديد من الدول الغربية هي دول مجرمة وقادتها ومسؤولوها هم مجرمون لا يعرفون معنى للانسانية والحضارة والحرية .
اما الدول المطبعة والتواطئة مع العدو في حربه على غزة فهي ايضا تمارس أسوء اشكال الازدواجية في تظهر شيئا وتبطن شيئا اخر.
دنيس روس الدبلوماسي الامريكي السابق كشف بعض كشف بعض ما يوله المسؤولون العرب في مقال في صحيفة نيويورك تايمز يقول: خلال الاسبوعين الماضيين تحدثت مع مسؤولين عرب في انحاء مختلفة في المنطقة اعرفهم منذ فترة طويلة قال لي كل واحد منهم: لا بد من تدير حماس في غزة لانها اذا اعتبرت منتصرة فهذا سيعطي نفوذا وزخما لايران والمتعاونين معها وفي المقابل سيضعى حكوماتهم في موقف دفاعي.
واشار الى ان الزعماء العرب يتحدثون في السر بشيء وفي العلن بشيء آخر، فهم مضطرون في العلن للدفاع عن الفلسطينيين في مواقفهم وخطاباتهم، لانهم ان لم يفعلوا ذلك ستغضب عليهم شعوبهم، فهم لم تتحرك مشاعرهم لما يجري على اهل غزة ولم تصحو ضمائرهم ولم تتحرك مشاعرهم، هم يوهمون شعوبهم بانهم ضد ما يقوم به الاسرائيلي والامريكي في غزة، لكنهم في الحقيقة منحازون بالكامل الى جانب اميركا واسرائيل والغرب لانه يجمع فيما بينهم مشروع واحد هو مشروع القضاء على المقاومة الفلسطينية كمدخل لتصفية القضية الفلسطينية تماما.
اليوم استمرار الجرائم والمجازر الوحشية للاسبوع الرابع بحق الاطفال والنساء والشيوخ والمستشفيات والمخيمات السكنية في غزة لا يتحمل مسؤوليته العدو الصهيوني ونتنياهو وحده بل ان الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها الغربيين والمطبعين يتحملون الى جانب العدو كامل المسؤولية بوصفهم شركاء حقيقيون في هذه الجرائم ويرفضون علنا وقف اطلاق النار ووقف المجازر بحق المدنيين
ان فشل العدوان في تحقيق اهدافه لا يبرر استمرار هذه الجرائم البشعة والموصوفة ضد الانسانية .
هذه الهمجية لن تولد سوى المزيد من كراهية الشعوب العربية والاسلامية والحرة للكيان الصهيوني وللولايات المتحدة وحلفائها الغربيين الذين يشتركون جميعا في سفك الدم الفلسطيني في غزة.
والتفويض الامريكي الغربي للعدو بشن هذه الحرب المدمرة على اطفال ونساء غزة سيبقى وصمة عار في تاريخ اميركا والغرب والدول المطبعة والمتواطئة لن تمحوه الخطابات والمواقف الجوفاء وفتات المساعدات ولا الادعاءات الكاذبة بالتمسك بحقوق الشعب الفلسطيني .
المصدر
الكاتب:
الموقع : almanar.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-11-06 23:12:38
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي