في الصيف الماضي، لاحظ الأطباء في مستشفى ماساتشوستس عدداً من المرضى المصابين بـ”الاعتلال العصبي البصري الإقفاري الأمامي غير الشرياني”، ويُسبب ذلك المرض فقدان الرؤية المفاجئ وغير المؤلم في عين واحدة، بسبب ضعف تدفق الدم إلى الجزء الأمامي من العصب البصري، وغالباً ما يرتبط بنقص تروية الأوعية الدموية الصغيرة.
يؤثر المرض عادةً على الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاماً، ويرتبط بعوامل خطر مختلفة مثل ارتفاع ضغط الدم، والسكري، وتوقف التنفس أثناء النوم، وتصلب الشرايين، وتنتج هذه الحالة من عدم كفاية التروية في رأس العصب البصري، مما يؤدي إلى تلف الألياف العصبية وضعف الرؤية لاحقاً.
ويُعرف نقص التروية، بأنه الإمداد غير الكافي بالدم لأنسجة محددة في الجسم، لانسداد الأوعية الدموية المُغذية لها.
على الرغم من أن الفيزيولوجيا المرضية الدقيقة لا تزال غير واضحة، إلا أنها تنطوي على خلل في تنظيم الأوعية الدموية، وربما انخفاض ضغط الدم الليلي، وتم تشخيص هؤلاء المرضى سريرياً، وعلى الرغم من عدم وجود علاج نهائي، فإن إدارة عوامل الخطر الأساسية أمر بالغ الأهمية، لمنع حدوث المزيد من النوبات والحفاظ على الرؤية، ولأن هذا المرض نادر نسبياً؛ قرر الأطباء تتبع تلك الحالات لمعرفة سبب إصابتهم بتلك الحالة النادرة.
طب العيون العصبي
حللت الدراسة بيانات من 16827 مريضاً تمت إحالتهم لتقييمات طب العيون العصبي في الفترة بين 1 ديسمبر 2017، و30 نوفمبر 2023، وباستثناء الأفراد الذين تقل أعمارهم عن 12 عاماً، تألفت المجموعة المؤهلة من 710 مرضى يعانون من مرض السكري من النوع الثاني، و979 مريضاً يعانون من زيادة الوزن أو السمنة، وكان متوسط العمر لمجموعة السكري من النوع الثاني 59 عاماً، 52% منهم من الإناث، في حين كان متوسط العمر لمجموعة الوزن الزائد أو السمنة 47 عاماً، مع 72% من الإناث.
من بين 710 مريضاً يعانون مرض السكري من النوع الثاني، أصيب 17 مريضاً بالعمى الناجم عن ذلك المرض ضمن مجموعة “سيماجلوتيد”، مقارنة بـ6 في المجموعة التي لا تحتوي على العقار، وكان متوسط العمر 57 عاماً لمجموعة “سيماجلوتيد”، و58 عاماً للمجموعة التي لا تتناول الدواء، وعلى مدار 36 شهراً أصيب عدد من المرضى بذلك المرض بنسبة 8.9% لمجموعة “سيماجلوتيد”، مقارنة بـ1.8% للمجموعة التي لا تتناوله.
شملت المجموعة التي تعاني من زيادة الوزن أو السمنة 979 مريضاً، تمت ملاحظة الإصابة بالاعتلال العصبي البصري الإقفاري الأمامي في 20 مريضاً في مجموعة “سيماجلوتيد”، مقارنة بـ3 في المجموعة التي لا تتناول الدواء، وكان متوسط العمر 46 عاماً لمجموعة “سيماجلوتيد”، و44 عاماً للمجموعة التي لا تتناول العقار.
وعلى مدار 36 شهراً أصيب ما نسبته 6.7% بالاعتلال العصبي البصري الإقفاري الأمامي لمجموعة “سيماجلوتيد”، مقارنة بـ0.8% للمجموعة التي لا تتناوله، وفي المجمل؛ وجدت الدراسة أن المرضى الذين تناولوا عقار “سيماجلوتيد” أكثر عرضة بمعدل 4 أضعاف للإصابة بالعمى مقارنة بالمرضى الذي لا يحصلون على ذلك الدواء، فيما تسلط الدراسة الضوء على وجود علاقة محتملة بين استخدام “سيماجلوتيد”، وزيادة خطر الإصابة بذلك النوع النادر من العمى.
ما هو أوزمبيك (Ozempic)؟
“سيماجلوتيد” دواء يستخدم في المقام الأول لعلاج مرض السكري من النوع الثاني والسمنة، وهو ينتمي إلى فئة من العقاقير تعرف باسم منبهات مستقبلات “الببتيد-1” الشبيهة بالجلوكاجون (GLP-1)، ويحاكي عمل ذلك الهرمون الذي يلعب عدة أدوار رئيسية في استقلاب الجلوكوز وتنظيم الشهية، ويباع تحت أسماء تجارية متعددة، أشهرها أوزمبيك (Ozempic).
وتمت الموافقة على منبهات مستقبلات “الببتيد-1” الشبيهة بالجلوكاجون لعلاج مرض السكري من النوع الثاني في عام 2005، ولإدارة الوزن في عام 2014، وكان الاهتمام بهذه الأدوية، مدفوعاً جزئياً بالموافقة على “سيماجلوتيد” لإدارة الوزن في عام 2021.
وبحسب تقرير سابق؛ يقول حوالي ثلاثة أرباع الأميركيين إنهم سمعوا عن ذلك الدواء، وغيره من الأدوية المماثلة التي يتم استخدامها لإنقاص الوزن، ومن بين المطلعين على هذه الأدوية، يعتقد 53% أنها خيارات جيدة لإنقاص الوزن للأشخاص الذين يعانون من السمنة، أو حالة صحية مرتبطة بالوزن، بينما يعتقد 19% فقط أنها ليست خيارات جيدة، ويقول 28% إنهم غير متأكدين.
وقالت دراسة نُشرت قبل أسابيع إن ما يقرب من 31 ألف طفل تتراوح أعمارهم بين 12، و17 عاماً وأكثر من 162 ألف شخص تتراوح أعمارهم بين 18، و25 عاماً استخدموا هذه الأدوية في عام 2023 وحده.
وقد أدى الطلب على ذلك الدواء إلى نقص العرض، مما أثار مخاوف بشأن الاستخدام خارج نطاق الملصق، والتأثير على الأشخاص الذين يعتمدون على هذه الأدوية لإدارة حالاتهم الصحية؛ كما أصدرت منظمة الصحة العالمية قبل أسابيع تحذيراً من وجود عبوات مزيفة من ذلك الدواء.
ويحفز “سيماجلوتيد” البنكرياس على إنتاج المزيد من الأنسولين استجابة لارتفاع مستويات السكر في الدم، ما يساعد على خفض مستويات السكر في الدم عن طريق تعزيز امتصاص الجلوكوز من خلال الأنسجة؛ كما يمنع إفراز الجلوكاجون، وهو الهرمون الذي يرفع مستويات الجلوكوز في الدم عن طريق تحفيز الكبد، لإطلاق الجلوكوز المخزن.
وعن طريق تثبيط إطلاق الجلوكاجون، يساعد “سيماجلوتيد” على تقليل كمية الجلوكوز المنطلقة في مجرى الدم، كما يبطئ الدواء إفراغ المعدة، مما يساعد على تخفيف معدل دخول الجلوكوز إلى مجرى الدم بعد تناول الوجبة، ما يساهم في التحكم بشكل أفضل في نسبة الجلوكوز في الدم بعد الأكل.
ويعمل الدواء على الدماغ، لتقليل الشهية، وتعزيز الشبع، مما يقلل تناول الطعام، وبالتالي فقدان الوزن، وهو أمر مفيد بشكل خاص للمرضى الذين يعانون سواء من السمنة، أو زيادة الوزن.
وقد ثبت أن منبهات مستقبلات (GLP-1)، بما في ذلك “سيماجلوتيد”، لها تأثيرات مفيدة على صحة القلب، والأوعية الدموية، بما في ذلك تقليل مخاطر الأحداث القلبية الوعائية الكبرى لدى المرضى المصابين بداء السكري من النوع 2.
مخاطر الإصابة بالعمى
الآلية الدقيقة وراء ارتباط “سيماجلوتيد” بالاعتلال العصبي البصري الإقفاري الأمامي غير الشرياني، ليست مفهومة تماماً، ولكن هناك العديد من الفرضيات التي قد تفسر هذا الارتباط المحتمل.
يمكن أن يؤثر “سيماجلوتيد”، كسائر منبهات مستقبلات (GLP-1) الأخرى، على تدفق الدم ووظيفة الأوعية الدموية، ويعتقد أن الإصابة بذلك المرض تحدث بسبب عدم كفاية تدفق الدم إلى العصب البصري، والذي قد يتفاقم بسبب التغيرات في وظيفة الأوعية الدموية الناجمة عن العقار.
كما أن دراسات سابقة أشارت إلى أن منبهات مستقبلات (GLP-1) تؤثر على ضغط الدم، وتعتبر التقلبات في ضغط الدم، وخاصة انخفاض ضغط الدم الليلي عوامل خطر لذلك المرض، وقد يساهم “سيماجلوتيد” في حدوث مثل هذه التقلبات، مما قد يزيد من خطر تلف العصب البصري.
وهناك احتمال أن يؤدي “سيماجلوتيد” إلى استجابات التهابية قد تؤثر على العصب البصري، ويمكن أن يؤدي الالتهاب إلى تورم وضغط العصب البصري، وغالباً ما يكون لدى المرضى الذين يعانون من مرض السكري من النوع 2، والسمنة عوامل خطر موجودة مسبقاً لأمراض الأوعية الدموية، بما في ذلك تلك التي تؤثر على العيون وقد يؤدي العقار إلى تفاقم هذه الحالات الأساسية، مما يؤدي إلى زيادة خطر الإصابة بالمرض.
قيود الدراسة على آثار Ozempic
هناك العديد من القيود التي يُمكن أن تحد من نتائج تلك الدراسة، فالمؤسسة التي أجريت فيها الدراسة متخصصة في طب العيون، وطب العيون العصبي، فقد لا تنطبق النتائج التي توصلت إليها على بيئات أخرى.
وكونها دراسة بأثر رجعي، لم يتمكن من التحكم في التحيزات المحتملة التي تم فيها وصف عقار “سيماجلوتيد” للمرضى، أو إحالتهم إلى العيادة.
كما لم يتمكن الباحثون من التحقق مما إذا كان جميع المرضى يتناولون الأدوية الموصوفة لهم، مما قد يؤثر على تقديرات المخاطر لديهم، ويقول الباحثون أيضاً إن قدرتهم على تقييم العوامل المربكة محدودة؛ نظراً لقلة عدد حالات الإصابة، مما أدى إلى تقديرات إحصائية أقل دقة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتمكن الباحثون من فحص بيانات من المؤسسات الأخرى، وبالتالي لم يتمكنوا من إثبات العلاقة السببية بشكل قاطع.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :asharq.com بتاريخ:2024-07-05 12:39:09
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي