خليل نصرالله – مختص في الشؤون الإقليمية | خاص – الواقع
نهاية عام 2017، نجحت قوى محور المقاومة بعمليات عسكرية على طرفي الحدود (العراقية – السورية) في الوصول إلى معبر القائم – البوكمال الحدودي. المعبر الاستراتيجي الذي يصل بين البلدين، ويعتبر ممرا هاما على الصعد كافة ولأكثر من بلد.
خلال المعارك، حاول الأميركيون الوصول إليه، ولتحقيق ذلك، عمدوا إلى التشويش على العمليات العسكرية للجيش السوري وحلفائه، ودعموا ميلشيات محلية في سوريا، وشكلوا غطاءً لتنظيم داعش في العراق وكذلك في سوريا بما يمكنه من البقاء في تلك المنطقة لأطول فترة ممكنة وتأخير عمليات الحلفاء، لكن ذلك لم ينجح وهو ما أكده مسار المعارك.
ومنذ تحرير المعبر والتثبيت فيه، عمد الأميركيون إلى استخدام أساليب شتى لإبقاء تلك البقعة متوترة وبعيدة عن الإستقرار الأمني، ونفذوا بين الحين والآخر اعتداءات جوية إن عبر طائراتهم الحربية أو عبر مسيراتهم التي لا تغادر اجواء المنطقة.
طوال الأعوام الخمسة الماضية، عمدت القوى التي تتموضع على طول الضفة الغربية لنهر الفرات وصولا حتى مدينة دير الزور إلى تثبيت وجودها عبر معادلة تكف يد الأميركيين المشاغبة، وتمنع واشنطن من التحكم والسيطرة، وهو ما تطلب تنفيذ عمليات نوعية، منها ما كان يُظهر في الاعلام والمتمثل باستهداف قواعد أمريكية غير شرعية شرق نهر الفرات، ومنها ما بقي طي الكتمان وهي عديدة.
عمدت قوى محور المقاومة إلى بناء قوة حديدة عبر وضع إمكانات هائلة تساعد – في حال حدوث اشتباك واسع – إلى تدمير الوجود الأميركي، وهو أمر يعلمه الأميركيون، وكان لهم بعض أساليبهم لمحاولة إبقاء الإشغال قائما.
بعد عام 2021، عمد الأميركيون إلى تصعيد دعم المجموعات الإرهابية المتفلتة في البادية السورية وتوجيهها، وليس كل تلك المجموعات تنتمي إلى تنظيم داعش.
كانت تلك المجموعات – ولا زالت ولو أقل – تشرع باستهداف لطرق الوصل الرئيسية بين البادية مرورا بدير الزور حتى منطقة الميادين وصولا إلى البوكمال.
رد قوى المقاومة كان يتمثل باستهداف القواعد العسكرية الأميركية غير الشرعية بشكل لا يتخطى إيصال الرسائل، وتنفيذ عمليات جوية في عمق البادية وأخرى عند تخوم الطرق الرئيسية. صحيح أن ذلك حد بعض الشيء من المشاغبة الأميركية وحافظ على قواعد الإشتباك القائمة، لكنه لم يمنع الاندفاعة الأميركية نحو فرض واقع جديد يخدم مصالحهم، وعلى رأسها وضع يد، ولو غير مباشرة، في معبر القائم البوكمال، “الثغرة” التي لا يريدونها.
امام ما تقدم، وفي ٢٤-٣-٢٠٢٣ أقدمت قوى المقاومة على توجيه رسالة عالية المستوى، تتخطى الأساليب الاعتيادية، عبر استهداف مطار “خراب الجير”، وهو قاعدة دعم لوجستي تقع في أقصى شمال شرق سوريا، ونسبيا هي النقطة الأبعد التي يتموضع فيها أميركيون، بطائرة مسيرة دقيقة. أدت العملية إلى مقتل متعاقد اميركي وإصابة آخر إضافة إلى إصابة ستة جنود أميركيين بجروح.
كان هدف العملية إيصال عدة رسائل للاميركيين على رأسها:
- لا أمان لأي نقطة أميركية في سوريا على وجه العموم، وشمال شرق سوريا على وجه الخصوص.
- المشاغبة عبر دعم تنظيمات إرهابية وإفلاتها في البادية السورية، تحديدا المجموعات التي تنتمي لداعش، سيتم الرد عليها بقسوة ودون سابق إنذار.
- قواعد الإشتباك في طور التعديل بما يلجم المشاغبة الأميركية والأعمال الاستفزازية.
بعد العملية، حصل اشتباك محود استمر ليومين قبل أن ينكفأ الأميركيون عبر بيان واستعراض صدر عن القيادة الوسطى.
ما بعد تلك الحادثة، بدأ يُلحظ أن الأميركيين استوعبوا الرسالة وباتوا أكثر حذراً في الاندفاع اتجاه أي عمل يريدون القيام به. لا يمكن القول إنه تم لجمهم كليا، أو التأثير على وجودهم، لكن يمكن التاكيد أن الأعمال التي تؤثر على تموضع قوات محور المقاومة على طول الضفة الغربية لنهر الفرات، تراجع الأميركيون عنها بشكل كبير. وعليه، ونسبة إلى الواقع الميداني القائم، ووفق معطيات موقع “الواقع”، ووفق تقدير الموقف هناك، يمكن استخلاص التالي: - الحركة الأميركية اتجاه قوى المقاومة باتت أكثر حذراً.
- المشاغبة الأميركية المباشرة تراجعت إلى حد كبير.
- تراجع في الأعمال الأميركية التي تشكل استفزازا لقوى المقاومة.
- قوى المقاومة ومن ضمنها الجيش السوري، باتت حركتهم أكثر راحة عما سبق.
وبناء عليه، فإن المعادلة في مواجهة المشاغبة الأميركية في منطقة القائم البوكمال باتت أكثر ثباتا بما يخدم دول وقوى محور المقاومة على أكثر من صعيد، دون استبعاد إمكانية إقدام الأميركيين على أساليب جديدة أو تفعيل أساليب أخرى لإبقاء حالة التشويش قائمة أو تخليهم كليا عن إفلات وإسناد خلايا لتنظيم داعش لا زالت تعبث في تلك المنطقة.
المصدر
الكاتب:admin
الموقع : alwaaqe3.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-06-01 16:26:43
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي