“رحلة إلى بلاد الألف ملَّة”| رواية سفر آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي إلى الهند

كتاب من منشورات “دار المعارف الحكمية”، يقع في 425 صفحة من القطع المتوسط، وهو عبارة عن رواية تحكي سفر آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي (قده) إلى دولة الهند في العام 1382 هـ ش. الموافق (2003م)، والتي قام بتدوينها بهمة “مؤسسة الإمام الخميني (قده) للتعليم والبحوث”، الأستاذ “أصغر عرفان” مستفيدًا من مجموعة أقراص مدمجة وثّقت بالصوت والصورة رحلة الشيخ إلى الهند، ومن رواية السيد “علي أصغر برقعي”، الذي كان مرافقًا للشيخ في رحلته، إضافة إلى إرشادات ثمينة قدّمها كل من الدكتور السيد أحمد رهنماني، وهو من تلامذة الشيخ اليزدي، والأستاذ “غلامرضا غليزوارة”، وتم نشرها في 1386 هـ ش. الموافق (2007م). ترجم الكتاب لدار المعارف الحكمية الأستاذ علي الهادي مشلب، وقام الدار بإصداره بحلة أنيقة في بيروت سنة [2022م ـــ 1444هـ].

يبدأ الكتاب بمقدّمة مؤسسة الإمام الخميني (قده) للتعليم والبحوث، تليها مقدّمتي المترجم والمدون، والتي أضاءت على أهمية تدوين رحلات المبلغين في المجالات الفكرية والاجتماعية، ثم يقسم إلى قسمين، يطرح المدون في القسم الأول بشيء من التفصيل موضوع السفر بأنواعه، وموضوع “أدب الرحلات” فيشير إلى نتاجات الرحّالة المسلمين السابقين؛ ككتاب “تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار” للرحّالة “ابن بطوطة”[1]. ولا يغفل الأدب الفارسي، فيذكر “أسفار ناصر خسرو” المعروفة بـ “سفرنامه”.

ويذكر المدون خمسة فئات لكتَّاب أدب الرحلات؛ لتشمل المفكّرين والسياسيين، والعلماء، والخياليين، ويغفل عن فئة الدعاة الذين يجوبون البلدان بهدف الدعوة إلى الله، ورفع شأن الدين والقيم الدينية، وزيادة التواصل والترابط بين مختلف شعوب الأرض، كما هو حال الشيخ اليزدي.

ثم يخصص المدون فصلًا كاملًا للحديث عن الهند مستفيدًا مما تيسر له من مصادر، ومراجع، فيعرض جغرافيا الهند، وتاريخها، وأديانها: الهندوسية، والبوذية، والإسلامية والمسيحية، والزرادشتية. ثم يذكر تاريخ دخول الفتح الإسلامي إلى الهند، منذ العام الخامس عشر للهجرة، وحتى العام 159هـ. زمن الخليفة العباسي المهدي بالله. إلى أن دخلت أكثر مناطق شبه القارة الهندية تحت حكم السلاطين “الغزنويين”، أواخر القرن الرابع للهجرة، فانتشر الإسلام في كافة أرجاء الهند. أما دخول التشيّع إلى الهند فقد بدأ زمن خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). وذكر حُكم عدة سلالات شيعية حكمت في الهند منهم “العادل شاهيون”، الذي تزامن حكمهم مع الحكم الصفوي في إيران. ويتبين للقارئ أن القارة الهندية هي بلاد إسلامية منسية، تحتاج إلى كثير من اهتمام المسلمين، فالإسلام يشكّل ثاني أكبر الديانات فيها، حيث يعتنقه أكثر من 14.2% من سكان البلاد، ما يقارب 172.2 مليون مسلم. ويشكل الشيعة أكثر من 13% من السكان المسلمين، ما يبلغ أكثر من 22 مليون مسلم شيعي؛ لهم حوزاتهم العلمية، ومساجدهم، ومقامات أوليائهم، وتاريخهم الجهادي الممتد منذ بداية دخول الإسلام إلى الهند.

وفي القسم الثاني تولّى المدون تفاصيل زيارة الشيخ مصباح اليزدي إلى زيارة بلاد الهند. زيارة استكشاف وتبليغ، ويمكن تلخيص رحلة الشيخ بأربعة عناوين رئيسة:

العنوان الأول: زيارة المدن الكبيرة، دلهي، لكنهو، بومباي، حيدر أباد، بنغالور، علي بورن، ومايسور.

العنوان الثاني: زيارة الحوزات العلمية والجامعات، مثل حوزة جامعة الزهراء في لكنهو عاصمة الشيعة في الهند، وحوزة علي المرتضى في حيدر أباد، وجامعة أمير المؤمنين في بومباي، وعشرات المدارس والجامعات والحوزات العلمية في كافة أرجاء البلاد.

العنوان الثالث: تمثل في زيارة الأماكن الأثرية والمقامات الدينية للأولياء والعلماء، منها تاج محل، والسلطان جلال الدين الأكبر، وقلعة الحصن، ومعبد النور، ومقبرة همايون، ومقام الشهيد الثالث، والشهيد الرابع، والعديد من أماكن السياحة الدينية الكثيرة في بلاد شهدت تاريخًا إسلاميًّا حافلًا.

العنوان الرابع: لقاء الشيخ بالجاليات الإيرانية، وزيارة البيت الثقافي، والمستشارية الثقافية الإيرانية في “دلهي”، ولقاء طلاب الجامعات والحوزات العلمية في كبريات المدن الهندية.

وفي كلِّ محطات الشيخ كانت له كلمات ومحاضرات، فقد سجل أكثر من 25 كلمة في مختلف تلك المراكز، وهي مدونة بأجمعها في الكتاب، ما يجعله أكثر من عرض لوقائع الرحلة ومحطات السفر، إلى كتاب مواعظ ودروس تبليغية، يستفيد منها القراء كما استفاد منها الطلاب الذين ألقيت عليهم.

وكنموذج عن هذه الكلمات، نذكر كلمة للشيخ اليزدي ألقاها في مسجد الإمام العسكري (ع) في بنغالور، أكّد فيها على مبدأ الأخوّة بين المؤمنين، فيقول في شرح قوله تعالى: ﴿إنما المؤمنون إخوة﴾: “طبقًا لهذه الآية الكريمة، فإن جميع المؤمنين من أي بلد كانوا، وأي عرق، وأي قومية، وأي لغة، هم وفق الرؤية الإلهية إخوة بالأخوّة الإيمانية. ونحن انطلاقًا من هذا التعليم الإلهي ننظر إلى جميع المسلمين المنتشرين في بقاع الأرض، وخاصة الشيعة منهم على إنهم إخوة لنا…”.

مع الإشارة إلى أن هذا التعريف لا يعطي هذا الكتاب قدره، لما ورد فيه من المحطات والمنازل التي تحفل بها بلاد الألف ملَّة، والتي تعتبر ثاني أكبر دولة في عدد المسلمين المقيمين فيها، فإنه لا يفوتنا أن نضع في خدمتكم هذا الكتاب، الذي يحمل بين طياته رواية جديرة بالقراءة، تفتح للقارئ عالمًا جديدًا شيّقًا، يخبرك أنه على بعد آلاف الأميال، حيث تشرق الشمس، هناك شعب مؤمن بالإسلام، وبولاية أهل البيت (ع)، ويحفظ العهد، ويرفع الأيدي بالدعاء للمؤمنين ويرجو منهم أن يذكروه بالدعاء.

 

 
[1] أَبُو عَبْدِ اللّٰهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ ٱللّٰهِ بْنِ مُحَمَّدٍ ٱللَّوَاتِيّ ٱلطَّنْجِيّ المعروف بابْنِ بَطُّوطَةَ، ولد في 24 فبراير 1304 – 1377م بطنجة، (703 – 779هـ)، هو رحالة ومؤرخ وقاض من قبيلة لواتة، لقب بـأمير الرحالين المسلمين.

المصدر
الكاتب:
الموقع : almanar.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-09-11 10:18:44
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version