حمص-سانا
الساعة الثامنة صباحاً، دويُ انفجار يملأ أرجاء المكان، أشخاص يركضون من جميع الاتجاهات، زملاء استشهدوا هنا وآخرون أُصيبوا هناك، بكاءٌ وحزن يخيم على الأجواء، مشهدٌ لا يغيب عن ذاكرةِ مئات العمال في مجال إنتاج الغاز، تزاحمه صورةٌ لأول دورانٍ لضاغط توربيني مع صوت هديرٍ لمحركٍ أدخل الفرح ورسم ابتسامة المنتصر على وجوه من تبقى من العمال رغم الألم.
500 ألف متر مكعبٍ من الغاز يومياً، رقمٌ قد يعتبره البعض إنتاجاً عادياً من أي معملٍ للغاز، لكن عندما يتعلق الأمر بإنتاجه في ظروف حرب وحصار من قبل الكوادر الوطنيةِ في معمل غاز جنوب المنطقة الوسطى التابع للشركة السورية للغاز، سيُدرك حينها أنه أمام قصةِ نجاحٍ وتميز لأشخاص جابهوا خطر الموت والإرهاب كُرمى لمنشأتهم، فلم يحافظوا عليها فقط، بل أنجزوا ضواغطَ توربينية جديدة فيها لزيادة الإنتاج اليومي.
ليس هذا فحسب، فالمعمل لم يحافظ فقط على إنتاجه رغم كل الظروف بل طور من عمله، حيث شهد الأسبوع الماضي إطلاق مشروع الضواغط الغازية بقيمة إجمالية بلغت 80 مليون يورو و2 مليار ليرة سورية والذي تم فيه وضع الضاغط الأول والثاني بالخدمة، والعمل جار على وضع الضاغط الثالث والرابع بالاحتياط، الأمر الذي يزيد كمية الغاز بـ 500 ألف متر مكعب يومياً، ما يحسن من الغاز المنزلي والكهرباء.
والضاغط التوربيني الغازي هو عبارة عن آلة دوارة، لها ضاغط عند مدخلها وتربينة (عنفة) عند مخرجها وغرفة احتراق بينهما، حيث يحترق الهواء مع الغاز فيها وينتج عنها طاقة تدور التربينة وتشغل الضاغط.
التوقف ممنوع، والكل سباق للتضحية
في الـ 29 من كانون الأول عام 2014، يستذكر المهندس سومر علي من قسم العمليات بالمعمل حدثاً دامياً أفقده الكثير من رفاقه “عشنا أيام خطر حقيقي لكن لم يثنينا ذلك عن الصمود، كنا نبقى في أيام عمل متواصلة دون أن نرى أهلنا، في كانون الأول 2014 تعرض المعمل لتفجير من إرهابيي (داعش) عند مدخله، وارتقى عدد من العمال شهداء وآخرون أصيبوا، وكنت واحداً منهم حيث أصبت بعيني وبأذية في السمع، لقد كان تحدياً واعتبرنا استمرارنا في العمل وفاء لأرواح زملائنا الشهداء”.
وبحرقة الفقدان يتابع خضور حديثه: “استشهد رئيس المحطات السابق بعد تعرضه لكمين غادر وهو في طريقه الى المعمل، فقدنا الكثير من أحبتنا، وفاء للوطن ولكل من ضحى من زملائنا وجيشنا سنستمر، تشغيل الضواغط نصر جديد كتبه عمال سورية”.
“المعمل يعني وجود الكهرباء والغاز، وأي عطل به يُحدث أزمة في البلد، لذلك كان هدفا مهما لاعتداءات الإرهابيين، وفي الوقت نفسه كان مكاناً لأحلامنا وعملنا وتأمين حاجة أهلنا وبلدنا”، هذا ما أعرب عنه المهندس نادر مرهج رئيس دائرة العمليات الذي وصف حاله ورفاقه بأنهم كانوا أشبه بالجيش الاقتصادي: “على مدار 13 عاماً عاش العمال قصصاً وتجارب كبيرة، كل عامل كان جزءاً من جيش الاقتصاد السوري، كنا أسرة واحدة، المعمل أيقونة جمعت عمالاً من مختلف المحافظات، الكل كان سباقاً للتضحية عند أي طارئ أو استهداف”.
السائق الجريح لجين ديب الذي ينقل العمال من وإلى المحطات يستذكر حادثة تعرض باص المبيت نهاية عام 2011 لهجوم إرهابي أسفر عن إصابة واستشهاد عدد من العمال، وإصابته هو بنسبة عجز 40 بالمئة، ورغم ذلك عاد لعمله بعد عام كامل من العلاج، ويقول: “سعيد باستمرار المعمل اليوم وبأني شريك وجزء من هذا الإنجاز”.
الضواغط الجديدة ودورها في تحسين الغاز والكهرباء
عند وضع المعمل بالخدمة عام 2009 كانت ضغوط الآبار عالية تصل إلى 200 بار، وهي كمية كافية لاستجرار الغاز من المحطات إلى المعمل، ثم تصدير الغاز للشبكة الغازية وصولاً إلى محطات توليد الطاقة الكهربائية دون ضواغط الرفع وفق إبراهيم، ولكن بعد 13 عاماً من العمل، ونتيجة الاستثمار الطبيعي لضغوط رؤوس الآبار أصبح المعمل بحاجة إلى ضواغط توربينية، الهدف منها رفع الضغط وتخفيف الضغط العكسي على الآبار، فبدأ العمل بمشروع الضواغط عام 2018، وتم وضع الشروط والدراسات لذلك والتعاقد مع شركة ستروي ترانس غاز الروسية والمباشرة بالمشروع، وهو 4 ضواغط غازية استطاعة كل ضاغط 2 مليون متر مكعب من الغاز يوميا، مقاد بعنفة غازية استطاعتها 10 ميغا واط ساعي، إضافة إلى 6 مضخات للسوائل الهيدروكربونية.
النتائج الأولية لعمليات تجريب الضاغطين الأول والثاني ممتازة حسب وصف الداغري، والعمل مستمر لتشغيل الضاغطين الثالث والرابع كاحتياطين سيوضعان بالخدمة خلال فترة ما بين 45 و60 يوماً بموجب العقد المبرم مع الشركة الروسية.
لطالما كان القطاع العام الحامل للاقتصاد والكثير من الخدمات خلال سنوات الحرب، واليوم يأتي هذا الإنجاز ليعزز هذه الفكرة، برسالة من كوادر المعمل للعالم أجمع بقدرة السوري على العمل والإنتاج في أصعب الظروف، وفق ما ذكره المهندس ماجد الأحمد والفني علي معروف اللذان أكدا أن اليد الواحدة في العمل لا تُقهر مهما حدث من ظروف.
متابعة أخبار سانا على تلغرام https://t.me/SyrianArabNewsAgency
المصدر
الكاتب:mousa
الموقع : sana.sy
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2022-11-05 18:22:28
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي