شفقنا- تصاعدت في الآونة الأخيرة أصوات متطرفة في إقليم كاتالونيا الإسباني التي جعلت من المهاجرين والإسبان المسلمين المنحدرين من أصول عربية هدفاً لها، وباتت تركز عليهم في برامجها الانتخابية بعد أن زعمت أنها تريد “مكافحة أسلمة” المجتمع في كاتالونيا.
كاتالونيا التي تعرضت للتمييز في عهد الجنرال فرانكو، باتت من أكثر مناطق الأقليم ثراءً ونجاحاً، فلا يوجد تمييز وراء نزعة كاتالونيا للاستقلال، وإنما الدافع الأساسي اقتصادي، فضلاً عن الدافع الثقافي والنزعة القومية، لكن الأمر تغير مع صعود أسهم حزب الجبهة العمالية “Frente Obrero” اليساري المتطرف الذي يحمل توجهات متطرفة تجاه المسلمين والمهاجرين.
فقد كشفت أرقام حديثة عن صعود في التوجه نحو اليمين المتطرف في إقليم كاتالونيا الإسباني، خاصة بين الرجال، وازداد عداؤهم للمهاجرين بعد أن كان الإقليم الإسباني من أكبر المرحبين باللاجئين. فما الذي تغير الآن؟ ولماذا وجهت سهامها صوب المسلمين في الإقليم؟
استرجاع “إمارة كاتالونيا الإسلامية“
يعرّفون أنفسهم على أنهم “حركة وطنية وثورية، تناضل من أجل العمال ومن أجلهم، من خلال إسبانيا ومن أجلها”، هكذا وصفت صحيفة EI Confidencial الإسبانية في تقرير لها ، حزب “جبهة العمال” اليساري المتطرف.
بعد إعلان ترشحها للانتخابات المحلية الكاتالونية في 12 مايو/أيار المقبل، ستركز جبهة العمال حملتها على مكافحة ما وصفته بـ”أسلمة هذا المجتمع المتمتع بالحكم الذاتي”، أو كما أطلقت عليه “إمارة كاتالونيا الإسلامية”، حسب ما ذكرته الصحيفة الإسبانية.
هذه الجبهة المتطرفة التي تطلق عليها وسائل إعلام إسبانية لقب “الستالينيون”، لا يوجد لها تأثير على مستوى الأرض، وفق ما أوضح الباحث المغربي المتخصص في العلاقات المغربية الإسبانية، نبيل الدريوش، لـ”عربي بوست”، وأضاف أنهم “يحاولون تعويض هذا الضعف بإطلاق فرقعات إعلامية أثارت ضجة”.
أنصار حزب “الجبهة العمالية” في العاصمة الإسبانية مدريد/ رويترز
حسب وسائل إعلام إسبانية فإن هذه الجبهة وضعت ما سمته بـ”الوصايا العشر”، وتحت عنوان “ضد الأسلمة”، تعتبر الجبهة أن المسلمين الذين يعيشون في إسبانيا “يخلقون أحياءً يشكلون فيها الأغلبية ويفرضون ثقافتهم”.
لهذا السبب، حسب رأيهم، “من الضروري اتخاذ إجراءات ضد أسلمة المجتمع”، كما تزعم أنها ستحارب الوصول المستمر للأعداد الكبيرة من المهاجرين المرتبطين به، وقالت إن ذلك يتسبب في “تقليص الحريات” بينما يزيد من “الفرائض الدينية والزواج القسري والهجمات الجهادية”.
تحقيقاً لهذه الغاية، توضح الصحيفة الإسبانية، أنهم سيقومون بتركيب لافتات تحمل رسائل في أنحاء مختلفة من إقليم كاتالونيا الإسباني بهدف لفت الانتباه إلى هذا الوضع في سياق الانتخابات المحلية المقبلة.
حزب سيئ السمعة
تأسس الحزب في أكتوبر/تشرين الأول 2018، ويصف المراقبون “الجبهة العمالية” بأن له توجهاً ماركسياً لينينياً، ويتقاطع مع اليمين المتطرف الإسباني ممثلاً في حزب “فوكس” في معاداة المسلمين والمهاجرين، كما أنه حسب الدريوش يدافع عن الوحدة الإسبانية، لكنه في نفس الوقت معارض للنظام الملكي.
بينما ظهر للمرة الأولى في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في شهر يوليو/تموز 2023، وأشار الباحث المغربي نبيل الدريوش إلى أن هذا الحزب لم يتمكن سوى من الحصول على 46 ألف صوت في جميع أنحاء إسبانيا في أول موعد انتخابي لها.
حيث ركز معظم خطبه في الأشهر الأخيرة على التحذير من “أسلمة إسبانيا”، والمخاطر المفترضة للهجرة الجماعية.
فيما يبقى الهدف الأساسي من هذا الحزب اليميني المتطرف هو تحقيق المفاجأة في الانتخابات الأوروبية في يونيو/حزيران المقبل، والتي أعلن الحزب أنه سيظهر فيها على رأس القائمة.
بينما أصبح الحزب معروفاً بهجماته على القادة السياسيين، حيث قاطع أعضاء الحزب، اجتماعاً لرئيس الحكومة، ولاموه بسبب تغيير موقفه بشأن الصحراء المغربية، وقبول الاقتراح المغربي للحكم الذاتي.
كما أطلق المتظاهرون على رئيس السلطة التنفيذية لقب “البائعين والمنافق”، وهو الأمر الذي تكرر بعد يومين في مسيرة بمدينة بورغوس، حيث رفعوا مرة أخرى علم الصحراء الغربية، ليتم طردهم من قبل عناصر الأمن.
فيما أصبح معروفاً على المستوى الوطني عندما قاطع في عام 2020 مؤتمراً عقده نائب رئيس الحكومة آنذاك، بابلو إغليسياس، في جامعة كومبلوتنسي بمدريد. ووصف أعضاء الحزب إغليسياس بأنه “بيدق في خدمة الشركات والبنوك الكبرى”.
في الشهر نفسه، وبخوا أيضاً زعيم حزب “ماس باييس”، إنييغو إيريخون، واتهموه بـ”ترك العمال في الشوارع”، وأكدوا أن “العمال يصوتون لصالح حزب فوكس لسبب ما”.
لكن إذا ألقينا نظرة على حزب “فوكس” وتوجهاته فقد يتضح جلياً لماذا صوت له المتعاطفون مع حزب “جبهة العمال”، فكلاهما يشترك في معاداة الإسلام والمهاجرين.
فقد عمد “فوكس” الثلاثاء 23 أبريل/نيسان 2024، إلى طرح مبادرة في البرلمان لطرد المهاجرين غير الشرعيين، وإلغاء الدعم المقدم للمنظمات غير الحكومية، وتعليق التعاون والمساعدات للدول الأفريقية، غير أن البرلمان رفضها.
بالنسبة لنبيل دريوش فإن حزب “فوكس” يشكل خطراً أكبر من “الجبهة العمالية”، فهو تأسس نتيجة الأزمة الهوياتية التي عاشها إقليم كاتالونيا والانقسام الذي عاشه الإقليم خاصة بعد انتكاسة حزب سيوديدانوس “.
هذا الوضع، حسب الباحث المغربي، أفرز بديلاً أكثر تطرفاً وتمكن من الحصول على 11 مقعداً في البرلمان في إنجاز غير مسبوق لحزب يتبنى الخطاب اليميني المتطرف.
لماذا توسع اليمين المتطرف في إسبانيا؟
انتشار الخطاب المتطرف في إسبانيا دفع المتخصصين في الشأن السياسي بالبلاد للبحث عن تفاصيل هذا التوسع، حيث قالت صحيفة Publico “في تقرير لها إن المجتمع الإسباني “أصبح اليوم أكثر انقساماً سياسياً من أي وقت مضى”.
حسب الصحيفة فإن المزيد من الناس يضعون أنفسهم في خانة “التطرف الأيديولوجي”، وأوضحت أن 6.51% من المواطنين يعتبرون أنفسهم يمينيين متطرفين، “هذه النسبة العالية غير مسبوقة” تقول الصحيفة.
إذ قامت “Publico” بتحليل البيانات الجزئية من مقاييس مركز البحوث الاجتماعية (CIS) منذ عام 1987 -وهي السنة الأولى التي أصبحت متاحة لها- وكانت النتيجة واضحة: “لم يكن المواطنون منقسمين على المستوى الأيديولوجي قط كما هم اليوم”.
ألبرتو لوبيز، الباحث في جامعة أمستردام الحرة والدكتور في العلوم السياسية، قال لـ”publico”: “هناك الكثير من الاستقطاب الداخلي في جميع فئات المجتمع الإسباني، خاصة بين الشباب الذين يصوتون لأحزاب اليمين المتطرف”.
حسب دراسة الصحيفة الإسبانية فإن أنصار اليمين المتطرف، من الناحية النسبية، كانوا يشكلون 1.35% من السكان قبل عشر سنوات والآن أصبحوا 6.51%، وقالت: “قبل بضع سنوات، لم يكن أحد يجرؤ على تعريف نفسه بأنه ينتمي إلى هذا التوجه السياسي”.
يوضح ماريانو توركال، أستاذ العلوم السياسية في جامعة “Pompeu Fabra”، أن هذه الزيادة في عدد أولئك الذين يضعون أنفسهم في التطرف الأيديولوجي تستجيب لمفهوم “الاستقطاب الأيديولوجي”.
فيما يقول العديد من الخبراء أن الاستقطاب الحالي له علاقة بالهوية أكثر من المواقف، وهذا يعني أن الإسبان “هم أكثر تطرفاً لأنهم ينظرون إلى أنفسهم بهذه الطريقة” تقول الصحيفة.
المسلمون في إقليم كاتالونيا الإسباني
وفق آخر إحصائية معلن عنها في شهر فبراير/شباط 2024، يعيش في إسبانيا نحو 2.5 مليون مسلم بزيادة أكثر من 63 ألفاً مقارنة بعام 2023، وفق الدراسة التي نشرت تفاصيلها وسائل إعلام محلية، وأعدها اتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا والمرصد الأندلسي.
حسب الدراسة فإنه من بين إجمالي المواطنين المسلمين المقيمين في إسبانيا، هناك 1.3 مليون أجنبي (55%) وما يزيد قليلاً عن مليون إسباني (45%). وأغلب الأجانب من المغرب (879.943) وباكستان (100.496) والسنغال (83.260).
علاوة على ذلك، تكشف الدراسة أن غالبيتهم -من بين مليون مسلم إسباني- مجنسون، وهو رقم مستمر في النمو وقد ارتفع من 511690 في نهاية عام 2022 إلى 570606 في عام 2023.
فيما أشارت الإحصائيات إلى أن العدد الأكبر من المسلمين يتركز في إقليم كاتالونيا الإسباني (660,392)، تليها الأندلس (395,913)، ومدريد (320,019)، ثم فلنسيا (256,819) ومورسيا (140,924).
من ناحية أخرى، تكشف الدراسة عن زيادة في توظيف معلمي الدين الإسلامي، حيث ارتفع من 144 في العام الدراسي 2022-2023 إلى 243 في العام الدراسي 2023-2024، أي ما يقرب من 69%.
*عربي بوست
انتهى
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.shafaqna.com
بتاريخ:2024-04-26 09:03:45
الكاتب:Sabokrohh