قراءات إیرانیة.. الأولویة للعلاقة مع الغرب أم الدول الخلیجة؟- الأخبار الشرق الأوسط

محمد صالح صدقيان
على مدى ستة أشهر، حقّق السعوديون والإيرانيون خطوات مهمة أبرزها إعادة فتح السفارات وعودة السفراء إلى كل من الرياض وطهران، وهو الأمر الذي سبقته عودة سفيري الإمارات والكويت، ما أعطي انطباعاً بوجود رغبة لدى جميع الأطراف من أجل وضع حد للتدافع الأمني والسياسي في المنطقة والدفع نحو مسار يفضي إلى تعزيز فرص التعاون والأمن والإستقرار في المنطقة.

في ظل هذه الأجواء، يدور نقاشٌ حيويٌ في إيران بشأن جدوي الإنفتاح علي دول المنطقة، في ظل سريان برامج العقوبات الإقتصادية، وبالتالي ما هي الفوائد التي تجنيها طهران جرّاء هذا الإنفتاح وعودة العلاقات الدبلوماسية؟.

وإذا كان منطق الأمور يقول بوجوب أن تنخرط طهران في التفاوض مع الجانب الغربي لإزالة العقوبات؛ إلا أن الصحيح أيضاً أن مسار تطبيع العلاقات الإقليمية ليس سهلاً ولا يسير علي سجادة حمراء بسبب تراكم المشاكل والملفات التي تحتاج إلى الكثير من الحكمة والصبر والمثابرة من أجل حلّها وتكريس مناخ من الثقة المتبادلة.

وفي ظل هذه الأجواء تضج طهران بالأسئلة؛ ماذا تريد إيران من جيرانها في الإقليم؟ وماذا تريد هذه الدول من إيران؟ وهل تستطيع دول الإقليم مسايرة إيران في ما تريد؟ وهل إيران راغبة بالسير وفق “أجندات” هذه الدول؟.

تنقسم الأوساط الإيرانية في محاولة الإجابة على هذه الأسئلة في اتجاهين؛ أول يُشدّد على ضرورة إعادة صياغة علاقات إيران الإقليمية إستناداً إلي التطورات الدولية والإقليمية الأخيرة؛ ذلك أن علاقات إيران الخارجية تشكل الأرضية التي تستطيع إيران من خلالها التحرك للتفاهم مع دول الإقليم وصياغة نظام أمني سياسي إقتصادي إقليمي.

وبحسب هذه القراءة “لم تستطع إيران دفع المحيط الإقليمي إلي التعاون برغم المبادرات التي تقدمت بها مثل مبادرة “سلام هرمز” التي طرحتها حكومة الرئيس حسن روحاني وظلت حبراً على ورق بسبب توتر علاقة إيران بالدول الغربية علي خلفية الإنسحاب من الاتفاق النووي عام 2018 وانسحاب هذا التوتر على علاقة إيران بالدول الإقليمية”.

أما المسار الثاني فيستند إلي قراءة مختلفة مفادها وجوب إعطاء أولوية للآليات والأطر الإقليمية وهذا ما يُمكن أن يؤدي إلى تقليص نفوذ القوي الأجنبية في المنطقة وخلق فرص للتعاون بمشاركة الدول الإقليمية الفاعلة وعبر اتباع سياسة الإحترام المتبادل وبناء الثقة وخلق أجواء حسن النوايا وهي السياسة التي تتبعها حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي راهناً.

هذان المساران كانا علي طاولة رؤساء الجهمورية في إيران؛ فقد سعي الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد إلي تعزيز علاقاته مع الدول الإقليمية لكنه لم يوفق في تحقيق ذلك لأن الوضع الدولي لم يكن عنصراً مساعداً؛ ناهيك بسلوك الدول الغربية التي عملت علي ترحيل ملف إيران النووي من أروقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أروقة مجلس الأمن الدولي، ما أدي إلي فرض عقوبات علي إيران بالشكل الذي أدى إلى تجميد معظم علاقات إيران الإقليمية؛ في حين أن حكومة الرئيس حسن روحاني وعرّاب سياستها الخارجية محمد جواد ظريف كانت تعتقد أن الأولوية يجب أن تكون لمصلحة التوصل مع الدول الغربية إلى إتفاق يُعبّد الطريق ليس مع الغرب وحسب بل مع معظم الدول الإقليمية من دون أي عناء.

ويبدو أن الوزير اللامع محمد جواد ظريف قد وقع في فخ استبعاد دور الدول الإقليمية لمصلحة الإكتفاء بالتواصل مع الغرب، وهو الأمر الذي أثار هواجس الدول الخليجية، ولا سيما إثر التوصل إلى الإتفاق النووي مع الولايات المتحدة وباقي الدول الغربية عام 2015، فضلاً عن التوصل إلى تفاهمات غير مكتوبة مع وزير الخارجية الأمريكي حينذاك جون كيري لجهة مآلات هذا الإتفاق وأهدافه الحقيقية غير المعلنة.

هذا المناخ دفع بالعديد من الدول الإقليمية إلى الرهان على فوز الرئيس الجمهوري دونالد ترامب في انتخابات العام 2016 الرئاسية وصولاً إلى تهليلها لانسحابه من الإتفاق النووي بسبب خشيتها من عواقب هذا الاتفاق ومخاطره علي الأمن الإقليمي. إلا أن حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي قرّرت السير في منحي آخر بتبريد المشاكل مع دول الجوار رغبة منها بالتوصل إلي آليات وأطر أمنية تحكم العلاقة بين الجانبين وصولاً إلى فتح آفاق للتعاون السياسي والإقتصادي. وما نشهده حالياً من تطبيع للعلاقات الإيرانية الخليجية هو تجسيد لتوجهات حكومة رئيسي.

هاتان القراءتان ما زالتا قيد النقاش في الأوساط السياسية الإيرانية وتحديداً لدى دوائر القرار حيث يعتقد وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف أن العلاقات مع دول الإقليم أو دول الشرق مهمة وضرورية ولا يمكن التغاضي عنها لكنه يعتقد أن أولوية السياسة الخارجية الإيرانية يجب أن ترتبط بأولويات الأمن القومي الإيراني؛ فلا أحد ينكر أهمية العلاقة مع الصين علي سبيل المثال، وهي دولة صناعية كبرى واعدة وتملك رصيداً كبيراً في الإقتصاد العالمي؛ كما أنه لا يريد استبعاد العلاقة مع مجموعة “بريكس” أو “منظمة شنغهاي”، لكنه يعتقد أن إزالة العقوبات يجب أن تكون أولوية الأولويات، حتى تتمكن إيران من الإنخراط بخطى واثقة في نظام عالمي وإقليمي يتشكل وسيفضي حتماً إلى نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب. بدورها، حكومة الرئيس إبراهيم رئيسي تعتقد أن إيران تستطيع أن تعيش وتتعايش مع المجتمع الدولي بعيداً عن العقوبات التي لا تحمل ذات القوة بعد التطورات الأخيرة التي شهدها المجتمع الدولي وخصوصاً حرب أوكرانيا؛ وأن الاستدارة نحو الشرق تفتح آفاقاً أكبر في السياسة والإقتصاد والأمن والإجتماع من دون أن تستنفذ طهران محاولة قرع أبواب الغرب، ولكن من دون تقديم تنازلات أو قلب الأولويات.

وثمة قراءة ثالثة تقول بوجوب العمل من أجل إلغاء العقوبات الغربية من دون استبعاد خيار تعزيز العلاقات الإقليمية من أجل ضمان تحقيق مصالح جميع دول المنطقة وبينها إيران بطبيعة الحال.

(U2saleh@gmail.com)

/انتهى/

المصدر
الكاتب:
الموقع : tn.ai
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-10-01 17:14:36
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version