كلمة الإمام الخامنئي خلال لقاء مع أعضاء “مجلس خبراء القيادة”

بسم الله الرحمن الرحیم[1] والحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا ونبيّنا، أبي القاسم المصطفى محمّد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين، [ولا] سيّما بقيّة الله في الأرضين.

أرحِّب بالسّادة المحترمين فرداً فرداً، وأسأل الله المتعالي أن يمنّ عليكم بالمزيد من التّوفيق، وهنا أستذكر الإخوة والأصدقاء الذين كانوا يحضرون في هذا الجمع، وقد التحقوا بالرّحمة الإلهيّة في العام المنصرم، وآخرهم المرحوم الشّيخ إمامي[2] (رضوان الله عليه). تغمّدهم الله وإيّانا برحمته إن شاء الله.

كانت الأقوال التي نقلها جناب السيّد بوشهري[3] عن السّادة أقوالاً جيّدة وشاملة؛ في الواقع ذُكرت في هذا الاجتماع وبُيِّنت جميع الأمور أو الأمور الأساسيّة الضّروريّة للبلاد وللمسؤولين ولنا جميعاً. وفّقنا الله وجميعَ المسؤولين لنتمكّن إن شاء الله من العمل بهذه التّوصيات.

سأخصّ بكلمة الأيّام المتبقيّة من شهر شعبان المبارك. شهر شعبان هو شهر البشارات، وشهر الأفراح، وشهر تطهير القلوب، وتنويرها بالاستغفار، والدّعاء، والمناجاة، وشهر التأهُّب للدّخول في البركات اللّامتناهية واللّامحدودة لشهر رمضان المبارك. وما يطلبه الإنسان من الله المتعالي في هذا الشّهر، هو نوع خاصٌّ؛ «هَبْ لي كَمَالَ الانقِطَاعِ إلَيكَ»[4]، «هَبْ لي قَلباً يُدنيهِ مِنكَ شَوقُهُ، وَلِساناً يَرفَعُهُ إلَيكَ صِدقُه»[5]. هذه المطالب مفعمة بالنّورانيّة، وزاخرة بالألطاف، ومستفيضة بالرّوحانيّة. أما وقد انقضى الشّطر الأعظم من هذا الشّهر؛ فينبغي لنا القول: «اَللهُمَّ اِن لَم تَکُن غَفَرتَ لَنا فیما مَضی مِن شَهرِ شَعبانَ فَاغفِر لَنا فیما بَقیَ مِنه»[6] إن‌شاءالله. نسأل الله أن يساعدنا في هذه الأيّام المتبقّية وأن نستفيد [منها]، لعلّ الله المتعالي يمنّ علينا بفضلٍ منه، إن شاء الله.

كان شهر بهمن وشهر اسفند[7] لهذا العام (1402 ه.ش) موقع ظهور علائم السّيادة الشّعبيّة الإسلاميّة أكثر من أغلب السّنوات الأخرى؛ بدءاً بعشرة الفجر ومسيرة الثّاني والعشرين من بهمن [11 شباط] الحماسيّة، وحتّى انتخابات اسفند وتشكيل «مجلس الخبراء»، فكلّ هذه علائم وخصائص ترتبط بالسّيادة الشّعبيّة الإسلاميّة، والجمهوريّة الإسلاميّة. لذا سأذكر اليوم كلمتين مقتضبَتين، إحداهما حول الجمهوريّة الإسلاميّة، والثّانية موجَّهة إلى «مجلس الخبراء» وإلى الخبراء، وكلمة موجزة أيضاً حول «مجلس الشّورى الإسلاميّ». هذه هي قائمتنا لليوم.

فيما يتعلّق بموضوع الجمهوريّة الإسلاميّة، تعلمون أنّ ولادة الجمهوريّة الإسلاميّة أحدثت تأثيراً عالميّاً وزلزالاً. كان حدثاً عالميّاً، ولم يكن مرتبطاً ببلد معيّن. لقد أطلقت قيادة الإمام [الخمينيّ] الرّاحل (رضوان الله عليه) وهمّة الشّعب الإيرانيّ وشجاعته، وتضحياته في أنحاء البلاد حادثةً أوجدت في العالم جبهتين؛ الأولى هي جبهة الدّيمقراطيّات التّابعة لممشى اللّيبراليّة الدّيمقراطيّة – ولا أرغب في التّعبير عنها بـ«المدرسة» – هذه جبهة، والجبهة الأخرى هي جبهة الجمهوريّة المرتبطة بالدّين والإسلام، لا بل المنبثقة من الدّين والإسلام. نشأت هاتان الجبهتان اللّتان لم يكن لهما وجود قبل تأسيس الجمهوريّة الإسلاميّة. طبعاً كان هناك عوارض لكِلا الطّرفين نتيجة هذا الاصطفاف، وكان عدم الانسجام بين هاتين الجبهتين أمراً طبيعيّاً، وقد ظهر منذ اليوم الأوّل. لا ينبغي التّصوّر أيضاً أنّ عدم الانسجام هذا سببه فقط قضيّة عدم التّمسّك بالدين، بحيث يكون أحد الطّرفين متمسّكاً بالدّين والطّرف الآخر غير مكترث له أو غير متمسّك به مثلاً؛ لم يقتصر الأمر على هذا. طبعاً كان هذا الأمر موجوداً في الظّواهر، لكنّ عمق الخلاف وعدم الانسجام والعداوات في بعض الأحيان يتخطّى هذه الحدود. كانت القضيّة أنّ ذاك الجناح الدّيمقراطيّ الغربيّ السّائد شعرَ أنّ هذا النّموذج الجديد الذي طُرح يتعارض مع مصالحه الأساسيّة، وربّما يتعارض ويتنافى مع وجوده في نهاية المطاف. لقد لمسوا هذا الأمر. منذ أن تأسّست الجمهوريّة الإسلاميّة، نشأ هذا الشّعور لدى الطّرف المقابل بشكل عامّ، واشتدّ وصار أقوى يوماً بعد يوم.

وهذه المعارضة والخِلاف الجدّي إنّما هما لهذا السّبب؛ أنّه في نظام الدّيمقراطيّة اللّيبراليّة والحكومات والدّول التي تأسّست بناء على ذلك المنطق وذلك المسلك، فإنّ «الاستكبار» والاعتداء والتّعدّي متأصّل فيها. الاستكبار بذلك المعنى الذي نستخدمه في الثّورة الإسلاميّة، يعني وجود الظّلم، والتّعدّي، والاعتداء على الشّعوب؛ نعم، هذا المعنى موجود في جوهرها. فقد رأت تلك الحكومات والدّول أنّ ثروتها وقوّتها وسيادتها المطلقة هي في التّعدّي والاعتداء على الشّعوب والبلدان الضّعيفة؛ والدّليل على ذلك هو أنّه في ذروة رفع الشّعارات الرّائجة لذلك التّيّار؛ أي شعار الدّيمقراطيّة، وشعار الحريّة، وشعار حقوق الإنسان – والذي برز في القرن التّاسع عشر – بالتوازي مع هذه الشّعارات، حدثت أكبر حركة استعماريّة لذلك التّيّار في تلك الحقبة؛ أي استعمار دولٍ في آسيا، واستعمار دول كثيرة في أفريقيا، وفي أمريكا اللّاتينيّة، أكثره حصل في القرن التّاسع عشر، وبعضه في القرن العشرين. أي إنّ كليهما حدثا معاً؛ سواء تلك الشّعارات أو الحركة الاستعماريّة الاستكباريّة المصحوبة بالظّلم وتجاهل حقوق الشّعوب، نعم كلّ ذلك مصحوباً بتلك الشّعارات حصل في القرن التّاسع عشر.

وبديهيّ أنّه حينما تنعدم الرّوحانيّة، فإنّ الأرضيّة تتحقّق للظّلم والعدوان والتّعدّي؛ فحينما تشعر مجموعة ما بالقوّة، وبمقدورها، مثلاً، أن تجعل بالضّغوطات وبالقوّة ثروة بلد ما مثل الهند – والذي كان يومذاك ثريّاً، ويمتلك صناعات، ويُعدُّ بلداً متقدّماً، وقويّاً بالنّسبة لذلك العصر – تحت تصرّفها وتمسك بزمامها، بالاستغلال، لتزيد من ثروتها وقوّتها وإمكاناتها، فلماذا لا تفعل؟ حينما تنعدم الرّوحانيّة، فما هو المانع؟ إذاً هي تستطيع وتفعل، وقد فعلت. لقد وقع الاستعمار في شطر مهمّ من آسيا – في شرق آسيا، وفي الهند، وفي الدّول المحيطة بالهند وما شابه – ووقع هذا في أفريقيا، وفي أمريكا اللّاتينيّة. وكذلك في أمريكا الشّماليّة، وهم طبعاً كانوا قد أنقذوا أنفسهم قبل ذلك بجهود كبيرة، وبنضالات جمّة، وإلّا، كانوا لايزالون خاضعين للاستعمار. هذه سِمةُ هذه الجبهة.

أهمّ قضيّة للجبهة المقابلة التي ظهرت مع تأسيس السّيادة الشّعبيّة الدّينيّة، هي التّصدّي لهذه الأحداث؛ أي التّصدّي للظّلم والاستكبار والاعتداء؛ هكذا هي. أي إنّ أساس عمل الحكومة التي تتشكّل على أساس الدّين والإسلام {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُون} (البقرة، 279)، جوهر عملها مقارعة الظّالم، والتّصدّي له؛ {الَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} (النّساء، 76). ولهذا فإنّ هذه المجابهة، وهذا العداء المقابل يظهر بنحو قسريّ. وهذه حقيقة قد وقعت. لا شكّ أنّ تفاصيلها كثيرة؛ أي ثمّة كلام كثير في هذا المجال، وهذا الاستعمار الذي ذكرته هو واحد من الخصائص.

إشعال الحروب، وسفك الدّماء دون حدّ وقيد من أجل السّلطة، هما من خصائص هذه الحكومة التي تُدعى ديمقراطيّة كما يُزعَم، بيد أنّها بعيدة عن الرّوحانيّات، وبعيدة عن المفاهيم والمعارف والتّعاليم الدّينيّة. وحتّى في أوروبا نفسها، وقع كثير من هذه الأحداث المريرة. غاية الأمر إنّ هؤلاء جميعاً عندما يكونون في مواجهة غير الأوروبيين، يتّحدون فيما بينهم، لكن عندما يَفرَغُون، فلديهم خلافات فيما بينهم أيضاً. وبالمناسبة في القرن التّاسع عشر نفسه، فإنّ المشكلات وما حصل في أوروبا، والحروب والمجازر واعتداءات بعضهم على بعض، والاجتياحات الظّالمة وما شابه، فيها تفاصيل كثيرة، وهي الآن لا علاقة لها بقضايانا.

حسناً، ما الذي أصبو إليه من هذا الحديث؟ المحصّلة من كلامي هي: أوّلاً، إنّ مواجهة الجمهوريّة الإسلاميّة للذين تجابههم؛ هي مواجهة للظّلم والاستكبار والاعتداء. لا يسألنّ أحدٌ لماذا تُبدون معارضتكم البلدَ الفلانيّ. إنّنا لا نعارض الحكومات والدّول والشّعوب بحدّ ذاتها. معارضتنا هي إزاء الظّلم والعدوان والاستكبار، وتلك الأحداث التي تشاهدونها في غزّة. يتعرّض شعبٌ وصاحب أرض لمثل هذا الظّلم الكبير في بيته وأرضه، ويجري قتل نسائهم وأطفالهم وعائلاتهم وتدمير بيوتهم وبناهم التّحتيّة وممتلكاتهم بمنتهى القسوة ودون رحمة، وبعض الدّول تتفرّج! لا تكتفي بالحياد وعدم المنع، بل تقدّم العون أيضاً! أمريكا تقدّم العون، بريطانيا أيضاً، وبعض الدّول الأوروبيّة الأخرى كذلك. هذا ما نودّ قوله، إنّنا نعارض هذا الأمر. إنّ ما يجعل الجمهوريّة الإسلاميّة في وجه الجبهة المقابلة هو هذه المفاهيم التي يدينها العقل والعرف وكلّ شرع ودين أيضاً، وكذلك الضّمير البشريّ. نعم، نحن نعارض هذه الأمور. معارضة الجمهوريّة الإسلاميّة هي لهذه [القضايا]، وإلّا فإنّ القرآن الكريم يقول بشأن الكفّار أيضاً: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} (الممتحنة، 8). فلو أنّ كافراً كان يطبّق شروط التّعامل مع الآخرين كما حدّدها الإسلام، فلا توجد أيّ مشكلة معه.

عندما فتحت جيوش الإسلام بلاد الشّام وأمثالها والتي كانت تابعة للرّوم، قال اليهود الذين كانوا هناك للمسلمين أهلاً وسهلاً! عدلكم أنقذنا. كان اليهود في ذلك الزّمن يعيشون تحت الضّغط في ظلّ حكم الإمبراطوريّة الرّومانيّة؛ قالوا إنّ عدلكم أيّها المسلمون أنقذنا. هكذا كان الحال آنذاك؛ كانوا يدخلون إلى البلاد ويُلحظ منهم العدل والقسط. وكذلك الحال إزاء الكافرين. القضيّة هي قضيّة العدوان والظّلم والاستعمار؛ وهذه أوّل مسألة يجب توضيحها وهي أنّ معارضة الجمهوريّة الإسلاميّة، ومواجهتها واصطفافها في مواجهة الجمهوريّات التي اختبأت تحت مسميّات الدّيمقراطية وحقوق الإنسان واللّيبراليّة، هي بسبب باطن عمل هؤلاء ومتن عملهم الذي هو كناية عن الظّلم والاستكبار وما إلى ذلك. هذا الاستنتاج الأوّل الذي أردت استخلاصه من كلامي.

الاستنتاج الثّاني الذي نستخلصه هو أنّه يجب علينا دائماً أن نُبقي راية مقارعة الاستكبار مرفوعةً، ونحرص على ألّا نسمح في أيّ مرحلة بأن تُسلَب منّا. علينا أن نكون روّاداً، وفي الطّليعة، ونسعى لتحلّق هذه الرّاية عالياً يوماً بعد يوم.

والاستنتاج الثّالث والأخير؛ هو توضيح هذه الحقيقة لأجيالنا؛ ليعلم شبابنا، شباب هذا الجيل، وشباب الأجيال القادمة، ماهيّة الجمهوريّة الإسلاميّة، وماهيّة هذا الموقف. بالطّبع، لحسن الحظّ كنّا خلال هذه العقود الأربعة التي مرّت من عمر الجمهوريّة الإسلاميّة، موفّقين في المنطقة وفي العالم في إظهار هذا الوجه والجبهة والتّوجّه للجمهوريّة الإسلاميّة. كان هذا الموضوع الأوّل من حديثي.

بشأن «مجلس الخبراء»؛ في الواقع، أرى أنّ «مجلس الخبراء» يحمل على عاتقه أبرز مهمّة، إذْ يُعدّ «تعيين القائد» و«مراقبة استمرار أهليّة القائد»، من المهامّ الكبرى. ويمكن القول إنّها أعظم مهمّة إداريّة في المجتمع الإيرانيّ في الجمهوريّة الإسلاميّة. ينبغي على «مجلس الخبراء» أن يحرص على تجنّب إغفال المبادئ الثّابتة في الاختيارات والانتخابات التي سيجريها. هذا أمر ضروريّ للغاية. أي يجب أن يجري انتخاب القائد مع مراعاة مبادئ ثابتة وأخذها في الحسبان، فهي من المسلّمات والثّوابت في الجمهوريّة الإسلاميّة. حسناً، نحن أمام نوعين من الأحكام؛ لدينا أحكام ثابتة، وأحكام متغيّرة. وفي الإسلام نفسه لدينا أحكام متغيّرة بعناوين ثانويّة. والأمر كذلك في الجمهوريّة الإسلاميّة؛ تتغيّر بعض الأحكام وفقاً للمقتضيات. ولقد جرت الإشارة إلى ذلك في الدّستور نفسه أيضاً؛ على سبيل المثال، في المادّة 44، إذْ يمكن أن تتغيّر بعض الحالات وفقاً لذيل هذه المادّة. لدينا الكثير من قبيل هذه الحالات، ولكن لدينا مبادئ ثابتة لا يمكن تغييرها. يمكن العثور على هذه المبادئ في الدّستور، و في أقوال الإمام [الخمينيّ] الرّاحل – رضوان الله عليه – ويمكن العثور عليها أيضاً في المعارف الإسلاميّة. وينبغي أن تؤخذ بالحسبان، مثل: إقامة العدل، مكافحة الفساد، رفع مستوى المعرفة الإسلامية، ومستوى العمل الإسلاميّ في المجتمع؛ هذه مبادئ ثابتة وغير قابلة للتّغيير. كان هذا تذكير ونُصح هذا [العبد] الحقير على مرّ السّنوات للأشخاص الحاضرين في «مجلس الخبراء» والذين يحملون مسؤوليّة على عاتقهم.

أكمل بشأن مجلس الشّورى الإسلاميّ أيضاً. إنّ أيّ مجلس جديد[8] يحمل آمالاً جديدة. عندما يتأسّس مجلسٌ جديد، تُطرح معه أيضاً آمالٌ جديدة، وتطلعات إلى آفاق جديدة. يدخل نوّابٌ جُدد إلى المجلس الجديد، وإلى جانبهم نوّاب ذوو تجربة من الدّورة أو الدّورات السّابقة. هذه تركيبة ومجموعة مميّزة جدّاً، فيها الإبداع والتّجديد، وأيضاً فيها الخبرة والتّجربة. فتحصل الاستفادة من التّجارب النّاجحة السّابقة، إضافة إلى الإبداعات الجديدة. حسناً، هذا رأسمال قيّم.

إنّ تأسيس أيّ مجلس جديد يُعدّ رأسَمالٍ قيًّماً ومغنمًا للبلاد، وينبغي معرفة قيمة هذا الأمر. إنّه كما الدّماء التي تُضخّ في شرايين المجموعة السّياسيّة والاجتماعيّة للبلاد، وسوف تترك أثرها، إن شاء الله. إنّه حدثٌ عذب، لكن قد يتحوّل هذا الحدث العذب إلى حدث مرير، شأنه شأن كلّ الحقائق العذبة في العالم، فهناك بعض الأمور والعوامل التي قد تزيل هذه العذوبة. لقد دوّنت – أنا العبد – هنا أنّ ما يمكنه القضاء على عذوبة المجلس الجديد هي التّصريحات التي تثير الخلافات، وافتعال النّزاعات، وبثّ العداوات التي تُسعد العدوّ؛ مثل هذه الأمور قادرة على سلب المجلس الجديد حلاوته وعذوبته. يجب توخّي الحيطة والحذر جيّداً، لابدّ من ذلك. يجب أن يحذر الإخوة والأخوات في المجلس الجديد الذي سيتأسّس بعد فترة قصيرة، وألّا يسمحوا بزوال عذوبة تأسيس المجلس الجديد، إذا لم يلتزموا بهذا الأمر فإنّ الأثر الأوّل لهذا الأمر هو أن يتجرّع الشّعب المرارة، وتصبح الأجواء السّياسيّة في البلاد أليمةً بعد ان كانت نضرةً بشكل قانونيّ عبر الانتخابات وتأسيس المجلس الجديد وقدوم أفراد جدد، نعم قد يزول هذا كلّه. هذا هو الأثر الأوّل لهذا الأمور.

والتّأثير الآخر هو أنّ المجلس سيفقد فاعليّته. أي عندما يغوص مجلس الشّورى الإسلاميّ في الشّجارات والعداوات والمواجهات والاصطفافات المتنوّعة، يتخلّف بشكل طبيعيّ عن مهمّته الأساسيّة، وتَحول الاصطفافات والتّجاذبات دون متابعة هؤلاء لمهمّتهم.

وأنا أرغب في القول إنّ لدينا بطبيعة الحال سيادة شعبيّة إسلاميّة، وعنوان «إسلاميّة» هذا عنوانٌ مهمٌّ إلى حدّ كبير، وهو غير مستخدم حصراً في البيئات السّياسيّة؛ أي إنّ كونها إسلاميّة والجمهوريّة الإسلاميّة لا تقتصر على قيامنا بعرض نموذج سياسيّ. نعم، هذا من أهمّ جوانب العمل، لكنّ الأمر لا ينتهي عند هذا الحدّ.

من المؤشّرات الأساسيّة للجمهوريّة الإسلاميّة أن يكون العاملون فيها متشرّعين، وأن يراعوا الحلال والحرام والكذب والغيبة والاتّهام وأمثال هذه الأمور. فكما يتوجّب علينا أن نراقب في أعمالنا الشّخصيّة، وننتهج التّقوى ونجتنب المحرّمات، ينطبق هذا الأمر نفسه على البيئة السياسيّة والعمل السّياسيّ. ينبغي اجتناب المحرّمات وجعل هذا الأمر على رأس الأعمال. يقول أمير المؤمنين (عليه السّلام): «لو لا التُّقى لكُنت أدهى العرب»[9] تحول التّقوى دون قيام الإنسان بالكثير من الأعمال. يبدأ أمير المؤمنين (عليه السّلام) الكثير من رسائله وأحكامه الموجّهة إلى وُلاته في نهج البلاغة – في الكثير منها ولا أستطيع أن أقول أغلبها؛ في العديد منها – بما يلي: كتابٌ إلى فلان، آمرُهُ بِتَقوَى الله؛[10] التّوصية الأولى هي «آمرُهُ بِتَقوَى الله». في ما يرتبط بمالك الأشتر، وذاك الحكم والأمر إلى مالك الأشتر [يقول (ع):] «آمُرُهُ بِتَقوَى اللهِ وَإيثارِ طَاعَتِه».[11] أي إنّ أمير المؤمنين (عليه السّلام) يؤكّد بهذا النّحو. أو «انطَلِق‌ عَلى تَقوَى اللَه»‌؛[12] التّوصية [هنا] بتقوى الله. لذلك، ينبغي انتهاج التّقوى في الأعمال السّياسيّة وأنواع التّعاطي السياسيّ والاصطفافات السّياسيّة – فبشكل قهريّ هناك مع وجود اختلاف الأذواق اصطفاف بنحو من الأنحاء ولا ضير في هذا الأمر أيضاً – وينبغي للإنسان أن يراعي اجتناب المحرّمات الشّرعيّة بشكل جدّي. في حال تحقّق هذا الأمر ستكون نتائج العمل أيضاً تلك النتائج المرجوّة وسيُضفي الله المتعالي البركة على العمل أيضاً.

نأمل أن يجعل الله المتعالي المتكلّمَ عاملاً بهذا الكلام، إن شاء الله، وأن يوفّق المستمع أيضاً، إن شاء الله، أن يؤثّر هذا الكلام في القلوب ونتمكّن من أداء أعمالنا ومسؤوليّاتنا وفق التّكليف الشّرعيّ.

والسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

 
[1] في مستهل هذا اللقاء الذي عُقد في ختام الاجتماع الثالث عشر للدورة الخامسة لـ«مجلس خبراء القيادة»، استعرض آية الله أحمد جنّتي (رئيس «مجلس الخبراء» وحجّة الإسلام والمسلمين السيّد هاشم حسيني بوشهري (عضو الهيئة الرئيسة لـ«مجلس خبراء القيادة») مطالبَ.
[2] التحق آية الله محمّد إمامي الكاشاني بالرحمة الإلهيّة في 2/3/2024.

[3] رئيس الأمانة العامّة لـ«مجلس خبراء القيادة».
[4] إقبال الأعمال، ج. 2، ص. 687.
[5] السابق.
[6] إقبال الأعمال، ج. 1، ص. 9. [7] بدأ شهر بهمن 1402 في 21 كانون الثاني/يناير 2024، وبدأ شهر اسفند في 20 شباط/ فبراير. [8] أُقيمت الدورة الثانية عشرة من انتخابات «مجلس الشورى الإسلاميّ» في 1 آذار/مارس 2024. [9] الكافي، ج. 8، ص. 24. [10] منها، نهج البلاغة، الرسالة 26. [11] نهج البلاغة، الرسالة 53. [12] منها، نهج البلاغة، الرسالة 25.

المصدر
الكاتب:
الموقع : almanar.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-03-13 11:05:16
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version