في ظل الجمود الذي يسيطر على ملف رئاسة الجمهورية، والشغور الذي تعانيه معظم الوظائف الرسمية من رأس الهرم الى اسفله، ترتفع الحرارة تحت طبق حاكمية مصرف لبنان، على بعد أيام قليلة لبدء العد العكسي لانتهاء ولاية حاكم المركزي رياص سلامة رسميًا، مع عدم توصل الجهات المعنية إلى أي حلّ حتى الآن.
ميقاتي: على منصوري تولّي مَهامّ سلامة
وفي هذا السياق، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أن نواب الحاكم ملزمون بالقيام بدورهم في تسيير أمور المصرف حتى تعيين حاكم جديد. وتركّزت المساعي في اليومين الماضيين على إقناع النواب الأربعة بعدم تقديم استقالة متوقّعة منهم قريباً، فيما لم يتضح ما اذا كان مجلس النواب سيوفر لهم الغطاء القانوني للتصرّف في سوق الصرف.
وفي حديث لـ”الشرق الأوسط” السعودية، أكّد ميقاتي أنه “لن يغطي التمديد لسلامة لقطع الطريق على من يتهمه بأنه يوفر الغطاء السياسي له بذريعة أن لديه مصلحة شخصية في إبقائه على رأس حاكمية مصرف لبنان”. ولفت إلى أن “الحل لملء الشغور في حاكمية مصرف لبنان فور انتهاء ولاية سلامة يكمن في تطبيق القانون الذي يسمح لنائبه وسيم منصوري القيام بالمهام الموكلة إليه”، موضحاً أنه في حال استقالة نواب الحاكم فإن وزير المال “سيطلب منهم الاستمرار في تسيير المرفق العام، وهذا ما ينطبق على مصرف لبنان”.
لاءات ميقاتي
وكشف الرئيس ميقاتي عن لاءاته التي تفتح الباب عملياً امام نظرية تسيير الموقف العام، في حال استقال نواب الحاكم الاربعة. وقال ميقاتي “لن أطلب التمديد لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة أو تعيين من يخلفه، لأني لا اريد أن أعمّق الشرخ بين اللبنانيين، أو أن أرفع من منسوب الانقسام الذي بلغ ذروته مع انسداد الأفق أمام انتخاب رئيس للجمهورية بعد أن دخل الشغور الرئاسي في شهره التاسع”.
وأضاف إن “تكليف سلامة بتسيير أمور مصرف لبنان إلى حين تعيين من يخلفه بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء ليس مدرجاً على جدول أعمالي”، مؤكدا أنه “لن يغطي التمديد لسلامة لقطع الطريق على من يتهمني بأني أوفر الغطاء السياسي له بذريعة أن لدي مصلحة شخصية في إبقائه على رأس حاكمية مصرف لبنان”.
وشدد ميقاتي على أن “الحل لملء الشغور في حاكمية مصرف لبنان فور انتهاء ولاية سلامة يكمن في تطبيق القانون الذي يسمح لنائبه منصوري القيام بالمهام الموكلة إليه”. وقال “من لديه حل آخر فما عليه إلا أن يتقدم به، وأنا من جانبي لن أرشّح أي اسم لخلافة سلامة”، مضيفا إنه “في حال نفذ نواب حاكم مصرف لبنان تهديدهم بالاستقالة من مناصبهم، سيطلب منهم وزير المال يوسف خليل الاستمرار في تسيير المرفق العام”.
سلامة وقوانين الأزمة
في غضون ذلك، كشفت معلومات لـ”الأخبار” أن سلامة عقد اجتماعاً غير رسمي مع عدد من كبار الموظفين في مديريات مصرف لبنان قبل نهاية الأسبوع الماضي، وناقش معهم الوضع العام، وتصوّره لكيفية التعامل مع إدارة الوضع النقدي بعد مغادرته. وقال سلامة إن إدارة الأزمة في لبنان تتطلب أحياناً علاجات تبدو غير علمية أو غير متعارف عليها عالمياً، متحدثاً عن “قوانين الأزمة” التي تفرض نفسها في حالة لبنان. وتحدّث سلامة عن ارتفاع قيمة السيولة لدى المصرف المركزي بالعملات الصعبة إلى أكثر من عشرة مليارات دولار، دون أن يشرح توزّعها وطبيعتها، عازياً تعاظم قيمة السيولة إلى السياسة التي اتّبعها في إدارة السوق النقدي.
وقال سلامة إنّ أي حاكم يأتي من بعده، عليه التعامل وفق ما يقتضيه السوق، إذ إن المطلوب الآن هو منع الانهيار الكبير. وأضاف: “لست ممن يريدون حصول الانهيار للقول إنه لم يحصل في أيامي. وأعرف أنني كما الجميع سندفع ثمن أي انهيار كبير ما لم يجر اعتماد آليات دقيقة لإدارة السوق النقدي”. وتابع: “أنا لا أدعو من يخلفني إلى العمل بالتعاميم أو القرارات نفسها التي أصدرتها، لكن أنصح من سيتولّى الأمر من بعدي، بأن يعرف أن الهدف من وراء هذه التعاميم هو الذي يفترض المحافظة عليه، وعندها لا يهمّ بأي وسائل يمكن تنفيذ ذلك”.
نهاية مناورة نواب الحاكم.. والتعيين والتمديد
وحسب صحيفة البناء تقول المعلومات التي نقلتها مصادر نيابية متابعة لملف مصرف لبنان، إنه تمّ صرف النظر عن فرضية تعيين بديل لحاكم مصرف لبنان وعن مشروع التمديد لولايته لبضعة شهور، وإن الحل الوحيد هو تحمل نواب الحاكم، وخصوصاً النائب الأول، للمسؤوليات التي يحدّدها القانون، وأضافت أن لا قيمة لاستقالة نواب الحاكم فردياً او جماعياً، لأن الاستقالة لا قيمة لها ما لم يتم قبولها من الحكومة، خصوصاً أن من تولى منصب نائب الحاكم يعلم وهو يتقاضى بدلات مرتفعة لقاء ذلك أنه تم تعيينه لتحمل المسؤولية عند شغور منصب الحاكم، وكان عليه الاعتذار عند تعيينه إذا كان يعتقد بأنه لا يستطيع تحمل المسؤولية.
أحكام قانون النقد والتسليف
ويقول الخبير الدستوري والقانوني عادل يمين لـ “البناء”: بحسب أحكام قانون النقد والتسليف عند شغور منصب الحاكم يتولى الحاكمية النائب الأول. أما إذا استقال النائب الاول فعليه البقاء في مهماته إلى أن يقبل مجلس الوزراء استقالته، مضيفاً لا يجوز لمجلس الوزراء قبول الاستقالة في ظل استحالة تعيين حاكم جديد، مع إشارته الى أنه لا يحق لنائب الحاكم ترك مهماته في ظل استعصاء تعيين حاكم، لأنه بذلك يعطل سير المرفق العام وهو أمر يرتب مسؤوليات قانونية. ويضيف يمين: وفي أسوأ الحالات يمكن للقضاء الإداري تعيين مدير مؤقت في حال استنكف النائب الأول عن القيام بواجباته، وهو امر له تداعيات ويرتب مسؤوليات على المستنكف.
وأشار وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال هنري خوري الى أنه “بمجرد حصول استقالة النواب الأربعة لحاكم مصرف لبنان لا تعني تركهم لمناصبهم، وقبل قبول الاستقالة لا أحد يستطيع ترك منصبه”. واعتبر بانه “لا شك في أن بيان نواب حاكم المركزي يحمل خلفيات، والاستقالة لا تعني ترك المنصب”. واوضح خوري بأن “أي قرار إداري من وزير المال يوسف خليل لتكليف رياض سلامة بتسيير المرفق العام قابل للطعن”.
واكد عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب حسن فضل الله من جهته، أن هناك نصوصاً قانونية واضحة تؤدي إلى ملء الفراغات المؤقتة لتسيير المرفق العام، وخصوصاً ما يتعلق منها بالمصرف المركزي، حيث لا يمكن لأي أحد أن يأتي في هذا الظرف الاستثنائي ويقول للناس إنه يريد أن يتخلى عن مسؤوليته.
أما البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي فبين أنّ “المصرف المركزيّ في أزمة كيانيّة، ويطالب نوّاب الحاكم بضرورة تعيين حاكم جديد لمدّة ستّ سنوات، ويرفضون السير في التعيين بالوكالة لفترةٍ تنتهي مع انتخاب رئيس جديد للجمهوريّة”. وأوضح الرّاعي أنّ “التعنّت في إبقاء الفراغ في سدّة الرئاسة، المقصود بكلّ أسف من أجل أهداف شخصيّة وفئويّة ومستقبليّة، قد أوصل إلى نتيجة حتميّة، تسمّى في المجلس النيابي المحوّل إلى هيئة ناخبة تشريع الضرورة، وفي حكومة تصريف الأعمال: تعيينات الضرورة”.
لا انتخاب رئيس جديد للجمهورية قريباً
مرجع كبير أكّد لـ”الجمهورية” ان المعطيات المتوافرة لديه تؤكد ان “لا انتخاب رئيس جديد للجمهورية قريباً” لأنّ الانقسام العمودي بين المعنيين يتفاقَم، ولا يبدو انّ هناك اي فريق مستعد الى الآن لملاقاة الفريق الآخر الى منتصف الطريق.
ويصل الموفد الرئاسي الفرنسي جان- ديف لودريان الاثنين المقبل في 17 الجاري، ليجري محادثات تتعلق بالحوار، قبل نقله الى وظيفة جديدة في المملكة العربية السعودية، بدءا من الخريف المقبل، إذ عيّن خلف لجيرار ميستراليه رئيس الوكالة الفرنسية لتطوير العلاقات في المملكة العربية السعودية، وانه سيتسلم منصبه الجديد في أيلول المقبل. علماً أنّه لم يصدر ما يؤكد ذلك رسمياً. لكن في حال تأكد الخبر فإن ذلك لا يمنع استمرار لودريان بمهمته اللبنانية حتى ايلول.
لكن مصادر سياسية نفت تبلغ المسؤولين اللبنانيين، اي موعد رسمي لعودة المبعوث الرئاسي الفرنسي ايف لودريان إلى لبنان مجددا، وقالت ان كل ما يتم تداوله بهذا الخصوص، يندرج في اطار التوقعات والاستنتاجات، بينما في الواقع لم يطرأ اي تطور في ملف الانتخابات الرئاسية منذ مغادرة لودريان للبنان مؤخرا، والامور ما تزال تراوح مكانها، في ظل الامعان بتعطيل جلسات انتخاب الرئيس وتجاوز الدستور، واطالة امد الفراغ الرئاسي، واتساع وتيرة التداعيات السلبية التي تطال المؤسسات والادارات العامة ومرتكزات الدولة الاساسية.
المصدر
الكاتب:
الموقع : www.almanar.com.lb
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-07-10 09:50:57
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي