ما يجري في سورية مخطط أمريكي إسرائيلي تركي

ما يجري في سورية مخطط أمريكي إسرائيلي تركي

سأل رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم عبد الباري عطوان فما اذا سيكون الهُجوم على حلب مُقدّمةً لتغيير الأنظمة في سورية وإيران والعِراق بمُشاركةٍ أمريكيّةٍ- إسرائيليّة؟ ولماذا انضمّ أردوغان إلى هذا المُخطّط وكيف قد يرتدّ سلبًا وربّما حربًا على تركيا؟

وأفادت وكالة مهر للأنباء، أن رئيس تحرير صحيفة رأي اليوم عبد الباري كتب حول ما يجري في سورية وخاصة حلب قائلا: هذه الهجمات التي تشنّها فصائل سُوريّة مُعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) بالاشتراك مع قوّات أجنبيّة لم يُحدّدها بيان الجيش العربي السوري، ويُعتقد أنها أوكرانيّة وتركيّة ومُرتزقة، لا يُمكن أن تكون وليدة السّاعة، وإنّما تأتي في إطارِ مُخطّطٍ أمريكيٍّ إسرائيليٍّ تُركيٍّ، واستغرق الإعداد له عدّة أشهر، إنْ لم يكن أكثر، في الغُرف السريّة المُغلقة.

نحنُ أمام إعادة إحياء “أوّليّة” لسيناريو عام 2011 الذي أعدّته الجهات نفسها المُشاركة حاليًّا في الهُجوم على مدينة حلب بطريقةٍ فاجأت السّلطات السوريّة وحُلفاءها الروس، وتنعكس هذه المُفاجأة في سيطرة القوّات المُهاجمة على أكثر من نصف مدينة حلب في أقل من يوم، وانسحاب وحدات الجيش العربي السوري من المدينة بشكلٍ تكتيكيٍّ، تجنّبًا لخسائرٍ أكبر، ولإعادة التّموضع في إطار استعدادٍ أكبر لاستعادة المدينة، وإخراج القوّات المُهاجمة منها على غرارِ ما حدث قبل عدّة سنوات، ويبدو أنّ زمن الحافلات الخضراء سيعود مجددًا في الأسابيع أو الأشهر المُقبلة.

ما يجري حاليًّا في سورية هو إعادة حَرفيّة للسّيناريو الذي طبّقته الولايات المتحدة الأمريكيّة في العراق ابتداءً من عام 1991، أي فرض حصارٍ تجويعيٍّ خانقٍ يتلوه غزو واحتلال عسكري بعد 12 عامًا يُؤدّي إلى تغيير النظام، ولكن ما ينطبق على العِراق قد لا ينطبق على سورية التي تملك جيشًا قويًّا، وحاضنة شعبيّة مُوالية، وحليفًا استراتيجيًّا يتمثّل في روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين، ومحور مُقاومة برأسٍ إيرانيٍّ قويٍّ عسكريٍّ وربّما نوويٍّ أيضًا، وأذرع عقائديّة مُتعدّدة مُسلّحة جيّدًا وتتوزّع في لبنان، والعِراق، واليمن، وفِلسطين المُحتلّة، ولهذا لا نستبعد فشل هذا السّيناريو الثّاني في سورية مثلما فشلت نُسخته الأولى.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي مُتورّطٌ بشكلٍ مُباشر في هذا العُدوان، ليس لأنّه فضح مُشاركته هذه باتّهام الرئيس السوري بشار الأسد بأنّه “يلعب بالنّار” بدعمه لحزب الله، ورفضه كُلّ الضّغوط والتّهديدات الأمريكيّة والإسرائيليّة لمنع مُرور شُحنات الصّواريخ والمعدّات العسكريّة الإيرانيّة الحديثة إلى حزب الله، ولعلّ الغارات التي شنّتها الطّائرات الإسرائيليّة على المعابر على الحُدود اللبنانيّة السوريّة، لتدميرها أحد الأمثلة الرئيسيّة في هذا المُخطّط.

الجيش العربي السوري عندما يتصدّى لهذا المُخطّط ويُدافع عن مدينة حلب، يفعل ذلك ليس من أجل الحِفاظ على السّيادة السوريّة ووحدة تُرابها الوطنيّ فقط، وإنّما دفاعًا عن إيران زعيمة محور المُقاومة، وعن روسيا أيضًا، ومصالحها الاستراتيجيّة، فنتنياهو أعلن أكثر من مرّةٍ أنّه قَبِل باتّفاق وقف إطلاق النّار في لبنان حتى يتفرّغ لمُواجهة إيران، والقضاء على المُقاومة وكتائبها كافّة في قطاع غزة.

هاكان فيدان وزير الخارجيّة التركي، ورئيس المُخابرات السّابق، أكّد في مُؤتمرٍ صحافي عقده اليوم السبت، أنّ تركيا ليس لها علاقة بما يحدث حاليًّا من مُواجهاتٍ عسكريّةٍ في منطقتيّ حلب وأدلب في شمال سورية، ولكنّ هذه التّأكيدات لا تُقنع أحدًا، فجميع الفصائل المُشاركة في هذا الهُجوم لا يُمكن أن تُطلق رصاصة من بُندقيّة صيد على عُصفور في شمال سورية دون عِلم ومُوافقة المُخابرات التركيّة التي ترعاها وتُسلّحها وتُقدّم لها الحماية.

هذا التورّط، وأيًّا كان حجمه وطبيعته، قد يرتدّ سلبًا على الرئيس رجب طيّب أردوغان وحُكومته، والأمن القومي التركي، وعلاقاته مع الدولة الروسيّة الجارة القويّة، فهذا الهُجوم على حلب لا يُشكّل انتهاكًا لاتّفاقات الآستانة، وتفاهمات مُنتجع سوتشي التي وقّعها مع الرئيس بوتين شخصيًّا وتنصّ على إخراج جميع “الجماعات المُسلّحة” من مدينة إدلب وريفها فقط، ولعلّ الغارات السوريّة- الروسيّة المُشتركة التي استهدفت هذه الجماعات أمس وقتلت أكثر من 500 مُقاتل ينتمون إليها ربّما تكون مُقدّمة لصدامٍ عسكريٍّ تركيٍّ روسيّ.

إذا كان الرئيس أردوغان الذي لا يُخفي أطماعه في حلب السوريّة، والموصل العِراقيّة، باعتبارهما في نظره أراضٍ تُركيّة، يُريد إخراج القوّات السوريّة من حلب، وتتويج حُلفائه في المُعارضة السوريّة المُسلّحة حُكّامًا عليها مثلما فعل في إدلب وبعض المناطق الأُخرى التي تحتلّها قوّاته في شِمال سورية، وبهدف ترحيل أكبر عددٍ من اللّاجئين السوريين في تركيا إليها، فإنّه مُخطِئٌ في هذا التّقدير، وقد يحدث العكس، أي تدفّق مِئات الآلاف من اللاجئين السوريين الجُدُد واقتِحامهم الحُدود التركيّة طلبًا للأمان عند العم أردوغان.

استخدام جبهة النصرة ومُقاتليها مُسيّرات وصواريخ حديثة تُفيد بعض الأنباء أنها جاءت من أوكرانيا، ويُشرف على استِخدامها في حربِ حلب هذه مُستشارون من الجيش الأوكراني، فإنّ هذا الاستخدام شِبه المُؤكّد يُشكّل انتهاكًا لكُلّ الخُطوط الحُمر الروسيّة وكشفًا للدّور السرّيّ التركيّ المسكوت عنه في الحرب الأوكرانيّة.

عندما التقيت الرئيس السوري بشار الأسد لما يقرب الخمس ساعات في بيته في أيّار (مايو) عام 2023 أكّد لي أنه لا يثق مُطلقًا بالرئيس أردوغان، ولن يلتقيه إلّا بعد انسحاب جميع القوّات التركيّة من الأراضي السوريّة، ولن يتنازل عن هذا الشّرط تحت أيّ ظرفٍ من الظّروف، ولم يُفاجئني رفض الرئيس الأسد لكُلّ دعوات الرئيس أردوغان للمُصالحة، وعقد قمّة ثُنائيّة بينه وبين الرئيس السوري برعاية الرئيس بوتين إلّا بعد تعهّدٍ واضحٍ ومضمون روسيًّا بالانسِحاب من الأراضي السوريّة.

فُرص نجاح هذا المُخطّط الثّلاثي الأمريكي الإسرائيلي التركي الجديد لتفتيت سورية مجددًا، وتغيير النظام فيها في إطار سيناريو نتنياهو لإعادة رسم خرائط المِنطقة تحت العلم الإسرائيلي، تبدو محدودةً جدًّا، إن لم تكن معدومة، ولا نعتقد أنّ إيران وروسيا ستقفان مكتوفتيّ الأيدي تُجاهه لسببٍ بسيط، لأنّ هزيمة سورية ستكون مُقدّمة لهزيمة النّظامين الإيراني والروسي، وربّما العِراقي أيضًا.. والأيّام بيننا.

/انتهى/

رمز الخبر 1951400

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.mehrnews.com
بتاريخ:2024-12-01 16:49:00
الكاتب:
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version