باختصار يعكس حصيلة الخيبة التي انتهت إليها المهمة الاستطلاعية لبعثة صندوق النقد الدولي في ختام جولتها في بيروت، جزمت بأن «لبنان لم يقم باتخاذ الإصلاحات الضرورية بسرعة، وسيكون لهذا أثر على الاقتصاد لسنوات قادمة. وذلك بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية لاتخاذ قرارات صعبة».
ورأت في بيان لها أن عدم إطلاق الإصلاحات المنشودة يترك لبنان في وضع ضعيف مع القطاع المصرفي، وخدمات عامة غير كافية، وبنية تحتية متدهورة، وتفاقم في ظروف الفقر والبطالة، وتوسيع أكبر لفجوة الدخل. بينما ما زال التضخم في الأعداد ثلاثية الأرقام، مما يضغط بشكل إضافي على الدخل الحقيقي، واستمرار انخفاض احتياطي العملات الأجنبية في النصف الأول من العام، بما في ذلك بسبب تمويل مصرف لبنان لعمليات شبه مالية والعجز الكبير في الميزان التجاري.
وإذ أكدت وجوب توحيد جميع أسعار الصرف الرسمية بسعر السوق، مما سيساعد على القضاء على فرص التحكم في الأسعار والربح التي تثقل عبء المالية العامة، نوهت بالقرارات الأخيرة التي اتخذها الحاكمية الجديدة للبنك المركزي بوصفها خطوات في الاتجاه الصحيح، لا سيما التخلص تدريجياً من منصة «صيرفة»، وإنشاء منصة تداول عملات أجنبية مرموقة وشفافة، ووقف استنزاف احتياطيات العملات الأجنبية، والحد من التمويل النقدي، وزيادة الشفافية المالية.
لكن أشارت أيضاً إلى وجوب دعم هذه الخطوات مؤقتاً من خلال قانون القيود على الرساميل والسحوبات (كابيتال كونترول)، وتكملتها بإجراءات سياسية من الحكومة والبرلمان لمعالجة مشكلات القطاع المالي من خلال الاعتراف بالخسائر وتقديم خطوات هيكلية للبنوك.
ولاحظت أن الحكومة تحتاج إلى تنفيذ استراتيجية مالية منسجمة لاستعادة استدانة مستدامة وإيجاد مساحة للإنفاق الاجتماعي والبنية التحتية. في حين أن ميزانية عام 2024 المقترحة يجب أن تضمن أنها متسقة مع عملية توحيد سعر الصرف، التي بدأت بها حاكمية «المركزي». كما يجب تجنب منح تفضيلات لبعض دافعي الضرائب على حساب الآخرين.
ولم تُفاجَأ بعثة الصندوق برئاسة ارنستو راميراز في اجتماعاتها التي شملت كبار المسؤولين في الدولة والبنك المركزي والقطاع الخاص ومجموعة من الخبراء، بوقائع الإخلال المحقّق في انسياب التعهدات الرئاسية والحكومية في دفع الإصلاحات المطلوبة ضمن المهل المحددة. كما لم تتردّد في الإفصاح عن استنتاجات فورية تشي بأن الجانب اللبناني غير جاهز في المدى المنظور، لبلوغ استحقاق الاتفاق النهائي والمبنيّ على مندرجات الاتفاق الأولي الذي تم إبرامه في شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي على مستوى فريقَي العمل، والمعزّز ببرنامج تمويلي يبلغ 3 مليارات دولار موزّع على أربع سنوات.
لكن ما بدا مدهشاً للفريق الدولي، يكمن، حسب المصادر، في اتساع رقعة التباينات وترتيب الأولويات بين السلطتين التنفيذية والتشريعية أساساً، والتنافس في تقديم شهادات «التبرؤ» من التقصير من المسؤولين المعنيين في كل سلطة على حدة ليس فيما يخص الإصلاحات المنشودة فقط، إنما بشأن المقاربات الخاصة بتصويب الانحرافات المالية وتوزُّع المسؤوليات عن الفجوة المشهودة في ميزانية البنك المركزي، وكيفية توزيع الأحمال على رباعي الدولة والسلطة النقدية والجهاز المصرفي والمودعين.
وثمة خشية متصاعدة في أوساط القطاع المالي، من الإمعان في «الشطارة» المشهودة محلياً في تقديم تبريرات «غير» مقنعة لتأخير الموجبات الإصلاحية، وبحيث تلقى التعهدات القائمة مع فريق الصندوق مصير الالتزامات الحكومية السابقة في مؤتمر «سيدر» في ربيع عام 2018، أي قبل انفجار الأزمات، لقاء وعود جدية من المجتمع الدولي بضخ منح مالية وقروض يصل مجموعها إلى نحو 11 مليار دولار.
وبذلك، يتخوّف مسؤولون ماليون ومصرفيون يتابعون الملف من سياسة الإمعان في شراء الوقت على حساب تعاظم الفجوة المالية إلى ما يتعدى 75 مليار دولار حالياً واستمرار انحدار الناتج المحلي إلى ما دون 20 مليار دولار من مستواه الأعلى البالغ نحو 53 مليار دولار إبّان انعقاد مؤتمر «سيدر».
بل يُخشى، على سبيل التشبيه، أن يصل راميراز نفسه إلى سن «التقاعد» قبل تحقيق أي تقدم في ملفه اللبناني، وعلى المنوال عينه الذي اختبره المنسق الفرنسي لمؤتمر المانحين السفير بيار دوكان، الذي لم يَفُتْه التأكيد، في ختام مسيرته الوظيفية، أهمية توقيع لبنان الاتفاق مع صندوق النقد كونه يمثل المدخل الوحيد لحصول لبنان على مساعدات دولية.
لجنة المال
وأظهرت مداخلة لافتة لرئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان عقب لقائه ورئيس لجنة الإدارة والعدل النائب جورج عدوان، مع راميراز ومعاونيه، جانباً من التباينات بين السلطات المعنية في تصنيف الأولويات، حيث أكد أنّ اللقاء شهد مصارحة كاملة، و«عرضنا كل شيء، لا سيما المسألة المركزية التي يتهرب منها الجميع وتُعنى بالودائع» في البنوك، وأنه «يجب وضع حلول لمسألة الودائع، وعملية بيع المواقف للمجتمع الدولي لكسب رضاه ليست عملنا».
ويتوافق أغلب شروط الصندوق مع لائحة الموجبات التي سلّمتها القيادة الجديدة للبنك المركزي برئاسة الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، للحكومة ولجنة الإدارة والعدل النيابية، وفي مقدمها تشريعياً إقرار خطة التعافي، ومشروعي قانونين لإعادة هيكلة المصارف، ووضع ضوابط استثنائية على التحويلات والرساميل (كابيتال كونترول)، بالإضافة إلى إجراءات تنفيذية تسهم في تحسين سوق صرف الليرة، بدءاً من الإطلاق المرتقب لمنصة «بلومبرغ» للمبادلات النقدية، ثم إقرار تعديلات على قانون مهنة الصرافة، ووصولاً إلى تطبيق أسس التعاون بين السلطات التشريعية والتنفيذية والنقدية.
ومع تثبّت البعثة، وفقاً للمصادر، من استمرار بطء الاستجابة اللبنانية لهذه الحزمة من الشروط المتروكة في عهدة السلطات المعنية، فهي أبدت ارتياحها النسبي للإشارات الواعدة ومتابعتها اللاحقة للمسار التشريعي المُفضي إلى بدء رحلة إعادة انتظام المالية العامة، ربطاً بانتهاء الحكومة من الإقرار المبكر لمشروع قانون موازنة العام المقبل وإحالته إلى المجلس النيابي، مقروناً بتطلعات العودة إلى مظلة تشريع الإنفاق والواردات وبعض الإصلاحات الضريبية المرفقة في موعدها الدستوري خلال العقد الخريفي للمجلس النيابي.
مرتبط
المصدر الكاتب:hanay shamout الموقع : lebanoneconomy.net نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-09-16 06:04:36 ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي