قائد من جيل جديد، زعيم سياسي عربي، لكنه لا يعيش في قصر، بل عاش في الأنفاق مع جنده لتحرير أرضه، قائد عسكري، لكنه لا يحمل الأوسمة المرصعة الملونة الخاوية، بل قاتل حتى الرمق الأخير، لا يتقي الموت بفوج من الحماية من حوله، ولا يركب المصفحات، بل يدخل ميدان قتال العدو ويواجهه لوحده، يهابه العدو فيأتي لقتاله بعشرات الجنود ويرمونه بقذائف الدبابات، وهو يُقبل على قتالهم حتى الرمق الأخير، لانه يعتبر الموت بصواريخ الـ”إف 16″ أفضل من الموت فطيسة – كما عبر السنوار بنفسه – وكأن الله يريده مشهدا سينمائيا خالدا يمحو عن ذاكرة الأمة كل أبطال الخيال الهوليودي، ويرسخ في ذاكرة الشباب مشهد بطل حقيقي ولد من رحم هذه الأمة، يكتب بمداد الدم معادلة جديدة؛ أن لا مستقبل لكم في عالم الغد، ولن تعود حقوقكم وكرامتكم إلا بوجود زعامات جديدة، لم يولدوا في القصور، ولا يتوقوا للعيش فيها، يأكلون مما يأكل الفقراء، ويلبسون ما يلبسون، زهدوا في الدنيا، ولذا هم لا يتبعون أمريكا ولا يلحسون قصاع الصهيونية، ولم يتربعوا على عروشهم لا بتنصيب من الاستعمار البريطاني ولا الفرنسي، ولا بانقلاب خُطط له في المخابرات الغربية، يسبقون شعبهم في التضحية، بابنائهم وأسرهم، ويتمنون ان تكون خاتمتهم الشهادة في سبيل الله، وهكذا يكون.
منذ ان سقطت الخلافة العثمانية، ومنذ ان دخل الإنجليز فلسطين وقال الجنرال إدموند ألنبي: الآن انتهت الحروب الصليبية، ومنذ معاهدة سايكس بيكو، قرر المنتصرون في الحرب العالمية الأولى ألّا يحكم بلادنا إلا التابعين لهم والخانعين، حكام وملوك لا يتوقون الى تحقيق رغبة شعوبهم، بل غاية مناهم هي تحقيق رغبة الملكة في لندن . وبعد تثبيت انتصار المنتصرين في الحرب العالمية الاولى في الثانية ايضا عام 45، وتأسيس دويلة الكيان الصهيوني اللقيط، ولما لم تستطع جيوش العرب مجتمعة ان تهزم دويلة احتلت اقدس أرض عربية، وجمعت شعبها من شتى أصقاع الأرض، وبنت كيانها على جماجم الشعب الفلسطيني، كُشف المستور عن عمق فساد وضعف في نظام الحكم العربي لم ينفع لعلاجه لا انقلاب الـ 53 في مصر، ولا انقلاب 58 في العراق، حتى تجرأت الدويلة اللقيطة في ايقاع العرب في نكسة الـ67، وكانت ثمرة بطولات الجيش المصري والسوري والعراقي في حرب اكتوبر عام 73، هي اتفاقية كامب ديفيد المشؤومة وتيار التطبيع الجارف الذي جرف معه حتى ياسر عرفات (رحمه الله)، ووصل الحال في مُلك العرب ان يُهان فيه الملوك والأمراء علنا وعلى الهواء مباشرة على لسان ترامب: بأن يقول وبلا خجل ولا وجل بأنه أبلغ ملك المملكة العربية السعودية، أنه إذا رفعت أمريكا عنكم الحماية فلن يدوم لكم المُلك أكثر من أسبوعين، ولذا عليكم أن تدفعوا، وجرى له ذلك – وسيجري لهم ذلك متى شاؤوا – فأخذ 470 مليار دولار لينقلها الى البنوك الأمريكية، هذا غير الهدايا الشخصية التي فاقت الـ200 مليون دولار.
واليوم وبعد طوفان الأقصى وصل تماهي حكام التطبيع مع العدو الى حد المشاركة في جريمة الإبادة الجماعية التي يرتكبها الإسرائيلي في قطاع غزة، وألّا يدخل ولا كيس واحد من الدقيق من المعابر والحدود العربية الى الشعب الذي يقتل جوعا في غزة، لكن الجسر البري يمتد عبر ثلاث دول عربية ليصل الى الكيان اللقيط ويمده بكل ما يحتاج.
أمام هذا السقوط التأريخي والإستسلام الناتج عن إحساس الهزيمة المتراكم من ويلات وهزائم تعود الى مائة عام، كان لابد ومن الطبيعي جدا أن يولد جيل من قادة أنجبتهم البقية الباقية من أصالة الأمة، وانتمائها الديني والحضاري، قادة استلهموا الدرس من الإمام الخميني (رضوان الله عليه)، رجل أطلق ثورته من مدينة قم الإيرانية، من المسجد والحسينية، فاستجابت له الجماهير وانتصر، لم يُنصب نفسه لا ملكا ولا أميرا، ولم يسكن قصرا، ولم يضف لأمواله دينارا، وفارق الدنيا من دار مستأجرة، بعد أن أقام دولة صمدت أمام شياطين الشرق والغرب، واليوم تغزو الفضاء، وهي الأقوى في المنطقة .
وأما اليوم، اذ يمر العالم من منطعف تأريخي، تسقط فيه قوى، وتصعد أخرى، ويترك العالم وراء ظهره الأحادية القطبية التي أرادتها أمريكا، وتسقط فيه كل المعادلات التي فرضها المنتصرون في الحرب العالمية الثانية، فلا عسكرة تحكمها أمريكا، ولا إقتصادات يحكمها الدولار.
ولأن الغرب يعرف اللغز ويقرأ المستقبل، قرر إيقاف عجلة التقدم المشرقي، وبدأ العمل الحثيث والمواجهة حتى الموت في معركة الوجود، فكان الثقل الأكبر في المواجهة، والميدان الأكثر خطورة هو غرب آسيا (الشرق الأوسط) حيث دلوعة قوى الاستعمار المشؤومة، والشجرة الخبيثة التي غرسوا غرسها الشيطاني قبل أكثر من مائة عام (الكيان الصهيوني اللقيط)، قرروا مواجهة إعصار الصين الكاسح لكل وجودهم، من صنيعتهم اللاشرعية بأن يحولوها الى قطب إقتصادي، على مستوى الممرات التجارية، من خلال طريق الهند حيفا، ممر تُنقل منه بضائع الشرق بإتجاه الغرب – فضلا عن قناة بن غوريون التي تمر من قطاع غزة والكيان يريدها بديلا عن قناة السويس -. وعلى مستوى الطاقة، قرر الغرب ان يكون الكيان اللقيط هو البديل لأوروبا عن الغاز الروسي، طبعا بعد ان يستحوذ الكيان على حقول الغاز في ساحل غزة ولبنان، فكان لابد للكيان من إلتهام غزة وجنوب لبنان بعدها.
وكل الخطط كانت معدة، والجيش الإسرائيلي على أهبة الإستعداد، لكن المقاومة بددت الأحلام الصهيوأمريكية بطوفان الأقصى، لا بجيش عربي ولا بإمرة ملك من آل فلان وعلان، بل بفصائل اختارت العودة الى نهج الكفاح المسلح، وبقيادة كابدت ما يكابده المستضعفون من شعوب أمتهم، وليثبتوا للعالم مقولة القائد الشهيد السيد حسن نصر الله التي سيرددها الأجيال: “إسرائيل والله أوهن من بيت العنكبوت” ، ولتثبت للعالم أن هذه الشعوب مستعدة لدخول المستقبل بقوة واستقلال، وستكون قوة وقطبا من أقطاب عالم الغد، بشرط أن تختار لنفسها زعامة جديرة ببناء هذا المستقبل.
ليث جعفر
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.alalam.ir بتاريخ:2024-11-04 23:11:00
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي