من وحي الوصي.. كيف أسس أمير المؤمنين لقضاء عادل ومتين؟

لقد أراد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام التأسيس لقضاء عادل ورصين، على اعتبار ان القضاء ممثلًا بالقائمين عليه (القضاة) هو الميزان الذي يمكن أن يحقق العدل والإنصاف بين المتخاصمين، ويمكن أيضا ان ينحرف عن جادة الحق والصواب، وان كل ذلك مرهون بحسن اختيار القضاة من جهة وكيفية تعامل القيادة السياسية للدولة مع القضاء فضلا عن القواعد الادبية والإجرائية التي يجب ان يسير عليها القضاة.

وهذا ما ركز عليه الإمام عليه السلام في مسألة بناء الجهاز القضائي، اذ حدد المواصفات التي يجب توفرها فيمن يتم اختياره مع بيان كيفية تعامل الادارة مع القضاء وهو ما سنعرضه بايجاز في هذا المقال.

صفات القضاة

هناك مواصفات يجب ان يتحلى بها من يتم اختياره للقضاء، فهو بالإضافة الى وجوب علمه بالشريعة وأحكامها فإنه يجب أن يكون من افضل الناس من حيث خصاله وسجاياه الشخصية، ومن ذلك:

  1. أن يكون القاضي ممن لا تضيق به الأمور، أي ان يكون لديه حل لكل مسألة ومعضلة تعرض عليه (ثم اختر للحكم بين الناس افضل رعيتك في نفسك ممن لا تضيق به الامور).
  2. أن يكون القاضي ممن (لا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزلّة) أي ان لا يكون عسر الخُلق وسريع الغضب ولا تحمله مخاصمة الخصوم على اللجاجة والاصرار على رأيه خاصة اذا كان في رأيه زلة أي السقوط في الخطأ.
  3. أن يكون القاضي ممن (لا يُحصر في الفيء الى الحق اذا عرفه) أي لا يضيق صدره من الرجوع الى الحق اذا عرفه.
  4. أن يكون القاضي ممن (لا تُشرف نفسه على الطمع) أي ان يكون نزيهاً وممن لا تسوّل له نفسه حتى مجرد النظر الى المطامع لأنه في درجة سامية لا يليق بها النظر الى المطامع بانواعها وهي من سافلات الامور.
  5. أن يكون القاضي ممن (لا يكتفي بأدنى فهم دون اقصاه) أي لا يكتفي بما يبدو له بأول فهم للقضية التي بين يديه، بل يكون باذلا للجهد ومتأملا حتى الوصول الى اقصى فهم للموضوع ومن ثم يكون صارما في اصدار حكمه فيه بعد ان يكون الحكم قد توضح لديه بعد التأمل والدراسة الدقيقة وعندها يكون اقرب من الصواب والحق.
  6. أن يكون القاضي (اوقفهم في الشبهات)، أي ممن لا يتسرع في اصدار الحكم في حالة الشبهات أي لا يتضح الحكم عليه، مما يتطلب استخدام ما يعرف اليوم بالسلطة التقديرية للقاضي والتي يجب ان تكون مبنية على اساس الاخذ بالحجج (وآخذهم بالحجج) التي يبديها الخصوم وان يناقش كلا منهم بتأن ٍوتدقيق وان يصبر حتى تتكشف له الامور (وأصبرهم على تكشف الامور) ثم بعد ذلك يصدر حكماً صارماً قاطعاً بعد اتضاح الحقيقة وانجلاء الشبهة.
  7. ان يكون القاضي ممن (لا يزدهيه اطراء) أي لا يستخفه الاطراء أي زيادة الثناء عليه و(لا يستميله اغراء) أي لا يميل بحكمه تبعا لما يقدم اليه من المغريات.

ان الامام بعد ان يذكر كل هذه المواصفات اللازمة لضمان نزاهة القضاء نراه -وهو العارف بنوازع وطبائع النفس البشرية- يذكّر الوالي (الحاكم السياسي) بان الذين تنطبق عليهم هذه المواصفات مجتمعة قليل، وان على الحاكم (المؤسسة الحاكمة) البحث الدقيق عن مثل هؤلاء الرجال لان صلاح القضاء لن يتحقق الا بصلاح القائمين عليه وان صلاح الامة ونهوضها لن يتحقق الا بصلاح القضاء.

أسس تعامل القيادة السياسية للدولة مع القضاء

ان الامام عليه السلام اكمالا لصورة القضاء الفاضل يحدد جملة امور مهمة لضمان نزاهة القضاء واحقاق الحق وابطال الباطل ومن هذه الامور الآتي:

  1. ان يواظب الحاكم على متابعة ومراقبة الاحكام التي يصدرها القاضي (ثم أكثر تعاهد قضائه) وهذا يعطيه حق الاعتراض اذا وجد ان الحكم مخالف للشرع (القانون) ولا يحقق مقتضيات العدالة او ان ذلك على الاقل يشعر القاضي ان احكامه تحت المراقبة والتدقيق.
  2. ان يفسح الحاكم (المؤسسة الحاكمة)للقاضي في البذل والعطاء المادي بما يكفي حاجته وعياله ويضمن له مستوى العيش اللائق به وبعياله ولا يحتاج للناس من الناحية المادية (وافسح له في البذل ما يزيل علته وتقل معه حاجته الى الناس).
  3. ان يعطي الحاكم للقاضي المنزلة العالية لديه بل ان تكون منزلة القاضي لدى الحاكم اعلى مما يطمح اليه كل المقربين من الحاكم، لأن ذلك يجعل الاتصال بين الحاكم والقاضي مباشرا ولا يفسح المجال امام الوشاة والمتصيدين ممن قد يكون القاضي قد ضرب مصالحهم (بالحق) ويرغبون في اغتياله (اسقاطه) في نظر الحاكم (واعطه من المنزلة لديك ما لا يطمع فيه غيره من خاصتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال له عندك).

المبالغة بالاهتمام

ثم انه عليه السلام يعود ليؤكد على اهمية ايلاء موضوع القضاء اقصى الاهتمام لأن الدين بدون قضاء عادل ورصين يكون اسيراً في ايدي الاشرار ويخضع لأهوائهم ويتاجر به لنيل المآرب الدنيوية بدلا من ان يكون السبيل للوصول الى الكمال ونيل رضا الله سبحانه وتعالى، فيقول عليه السلام: (فانظر في ذلك نظراً بليغاً، فان هذا الدين قد كان أسيراً في ايدي الاشرار يعمل فيه بالهوى، وتطلب به الدنيا).

ان القضاء الرصين والمستقل والعادل ركن اساس لقيام الدولة العادلة، ويكفي ان نشير في هذا المقام الى ان قرار مجلس عصبة الامم في 4 ايلول سنة 1931 والمتعلق بإنهاء الانتداب البريطاني على العراق وقبول العراق عضوا في عصبة الامم انما صدر عن اعتبار ان العراق قد استوفى شروط رفع الانتداب ونيل الاستقلال ومنها ان يتمتع بسلطة قضائية رصينة ومستقلة وملتزمة بتحقيق متطلبات العدالة، وهو ما كان امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام يسعى للتأسيس له قبل أربعة عشر قرناً من الزمان.

السيد ياسين الجابري/موقع الولایة

————————–

المقالات والتقارير المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :ar.shafaqna.com
بتاريخ:2024-05-27 20:30:23
الكاتب:Shafaqna1
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version