<
p style=”text-align: justify”>راشيل خير الدين
ترتيبات “اليوم التالي للحرب” أو بتعبير أدق “ما بعد غزة”، عنوان إنصرفت الولايات المتحدة الأميركية إلى ضبطه بدقة وبلورته، لرسم سياساتها الخارجية وتثبيت نفوذها في الشرق الأوسط، المنطقة التي لا تزال بقعة جغرافية حيوية لمصالحها الاستراتيجية، على غرار خطة “المارشال” لإعادة بناء أوروبا إبان الحرب العالمية الثانية.
من أنقاض إلى إحياء أعيد بناء القارة العجوز، ولكن، في التفاصيل يكمن الشيطان!
كانت خطة المارشال، أو برنامج الانتعاش الأوروبي، خطوة استراتيجية خلال الحرب الباردة لإعادة بناء الاقتصاد والبنية التحتية في أوروبا الغربية، لكنها حملت في الوقت ذاته دوافع سياسية وأهداف خفية، تجلى أبرزها بتطويق المد الشيوعي وإضعاف ارتباط دول أوروبا بالاتحاد السوفياتي، إضافة الى ربط الاقتصاد الأمريكي بالاقتصاد الأوروبي وما يليه من فرض للهيمنة الأمريكية على تلك القارة.
أضحى المشروع فيما بعد بفعل نجاحه وتحقيق مآربه آنذاك، نموذجا للمساعدات الخارجية في عدة بلدان، كالعراق وأفغانستان، إلا أن مركز “بيغن – السادات للدراسات الإستراتيجية ” كشف المستور.
يقول المركز إن الولايات المتحدة حققت نجاحًا أقل، عند تقديمها المساعدات في مناطق أخرى متورطة في حروب وصراعات في السنوات التي تلت خطة مارشال الأصلية، إلا أن خطة الرصيف الأميركي قبالة سواحل قطاع غزة المتسترة خلف عباءة المساعدات، أو ميناء اللاعودة بحسب توصيف المركز، وما يختزل الكثير من المآسي، هو الخطوة الأولى في خطة المارشال الأميركية الخاصة بالشرق الأوسط، مما يعني إعادة تشكيل جيوسياسي للمنطقة.
معطياتٌ تقاطعت مع دعوة جيش الاحتلال الاسرائيلي قبل سنوات الى تفعيل “خطة مارشال” في غزة لإحباط ما أسمته استيلاء قوات أكثر تشددا من حماس على السلطة، حسب تعبيرها، بحيث دعا منسق أنشطة الحكومة في المناطق، اللواء يوآف مردخاي، إلى تطبيق نسخة غزة من خطة مارشال والتي من خلالها يوجه المجتمع الدولي كميات من المساعدات لتحسين الاقتصاد في القطاع.
النفوذ الأميركي ومعضلة اليوم التالي للحرب
المنظور الأميركي – الإسرائيلي وما يطبخ في أروقة الغرف المغلقة، لما بعد غزة، ولتقويض حركة حماس من جهة وفرض الهيمنة الأميركية الإسرائيلية على القطاع من جهة أخرى، يتجلى رويدا رويدا، فتنقشع الرؤية، إذ كشفت صحيفة “بوليتيكو” مؤخرا، عن وثيقة سرية تعود لوزارة الخارجية الأميركية، تظهر مساعي واشنطن لضمان وجودها في أية ترتيبات قد تُعتمد في مرحلة ما بعد الحرب، وذلك من خلال مخطط يتضمن تشكيل قوة أمنية فلسطينية تكون بمثابة “هيكل حكم مؤقت” لإدارة القطاع، وإنتداب مستشار مدني أمريكي يعمل بالتنسيق مع قائد قوة حفظ السلام، التي تحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن إقناع دول عربية كـ مصر والمغرب والإمارات بالانضمام اليها، والذي بدوره (القائد) سيكون إما فلسطينيا أو من إحدى الدول العربية، وذلك من دون التطرق الى أية تفاصيل فيما يخص عدد تلك القوات الأجنبية أو البلدان التي ستستقدم منها.
المطالبات الإسرائيلية بتطبيق خطة مارشال في غزة، وما كشفه تقرير لـ”بوليتيكو”، يتقاطع تماما مع ما ذكرته قبل أعوام صحيفة “يديعوت أحرونوت” الصهيونية، عن توجه الاحتلال الى دراسة خطة “مارشال” لإدارة القطاع بإشراف دولي، من خلال دخول جهات إقليمية ودولية الى غزة عبر قرار دولي بهدف التوصل إلى صيغة يتم على اثرها تشكيل جهاز حكم مدني في القطاع، ضمن إدارة مصرية، ومراقبين من الأمم المتحدة والجامعة العربية.
أما اللافت للأمر هو ما ترجمته “الرؤية الطوباوية” للقطاع 2035 التي نشرها مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، القائمة على 3 مراحل، تقوم أولى مراحلها على تشكيل تحالف عربي مهمته توزيع المساعدات الإنسانية والإشراف عليها، ومن ثم إنشاء هيئة متعددة الأطراف، تدار من قبل فلسطينيي القطاع، وذلك بالتزامن مع تطبيق خطة مارشال لإعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد، ليتم فيما بعد الإنتقال الى “الحكم الذاتي”، وبالتالي نقل السلطة ببطء إما إلى حكومة محلية في غزة أو إلى حكومة فلسطينية موحدة، والإنضمام أخيرا الى “إتفاقيات أبراهام”.
التطبيع “رئة” المارشال وعصبها
تعتبر إتفاقيات التطبيع رئة المارشال وعصبها، وشريان حياة رؤية غزة ٢٠٣٥ لما تمثله من أرض خصبة لتنفيذ الخطة الإقليمية وفقا لوثيقة نتنياهو، التي تقوم على مبدأ تطبيق المارشال، بما يسمح للدول المطبّعة، حرية الوصول دون قيود إلى موانئ غزة من خلال السكك الحديدية وخطوط الأنابيب.
ولعل الجولات المكوكية للمسوؤلين الأميركيين الى المنطقة وتحديدا الى السعودية، تشي بمحاولة واشنطن وضع العلاقات السعودية – الاسرائيلية على سكة التطبيع بشكل رسمي وعلني، لما يمثل ذلك عاملا مهما من حيث تنفيذ المشاريع الضخمة في خطة نتنياهو الذي يطمح الى ربط نيوم السعودية، وسيناء المصرية، بغزة من خلال تلك المشاريع، فضلا عن تمكين القطاع من العمل كميناء صناعي مهم على البحر الأبيض المتوسط، لتصدير النفط السعودي ومواد خام اخرى من الخليج وإنشاء منطقة تجارة حرة وتحويله فيما بعد إلى مركز رئيسي لتصنيع السيارات الكهربائية، وذلك على غرار خطة المارشال المتعلقة بأوروبا التي ركزت على إعادة بناء البنى التحتية مثل النقل والطاقة وإصلاح وتحديث السكك الحديدية والموانىء والمطارات، مما يسهل التحرك عبر الحدود.
وتكريسا للأهداف الاستراتيجية والمصالح الأميركية، ستعمل الولايات المتحدة بدورها على تثبيت نفوذها في المنطقة، وتسعى الى تحقيق رؤية إدارة بايدن في إقامة ممر تجاري بين الهند والشرق الأوسط والإمارات والبحرين، لمواجهة الصين وتكريس التطبيع، بما يتيح لها الوصول إلى البحر الأبيض المتوسط.
وعلى الرغم من أن سيناريوهات مرحلة ما بعد الحرب، يبدو أنها غير قابلة للتحقق، بفعل الصمود الأسطوري للمقاومة الفلسطينية، إلا أن “مركز بيغن” يقول إن “فشل مشروع ميناء غزة سيعزز من نفوذ خصوم واشنطن إقليميا”، فهل ستتبخر أحلام الولايات المتحدة ومن ورائها الكيان الإسرائيلي وتذهب أدراج الرياح؟ كما جرفت أمواج بحر قطاع غزة الصامد، جزءاً من اللسان البحري المؤقت، الإجابة رهن عمليات المقاومة الباسلة وصمود بيئتها الحاضنة.
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.almanar.com.lb بتاريخ:2024-07-05 23:30:35
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي