هآرتس 13/1/2025، تسفي برئيل: ترامب شريك قيد الانتظار
منذ 15 شهر تجري مفاوضات مع حماس، وعلينا أن نأمل أنه في الايام القريبة القادمة ستصل الى نهايتها. “الدلائل المشيرة” تثير بشكل طبيعي مشاعر متفائلة، مغلفة بظل ثقيل وطعم مر، التي بقيت بعد كل “تطور جديد”، و”شرط آخر” أو “انعطافة اللحظة الاخيرة”، التي ظهرت في جولات سابقة. لكن لا يمكن تجاهل حقيقة أن اسرائيل تجري المفاوضات ليس امام قطر أو مصر، وليس ايضا مع الولايات المتحدة: هذه مفاوضات مع منظمة ارهابية قاتلة، وهكذا فانه لا يوجد أي جديد.
بعد كل عملية في غزة وجدت اسرائيل نفسها أمام منظمة، لا يوجد بينهما اعتراف متبادل، ورغم ذلك وافق الطرفان على أخذ تعهدات متبادلة على مسؤوليتها لوقف اطلاق النار واعادة اعمار القطاع أو نقل الاموال لدفع رواتب الموظفين، وفعليا محاربين، الذين شغلتهم حماس. هذه الحوارات التي توسطت فيها دول وجهات اجنبية، رسخت شبكة العلاقات بين الدولة وبين هذه المنظمة وكأنهما جهتين متساويتين في المكانة والقوة.
ايضا الآن التعامل مع حماس، رغم تحطم البنى العسكرية والمدنية لها، والتي لم تنهر تماما بعد، ومجرد وجود مفاوضات التي فيها الطرف الضعيف عسكريا ما زال يمكنه املاء الشروط وطرح طلبات وتقديم تنازلات ومحاولة املاء نتائج، كل ذلك يخلق وضع متناقض الذي فيه الطرف القوي يضطر الى التعامل مع الخصم وكأنه مساو له في المكانة. يبدو أن المفاوضات هي حول بند واحد وهو اعادة المخطوفين، ولكن في نهاية المطاف هذه المفاوضات يمكن أن تؤثر على الوضع السياسي والمحلي والاقليمي.
اسرائيل ليست الدولة الوحيدة التي وجدت نفسها خاضعة لضغوط تجبرها على تجاوز، وحتى الغاء، النماذج التي وجهت نشاطاتها مع التنظيمات الارهابية. المقولة “الخالدة” التي بحسبها لا نجري مفاوضات مع الارهابيين، والاستراتيجية التي اعتقدت أن القوة الزائدة والدمار الزائد هي التي ستخضع المنظمة، والحكم الذي يقول بأنها لن تتمكن من املاء نتائج الحرب، كلها انهارت. ايضا الولايات المتحدة، التي الرئيس المنتخب لها دونالد ترامب، يهدد بفتح باب جهنم اذا لم يتم التوصل الى صفقة حتى موعد دخوله الى البيت الابيض، لم تتخيل أنه في نهاية الحرب الدموية في افغانستان ستضطر ليس فقط الى الجلوس مع طالبان على الطاولة، التي تعتبر منظمة ارهابية، بل ايضا التوقيع معها على اتفاق والاعتراف بحكمها في افغانستان.
الاتفاق الذي وقع في شباط 2020 في الدوحة في عهد ترامب، ينص ضمن امور اخرى، على أنه مقابل وقف اطلاق النار وانسحاب القوات الامريكية فان افغانستان لن تشكل بعد الآن قاعدة للتنظيمات الارهابية التي تريد العمل ضد الاهداف الامريكية أو ضد الجنود الامريكيين، وقد تم ذكر جدول زمني لانسحاب القوات الامريكية من افغانستان، وطالب باجراء مفاوضات بين طالبان وحكومة افغانستان حول اتفاق سياسي. الاتفاق تم خرقه بعد فترة قصيرة من التوقيع عليه، لكنه سمح لترامب بانسحاب اكثر من 5 آلاف جندي. هذه السابقة ابقت لوريثه جو بايدن مهمة اجراء مفاوضات اخرى مع طالبان، التي انتهت في آب 2021 بالانسحاب الكامل للقوات الامريكية في عملية بائسة ومخجلة. طالبان بقيت هي الحاكمة في الدولة.
في ساحة اخرى، اليمن، ترامب كان شريكا ناجعا ايضا في المفاوضات التي اجرتها السعودية مع الحوثيين في 2019، بعد أن تعرضت لهجوم شديد على منشآت النفط فيها، رغم أنه أيد الحرب في اليمن ووفر للسعودية مساعدات عسكرية كبيرة، إلا أن ترامب اضطر الى الضغط على السعودية لاجراء مفاوضات مع الحوثيين من اجل أن يستطيع تمرير صفقة سلاح اخرى في الكونغرس، الذي طلب وقف التعاون العسكري مع السعودية في كل ما يتعلق بالحرب في اليمن. قبل سنتين تقريبا استأنفت السعودية المفاوضات مع الحوثيين ووافقت على وقف اطلاق النار، وحتى على دفع رواتب موظفي الدولة في اليمن الذين يعملون في مناطق سيطرة الحوثيين، هكذا هي تساعد في تمويل نظام الحوثيين.
في افغانستان مثلما في اليمن، تحولت منظمات ارهابية الى قوة دولة وحكام فعليين. رغم أن الحوثيين يعتبرون منظمة ارهابية – الصفة التي “اعطيت” لهم في فترة ترامب، فقد رفعت في بداية ولاية بايدن وتم استئنافها في السنة الماضية في اعقاب هجماتهم على مسار الملاحة في البحر الاحمر، وعلى اسرائيل وعلى اهداف امريكية – إلا أن السعودية تستمر في التمسك بوقف اطلاق النار الذي تم التوقيع عليه قبل سنتين تقريبا. هي تعمل على الدفع قدما باتفاق سياسي مع اليمن، وليست عضوة في التحالف العسكري الذي شكلته الولايات المتحدة في البحر الاحمر.
تركيا هي مثال آخر على الدولة التي تحارب منذ منتصف الثمانينيات ضد منظمة “حزب العمال الكردي” (بي.كي.كي)، الذي يعتبر، ليس فقط في تركيا، منظمة ارهابية. اكثر من 40 ألف شخص قتلوا في الحرب التي تعتبر في تركيا حرب وجودية. تركيا التي احتلت مناطق في سوريا من اجل أن تشكل “حزام أمان” وتطمح الى توسيع مناطق سيطرتها في سوريا لتدمير المؤسسة العسكرية والمدنية للاكراد، تطلب من اكراد سوريا، الذين تعتبرهم “شركاء في ارهاب الـ بي.كي.كي، نزع سلاحهم أو أن يدفنوا معه، كما هدد منذ فترة قصيرة الرئيس رجب طيب اردوغان. وفي نفس الوقت فانه قبل اسبوعين بدأت تفحص امكانية التصالح، بالذات مع الـ بي.كي.كي، وحتى أنها سمحت لممثلي الحزب المؤيد للاكراد (دي.إي.ام) بالالتقاء مع رئيس الـ بي.كي.كي، عبد الله اوجلان، الذي يقضي حكم بالسجن المؤبد. قناة المصالحة مع بي.كي.كي تقترح وقف النار وحقوق ثقافية وسياسية، مقابل الاعلان عن نزع المنظمة لسلاحها وتفكيك اطاره التنظيمي.
هذه الخطوة توجد لها علاقة عميقة مع تطلعات تركيا في سوريا، والادراك بأنه يجب عليها حل النزاع مع الاكراد – الارهابيون الذين يهددون وجودها – اذا كانت تنوي أن تكون شريكة مؤثرة في النظام الجديد في سوريا بقيادة احمد الشرع. ايضا هو، بالمناسبة، ارهابي بشكل “رسمي”، الذي حظي باعادة تأهيل كاملة ونجح في تدمير نظام الاسد. ليس فقط اردوغان سارع الى مصافحته، ايضا الادارة الامريكية سارعت الى المثول في دمشق والغاء الجائزة بمبلغ 10 ملايين دولار التي وضعت مقابل رأس الشرع. الآن تتم مناقشة امكانية رفع العقوبات عن سوريا.
هذه ليست المرة الاولى التي تبادر فيها تركيا الى اجراء مفاوضات مع المنظمة الارهابية الكردية. في 2010 ايضا بدأت في السر في فحص احتمالية بلورة اتفاق مع الانفصاليين الاكراد، وبعد ثلاث سنوات من ذلك بدأت عملية علنية من المصالحة التي استمرت حتى 2015، في اطارها عرض اردوغان، ضمن امور اخرى، وقف اطلاق النار والعفو عن من “ايديه ليست ملطخة بالدماء”. ولكن عمليات كبيرة وقعت خلال ثلاثة اشهر، عندما كانت الانتخابات على الباب، افشلت العملية.
رغم أن هذه الامثلة تعلمنا عن المرونة الكبير لمفهوم “الارهاب” والطريقة التي فيها الدول مستعدة لاستبدال استراتيجية الحرب ضد الارهاب عندما سنحت فرصة لتغيير سياسي مناسب، إلا أن مكانة حماس مختلفة بشكل جوهري عن مكانة طالبان والحوثيين والاكراد. فحماس منظمة لم تعرض في أي يوم المصالحة مع اسرائيل. واسرائيل لم تعتبرها البديل عن قيادة فلسطينية. اسرائيل قامت برعايتها بشكل منهجي كهيئة حكومية موازية من اجل أن تستطيع افشال المكانة الحصرية للسلطة الفلسطينية وم.ت.ف كهيئات تمثيلية للفلسطينيين وكشركاء في اتفاق سياسي دائم. حماس “طلب” منها الحفاظ على فصل مطلق بين الضفة الغربية والقطاع، وفي المقابل، حصلت على امتياز من اسرائيل لادارة القطاع.
في 7 اكتوبر تحطم هذا “الاتفاق” الى شظايا، والتقاء المصالح بين اسرائيل وحماس اصبح صدام تكتوني ودمر كل شيء في طريقه. ولكن الآن، حيث صفقة التبادل آخذة في النضوج وتملي انسحاب قوات الجيش الاسرائيلي من مناطق معينة في قطاع غزة، وتقتضي الانسحاب الكامل عند استكمالها، فان اسرائيل مطلوب منها ايجاد بديل لحماس كي يقوم بادارة القطاع. هذا البديل يوجد في رام الله، الذي تصفه إسرائيل كمنظمة إرهاب. غير ان السلطة الفلسطينية (الإرهابية) هي جسم معترف به دوليا ومن إسرائيل ولا يزال ينسق معها اعماله الأمنية. رئيس السلطة يعارض الكفاح المسلح وبالتسوية معه يتعلق التطبيع مع السعودية الذي يتطلع اليه ترامب.
من يتطلع الى ان تحصل إسرائيل من ترامب على إذن بان تدمر نهائيا السلطة وتضم المناطق، يجدر به أن يتذكر بان هذا هو الرئيس الذي وقع على اتفاق مع طالبان والذي دفع السعودية الى اجراء مفاوضات مع الحوثيين والذي يطالب تركيا ببلورة اتفاق مع الاكراد. وترامب أيضا لم يعلن انه تنازل عن حل الدولتين والذي طرحه بصورة صريحة في “صفقة القرن” الخاصة به.
مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-01-14 17:15:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
/a>