هآرتس: مشهد انتخابه رئيسا للبنان هو فقط بداية طريق الجنرال جوزيف عون

هآرتس 10/1/2025، تسفي برئيل: مشهد انتخابه رئيسا للبنان هو فقط بداية طريق الجنرال جوزيف عون

حتى اللحظة الأخيرة قبل فرز أصوات أعضاء البرلمان في جلسة انتخاب الرئيس، كان يبدو أن الامر يتعلق بحدث آخر على المسرح السياسي اللبناني، وكأنه لم تحدث حرب، وأن الدولة غير مفلسة، وأن حزب الله ما زال بكامل قوته السياسية، وأن النظام في سوريا لم يتغير، وأن “الفرصة التاريخية” التي ستحدد مستقبل الدولة هي فقط حلقة اخرى في مسلسل كوميدي باسم “لبنان ينتخب الرئيس”. الكراهية والانتقاد والاتهام التي تبادلها أعضاء البرلمان في الوقت الذي سبق الجولة الأولى للتصويت، انتقلت الى صناديق الاقتراع، التي كتب على واحد منها جوزيف، عاموس وبن فرحان، بالإشارة الى أن انتخاب جوزيف عون ليس اختيار الـ 128 عضو في البرلمان، بل هو اختيار عاموس هوخشتين، المبعوث الأمريكي، واختيار يزيد بن فرحان، المسؤول عن الملف اللبناني في وزارة الخارجية السعودية. “لقد تم استدعاءنا للمصادقة على املاء وليس للانتخاب”، قال احد أعضاء البرلمان.

في الجولة الأولى حصل جوزيف عون على 71 صوت من بين الـ 86 صوت المطلوبة من اجل المصادقة على تعيينه. ولكن نبيه بري (87 سنة)، رئيس البرلمان ورئيس حركة “أمل” الذي توسط بين حزب الله والحكومة اللبنانية ودول الوساطة من اجل التوقيع على اتفاق وقف اطلاق النار مع إسرائيل، كان قصير النفس. فقد صمم على استكمال عملية انتخاب الرئيس، وليس عبثا قام بدعوة عشرات الدبلوماسيين الأجانب للمشاركة في هذا العرض. التصويت في الجولة الثانية قام بتأجيله لساعتين، التي نجح فيها بالتهديد والمصالحة ولي الاذرع. بعد ذلك حصل عون على 99 صوت واصبح الرئيس الـ 14 للبنان.

لقد شهد دستور لبنان أمس صعود وهبوط، حيث ظهر وكأنه اللاعب الرئيسي الذي يهدد افشال عملية الانتخاب. الدستور يمنع الموظفين الكبار، من بينهم ضباط جيش كبار وقضاة، من الترشح للرئاسة. بالتالي، لم يكن من المفروض حتى أن يكون عون مرشح لمنصب الرئيس. ولكن اختيار جنرال يتولى منصبه لمنصب الرئيس كانت له سابقة بالفعل، حيث تم انتخاب ميشيل سليمان، قائد الجيش، في العام 2002 لمنصب الرئيس. العقبة الدستورية تبخرت عند انتهاء جولة الانتخابات الثانية، ولبنان اثبت بأنه دولة يعرف القانون فيها كيفية اظهار المرونة البهلوانية.

هذا كان فقط الامتحان الأول، السهل نسبيا، الذي كان على عون أن يواجهه. لقد احتاج نجاح المجلس النيابي لانتخاب رئيس 13 جولة تصويت منذ تشرين الأول 2023، وانتهاء ولاية الرئيس السابق ميشيل عون (لا توجد قرابة بين الاثنين). أسباب ذلك كثيرة: الخلافات السياسية الشديدة بين حزب الله (الذي دعم سليمان فرنجية) وبين رؤساء الأحزاب المسيحية، مثل سمير جعجع، زعيم القوات اللبنانية، سامي الجميل نجل امين الجميل، ورئيس حزب الكتائب، والخصومة بينهم وبين جبران باسيل، صهر الرئيس السابق ورئيس حزب “التيار الوطني الحر”، السلوك المتلون لحنبلاط، وهو الزعيم الدرزي الذي عارض مرة حزب الله ومرة أخرى أيد مرشحه، والخلافات بينه وبين الزعيم الدرزي الآخر وئام وهاب، كل ذلك جعل جولة انتخاب الرئيس عديمة الجدوى.

امس حاول باسيل أيضا الاعتراض على التصويت، الذي حسب رأيه تم تحت ضغط كبير من الخارج. “نحن عدنا الى عهد القناصل (الأجانب) في لبنان، الذين يملون من الخارج اسم الرئيس”، اتهم باسيل. “نحن نشاهد الآن خطوة التعيين التي يقوم بها البرلمان… هذا مشهد مخجل”. وبعد فشله في جهود تخريب عملية انتخاب عون، يتوقع أن يكون باسيل زارع الألغام الرئيسي في طريق الرئيس الجديد، وهو لن يكون الوحيد.

الشخص الذي انتخب لاعادة الاعمار

يمكن التقدير بيقين بأنه لولا الحرب ونتائجها، أيضا جولة انتخاب الرئيس الحالية كانت ستتأخر بدون تقييد. لكن الضربة الشديدة التي تلقاها حزب الله والاضرار الكبيرة، المباشرة وغير المباشرة، التي تسببت بها الحرب للبنان (التي تقدر بنحو 13 مليار دولار)، ومليون وربع لاجيء ومهجر، وعشرات آلاف البيوت التي تم تدميرها – كل ذلك خلق ضغط جماهيري داخلي كبير، الذي حول مسألة انتخاب الرئيس وتشكيل الحكومة الى الفرصة الأخيرة للبنان من اجل الحفاظ على مكانته كدولة.

عند التآكل العميق لقوة حزب الله العسكرية، ضعفت أيضا قبضة ايران القوية في لبنان. لقد كان من الواضح لحزب الله برئاسة نعيم القاسم، ولطهران أيضا، بأن الوضع الجديد يحتاج الى تغيير الاستراتيجية اذا كانوا يريدون الحفاظ على الأقل على التأثير السياسي في لبنان. في نفس الوقت تبلور الضغط الدولي (لا سيما الأمريكي والفرنسي) الذي خلال الحرب لم ينجح في احداث في لبنان انعطافة سياسية، وانضمت اليه السعودية بشكل نشط. فهي أيضا يمكن أن تكون الممول الرئيسي لاعادة اعمار لبنان. في الفترة الأخيرة اصبح هذا الضغط مكبس ثقيل، وجعل نعيم قاسم يعلن بأن حزبه لن يستخدم الفيتو على انتخاب عون. لذلك، في يوم الأربعاء اعلن مرشح حزب الله، سليمان فرنجية، عن انسحابه من التنافس ودعمه لعون.

عون (60 سنة)، الذي أدى اليمين لمنصب الرئيس بعد التصويت على الفور وسار فوق السجاد الأحمر الى قصر الرئاسة في بعبده، تولى هذا المنصب في اصعب الأوقات في تاريخ لبنان منذ انتهاء الحرب الاهلية ي 1989. عون هو ابن عائلة عادية، ولد في قرية العيشية في جنوب لبنان، وهو هاو للصيد والأفلام الوثائقية، واضافة الى اللغة العربية هو يتحدث الفرنسية والانجليزية. وهو زوج نعمات التي كانت مديرة العلاقات الخارجية في الجامعة الامريكية في بيروت، وأب لخليل ونور. هو يأتي الى قصر الرئاسة مع سجل عسكري له تقدير، ومع شبكة علاقات ممتازة مع نظرائه الفرنسيين والامريكيين، لكن بدون قاعدة سياسية ممأسسة أو عائلة ثرية أو جذور سياسية واجتماعية.

الذخر الأكثر أهمية الذي سيجلبه عون للبنان هو الغطاء الدولي الذي سيرافقه ويؤيده بعد بذل جهود كبيرة للدفع قدما بانتخابه. مع ذلك، هو لم يكن عضو في البرلمان أو رئيس حكومة. صلاحياته حسب الدستور كبيرة، هو يمكنه حل البرلمان والمبادرة الى طرح قوانين والمصادقة عليها أو وضع فيتو عليها، والمصادقة على تشكيلة الحكومة والميزانية، لكنه بحاجة الى مواجهة القوى السياسية نفسها التي أوصلت لبنان الى شفا الهاوية.

منذ العام 2022 تتولى في لبنان حكومة مؤقتة برئاسة الملياردير نجيب ميقاتي. صلاحيات هذه الحكومة وقدرتها على إدارة أي سياسة هي محدودة حسب الدستور، وبالاساس هي أسيرة للقوى السياسية، وعلى رأسها حزب الله الذي الى جانب حركة أمل وشركاء آخرين مستقلين خلقوا كتلة مانعة وعملوا على شل الحكومة والدولة. الخطوة الأولى لعون ستكون بناء على ذلك تعيين رئيس للحكومة متفق عليه.

التجربة تعلمنا بأن العملية يمكن أن تستغرق بضعة أسابيع وحتى اشهر (سعد الحريري استغرقه الامر تسعة اشهر من النقاشات لتشكيل حكومته في 2021، قبل رفع يده وتقديم استقالته)، باستثناء اذا ساعد الضغط والوضع عون في استكمال التعيين في القريب. رئيس الحكومة سيقف هو نفسه امام تحدي تشكيل حكومة متفق عليها، ومثلما تعلم رؤساء الحكومات السابقين فان تشكيلة الحكومة تتعلق بقدرتها على تنفيذ سياستها.

حسب الدستور فان القرارات المهمة التي تريد الحكومة تطبيقها (المصادقة على الميزانية، اعلان الحرب أو عقد اتفاق سلام)، تحتاج الى تأييد ثلثي الأعضاء فيها. أي أنه يكفي ثلث أعضاء الحكومة وعضو واحد آخر من اجل الغاء أي قرار. “الثلث المانع” كان المفهوم الذي رافق الحكومات الأخيرة، التي تمسك فيها حزب الله بهذا الكابح المدمر رغم العدد القليل لاعضائه. هذه المتاهة يضاف اليها قواعد “العرف السياسي” في لبنان (الذي ترسخ بعد اتفاق الطائف)، الذي بحسبه الوزارات الحكومية والشركات الحكومية ومحافظ البنك المركزي وجهاز المخابرات يتم توزيعها حسب نسبة الطوائف. إضافة الى ذلك هناك تقسيم داخلي مثير للمواجهات، بين الوزارات الحكومية الهامة، مثل وزارة الدفاع ووزارة الداخلية ووزارة المالية، وبين وزارات الخدمات مثل التعليم والصحة والرفاه، التي فيها أيضا يوجد أيضا تقسيم طائفي، لكنها ليست مكتوبة في الدستور.

عون يمكنه المحاولة والتأسيس لـ “حكومة تقنوقراط” في محاولة للانفصال عن الاملاء الطائفي، لكن هنا يتوقع مواجهة صراع سياسي شديد مع رؤساء الطوائف والحركات التي يدين اليها بانتخابه. في هذه المصفوفة المعرجة عون سيضطر الى التقرير ليس فقط كم سيكون عدد وزراء حزب الله (في الحكومة الحالية يوجد لحزب الله وزيرين من بين الـ 24 وزير) وحركة أمل يوجد لها 3 وزراء، بل كيف سيمنع الوضع الذي سيمكن من تشكيل معارضة داخل الحكومة. تشكيلة الحكومة ستحسم هل وكيف يمكن للبنان إعادة اعمار لبنان من الخرائب، القديمة التي كانت توجد حتى الحرب والجديدة في اعقابها. المفتاح يوجد في قدرة عون على تتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والقانونية التي تم املاءها من قبل الدول المانحة ومؤسسات التمويل الدولية كشرط حيوي، والتي بدونها لا يمكن للبنان توقع أي مساعدات مالية حقيقية باستثناء المساعدات الإنسانية.

مهمة أخرى ملحة هي تعيين قائد جديد للجيش اللبناني، يمكنه مواجهة تطبيق القرار 1701 ووقف اطلاق النار مع إسرائيل. الجيش اللبناني يواصل الانتشار على طول الحدود مع إسرائيل، لكنه حتى الآن بعيد عن مواجهة سلاح حزب الله وتجربته العسكرية، والمطالبة بنزع سلاحه، ليس فقط في جنوب لبنان، بل في كل الدولة. الجيش اللبناني هو جيش صغير، ضعيف، فقير وليست له تجربة. آلاف الجنود والضباط فيه تركوا صفوفه في السنوات الأخيرة للبحث عن مصدر رزق افضل. قبل سنتين اضطر عون الى جمع الصدقات من فرنسا وقطر والولايات المتحدة كي يدفع رواتب الجنود، 100 دولار في الشهر للجندي. هذا في الوقت الذي يحصل فيه مقاتلو حزب الله على راتب يبلغ 300 – 500 دولار في الشهر.

المقاومة اختفت

في خطاب أداء اليمين لم يذكر عون مفهوم “المقاومة” (ضد إسرائيل). بعض المحللين اعتبروا ذلك إشارة الى نيته لتوحيد وتجميع كل السلاح في الدولة في يد الحكومة والجيش. ولكن الامتحان العملي ينتظر وراء الزاوية، وهو يمكن أن يكون عنيف ويتدهور الى الشارع. حزب الله، الذي اعلن رئيسه في السابق بأن الحزب قام بترميم قدرته وأنه مستعد لكل تحد، لا يتوقع منه جمع سلاحه ووضعه الى جانب اكليل من الورود على عتبة قصر الرئاسة، لا سيما طالما أن إسرائيل ما زالت تحتفظ بمناطق داخل لبنان وتعلن عن نية البقاء في بعضها بشكل دائم.

“ساحة العبوات” الكثيرة هذه تنتظر عون ولبنان. وهي لن تتفكك من تلقاء نفسها. بدون مرافقة دائمة مقرونة بمساعدات سخية لمنظومة الدعم الدولية، فان المفرقعات التي اطلقت أمس في سماء بيروت يمكن أن تكون نقطة الضوء الوحيدة في انتخاب عون كرئيس.

مصدر الخبر
نشر الخبر اول مرة على موقع :natourcenters.com
بتاريخ:2025-01-10 15:08:00
الكاتب:Karim Younis
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

JOIN US AND FOLO

Telegram

Whatsapp channel

Nabd

Twitter

GOOGLE NEWS

tiktok

Facebook

/a>

Exit mobile version