وأكد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو أن أوكرانيا ستتلقى أول دفعة من طائرات ميراج 2000 المقاتلة من إنتاج شركة داسو في أوائل عام 2025. ويمثل تسليم هذه الطائرات علامة فارقة في المساعدة العسكرية الفرنسية المستمرة لأوكرانيا.
طائرة ميراج 2000، وهي مقاتلة متعددة الأدوار من الجيل الرابع صممتها شركة داسو للطيران، حلقت لأول مرة في عام 1978 وأصبحت منذ ذلك الحين عنصرًا أساسيًا في القوات الجوية الفرنسية والقوات المتحالفة. وهي مجهزة بمجموعة من أنظمة الطيران والأسلحة المتقدمة، مما يجعلها متعددة الاستخدامات في كل من مهام القتال الجوي والهجوم البري.
في حين أثبتت طائرة ميراج 2000 جدارتها على مدى عقود من الخدمة في صراعات بدءًا من حرب الخليج إلى العمليات في ليبيا وسوريا، فإن السؤال الحاسم هو كيف سيكون أدائها ضد التهديدات الروسية الحديثة، وخاصة سوخوي سو-35 ونظام الصواريخ أرض-جو إس-400.
تعتبر طائرة سو-35 على نطاق واسع واحدة من أكثر الطائرات المقاتلة تقدمًا في العالم. طورتها روسيا كتحسين لطائرة سو-27، وتتميز سو-35 بتحسينات كبيرة في الإلكترونيات والمدى والقدرة على المناورة وأنظمة الأسلحة. تمنحها أنظمة الرادار والحرب الإلكترونية المتقدمة ميزة في الكشف عن الأهداف البعيدة المدى والاشتباك معها.
في المعارك الجوية القريبة، تتمتع سو-35 برشاقة عالية، وذلك بفضل محركاتها التي تدعم تقمية الدفع الموجه. وهذا يثير المخاوف بشأن مدى قدرة ميراج 2000، التي تفتقر إلى هذه التقنية والتي يبلغ عمرها الآن أكثر من أربعة عقود، على المنافسة في مواجهة مباشرة.
وعلاوة على ذلك، فإن نظام صواريخ إس-400 تريومف، المعروف أيضًا باسم SA-21 Growler، يمثل تحديًا مختلفًا تمامًا. يُعتبر إس-400 أحد أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في العالم، مع القدرة على استهداف الطائرات والطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية على مسافات تصل إلى 400 كيلومتر.
يستخدم النظام أنواعًا متعددة من الصواريخ، كل منها مصمم لاعتراض أنواع مختلفة من الأهداف على ارتفاعات مختلفة. قد تجد طائرة ميراج 2000 نفسها، بدون قدرات التخفي، عرضة لأنظمة إس-400 بعيد المدى وأنظمة استهدافه المتطورة أثناء العمليات بالقرب من الأراضي التي تسيطر عليها روسيا.
لدى المحللين آراء متباينة حول ما إذا كانت طائرة ميراج 2000 قادرة على الصمود في مواجهة طائرة سو-35 في القتال الجوي. وحذر جاستن برونك، الباحث البارز في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، من أنه “في حين أن طائرة ميراج 2000 مقاتلة ذات قدرات عالية في عصرها، إلا أنها أقل شأنا من سو-35 في كل مجال أداء رئيسي تقريبا ــ وخاصة عندما يتعلق الأمر بمدى الرادار وقدرات الحرب الإلكترونية”. مضيفًا: “أفضل فرصة لأوكرانيا هي الاستفادة من شبكات الاستخبارات والقيادة والسيطرة التي يوفرها الغرب للتعويض عن التفوق الساحق لطائرة سو-35”.
من حيث السرعة وخفة الحركة، تتفوق السرعة القصوى لطائرة سو-35 التي تبلغ 2.25 ماخ قليلاً على السرعة القصوى لطائرة ميراج 2000 التي تبلغ 2.2 ماخ. ومع ذلك، فإن ما هو أكثر أهمية في القتال الجوي اليوم هو قدرة الطائرة في القتال خلف مدى الرؤية [BVR]، حيث تلعب أنظمة الرادار والصواريخ دورًا بارزًا.
تم تجهيز طائرة سو-35 برادار Irbis-E، الذي يمكنه تتبع ما يصل إلى 30 هدفًا في وقت واحد والاشتباك مع ما يصل إلى ثمانية منها على مسافات تصل إلى 400 كيلومتر. في المقابل، لا يوفر رادار RDY الخاص بطائرة ميراج 2000، على الرغم من كفاءته، نفس مستوى المدى أو القدرة على تتبع الأهداف المتعددة. وهذا يجعل من الصعب على طائرة ميراج 2000 الاقتراب من طائرة سو-35 دون اكتشافها والاشتباك معها أولاً.
وعلاوة على ذلك، توفر صواريخ جو-جو آر-77 وآر-27 الخاصة بطائرة سو-35 مدىً فعالاً أطول من صواريخ ميكا الخاصة بطائرة ميراج 2000. ورغم أن صاروخ ميكا يتمتع بقدرة عالية على المناورة ويمكنه تحديد الأهداف بعد الإطلاق، فإن مداه الذي يبلغ نحو 80 كيلومتراً مقارنة بصاروخ آر-77 الذي يمكنه الوصول إلى أهداف على بعد يصل إلى 110 كيلومترات. وهذا يضع طائرات ميراج في وضع غير مؤات من حيث القدرة على الإطلاق أولاً، وهذا يعني أن الطيارين الأوكرانيين سوف يحتاجون إلى الاعتماد بشكل كبير على الفطنة التكتيكية والمفاجأة وربما الدعم الخارجي من أنظمة الدفاع الجوي الأخرى لتحقيق التوازن في الميدان.
أما فيما يتعلق بالتهديد الذي يشكله نظام “إس-400″، فهناك تحديات أكثر صعوبة. إن قدرة نظام إس-400 على اكتشاف الطائرات والاشتباك معها على مسافات بعيدة تعني أن طائرة ميراج 2000 ربما تحتاج إلى العمل خارج نطاق اشتباك النظام لتجنب إسقاطها. وهذا من شأنه أن يحد من قدرتها على توفير الغطاء الجوي في المناطق المتنازع عليها، وخاصة فوق شرق أوكرانيا، وهي المناطق تنتشر فيها شبكات الدفاع الجوي الروسية بكثافة كبيرة.
ويشير ديفيد ديبتولا، وهو ملازم أول متقاعد في سلاح الجو الأميركي وعميد معهد ميتشل لدراسات الفضاء، إلى أن “طائرة ميراج 2000 تشكل منصة ممتازة لمهام التفوق الجوي في البيئات المسموح بها، ولكن في مواجهة شيء مثل إس-400، فإنها عرضة للإسقاط بشكل كبير ما لم يتم دمجها في عملية أكبر ومتعددة المجالات”.
وتشكل الاستدامة مصدر قلق آخر لأوكرانيا في دمج طائرة ميراج 2000 في قواتها الجوية. إن اللوجستيات اللازمة للحفاظ على أسطول طائرات أجنبي معقدة، وخاصة في ظروف الحرب. وتشغل أوكرانيا بالفعل مزيجًا من الطائرات من الحقبة السوفييتية مثل ميغ-29 وسو-27، وإضافة ميراج 2000 سوف تتطلب بنية تحتية جديدة، وتدريبًا، وسلاسل إمداد. وتعتبر قطع الغيار والموظفين المؤهلين أمرًا بالغ الأهمية للحفاظ على تشغيل الطائرات، وقد تؤدي الاضطرابات في سلسلة التوريد إلى توقف جزء كبير من الأسطول.
وعلاوة على ذلك، فإن الفترة الانتقالية للطيارين الأوكرانيين وأطقم الأرض ليصبحوا بارعين في التعامل مع طائرات ميراج 2000 قد تستغرق عدة أشهر. ووفقاً لجون فينابل، خبير السياسة الدفاعية في مؤسسة هيريتيج، “حتى لو تمكنت أوكرانيا من تشغيل هذه الطائرات بسرعة، فهناك خطر حقيقي يتمثل في أن قضايا الصيانة والتشغيل قد تعوق فعاليتها في الأمد البعيد، وخاصة إذا استمرت الحرب”.
وفيما يتعلق بالقدرات الجوية-الأرضية، فإن طائرات ميراج 2000 مجهزة لحمل مجموعة من الذخائر، بما في ذلك القنابل الموجهة بالليزر، والصواريخ جو-أرض، والصواريخ المضادة للإشعاع. وقد تكون مفيدة في استهداف المواقع الأرضية ومنشآت الرادار الروسية.
ومع ذلك، فإن العمل في المناطق المحمية بنظام إس-400 سيتطلب تشويشًا متطورًا وقمع جهود الدفاع الجوي للعدو [SEAD]، وهو ما قد لا تتمكن أوكرانيا من توفيره على نطاق واسع. تم تصميم رادارات منظومة إس-400 لمواجهة محاولات التشويش، وهو ما يزيد من تعقيد المهمة بالنسبة للطيارين الأوكرانيين.
وعلى الرغم من هذه التحديات، يزعم البعض أن طائرة ميراج 2000 لا تزال تشكل أصلاً قيماً للقوات الجوية الأوكرانية. فقد صرح طيار سابق لطائرة ميراج 2000، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، قائلاً: “تكمن نقاط قوة ميراج في بساطتها وموثوقيتها وسهولة التحكم فيها من قِبَل الطيارين. وفي أيدي الطيارين المهرة، يمكنها أن تثبت نفسها في العديد من المواقف القتالية، وخاصة إذا تمكنوا من تعظيم نقاط قوتهم من حيث السرعة ومعدل الصعود للتغلب على الطائرات الروسية الأثقل وزناً”.
إن نقاط قوة الطائرة الفرنسية، مثل نسبة الدفع إلى الوزن العالية وتصميم الجناح المثلث، تجعلها شديدة المرونة في القتال الجوي. وقد تكون قدرتها على الصعود بسرعة والانخراط في تكتيكات الضرب والهروب أصلاً قيماً في مواقف معينة، وخاصة إذا تم استخدامها جنباً إلى جنب مع دعم الاستخبارات والاستهداف من قِبَل حلف شمال الأطلسي. بالإضافة إلى ذلك، فإن تكلفتها التشغيلية المنخفضة نسبياً مقارنة بمقاتلات الجيل الخامس مثل إف-35 تعني أن أوكرانيا تستطيع تحمل تكاليف إبقاء هذه الطائرات تحلق بشكل أكثر ثباتاً.
في نهاية المطاف، ورغم أن طائرة ميراج 2000 تشكل طائرة هائلة في حد ذاتها، فإن فاعليتها ضد الأنظمة الروسية الأكثر حداثة مثل سو-35 وإس-400 موضع شك في غياب دعم خارجي كبير. ومن المرجح أن تلعب طائرة ميراج 2000 دوراً تكميلياً، لسد الثغرات خاصة مع العدد القليل من الأصول الجوية الأوكرانية الحالية، ولكنها لن تقود الهجوم ضد أكثر الدفاعات الروسية تطوراً.
وفي الختام، فإن قرار فرنسا بتزويد أوكرانيا بمقاتلات ميراج 2000 يشكل خطوة ذات أهمية سياسية، ولكن التحديات التشغيلية هائلة. وتواجه طائرات ميراج 2000 عيوباً كبيرة عندما تتنافس مع طائرات سو-35 الروسية في الجو وأنظمة إس-400 على الأرض.
وفي حين أن هذه الطائرات سوف توفر بعض التحسينات في القدرات، فمن غير المرجح أن تغير ميزان القوى ما لم يتم دمجها في استراتيجية أكبر تشمل الاستخبارات الغربية والتكتيكات المتقدمة، وربما أنظمة قمع الدفاع الجوي الأكثر تطوراً. وسوف يعتمد ما إذا كانت أوكرانيا قادرة على الحفاظ على هذه الطائرات في الأمد البعيد إلى حد كبير على قدرتها على إدارة اللوجستيات والتدريب في خضم الحرب المستمرة.
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
JOIN US AND FOLO
Telegram
Whatsapp channel
Nabd
GOOGLE NEWS
tiktok
مصدر الخبر
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي
نشر الخبر اول مرة على موقع :www.defense-arabic.com بتاريخ:2024-10-21 13:44:00